أقلام

القراءة والعقل

أمير بوخمسين

هناك أسئلة كثيرة لا تزال تراود الكثير من المثقفين والمفكرين في العالم.. ذلك أن البتّ في هذا الأمر مسألة صعبة للغاية، وبحاجة إلى دراسات مستفيضة تستغرق وقتاً طويلاً، الأمر الذي يضع الجميع أمام أسئلة عريضة لا يمكن تجاوزها أو إغفالها لأي سبب كان. فالعقل هو أهم ما في الإنسان، وهو الأساس الذي ترتكز عليه حياته، فلولا وجود العقل لما استطاع الإنسان أن يكون قائداً للأرض ومعمراً لها، لان العقل هو الذي يُميز الإنسان عن سائر المخلوقات، ويُقصد بالعقل الشيء المعنوي الذي ينتج عن العمليات الدماغية في داخل مخ الإنسان، فالدماغ هو مستودع العقل وهو المسؤول عن القدرة على التفكير والاستنتاج. كما أن القراءة تجعل عقلك يعمل لأنها بمثابة الرياضة بالنسبة لجسمك. فهي تمنحنا الحرية لنتجول في اتساع المسافات والوقت والتاريخ، إضافة إلى أنها تقدم لنا نظرة أعمق على مستوى الأفكار والمعتقدات والعواطف وهيكل المعرفة. فيقول روبرت بولانو: ” القراءة كالتفكير، كالصلاة أو كالتحدث إلى صديق.. أنها كالتعبير عن أفكارك أو كالاستماع إلى أفكار الآخرين. إن القراءة كسماع الموسيقى، مشاهدة منظر أو المشي على الشاطئ”. إلا أن المثقفين والمفكرين الذين أخذوا على عاتقهم الاهتمام بهذا الموضوع المهم بالنسبة لمسيرة المجتمعات نحو الأمام ينقسمون إلى قسمين، وكل قسم يؤمن بنظرية تغاير الأخرى من جميع الجوانب.. فالنظرية الأولى التي يقودها ويدعمها جيل وشريحة عريضة من المثقفين والمفكرين في العالم سواء كانوا عرباً أو أجانباً هي التي تقول بعدم الفرق بين القراءة والعقل.. وينطلقون في مقولتهم هذه من الحقيقة الواضحة والجليّة للجميع وهي أن القراءة تنمّي العقل وتزوده بزخم من المعلومات والأفكار وبالتالي تقوده نحو التفكير الصائب. الأمر الذي يصعب معه والحال هذه التمييز والفصل بين هذين العنصرين المهمين بالنسبة للإنسان المثقف والمفكّر. أما أصحاب النظرية الثانية فيقولون العكس.. حيث يدعمون المقولة الشائعة لدى الوسط الاجتماعي وهي الفرق الواضح والكبير بين القراءة والعقل. القائلون بالنظرية الثانية يأخذون على أصحاب النظرية الأولى بعض المآخذ.. ويقولون إن الأخيرين وقعوا في الخلط والالتباس في التفريق بين القراءة والعقل.. فلا ريب أن القراءة تنمّي العقل وترفده بالمعلومات وتقوده إلى الأفكار الصائبة.. إلا أن هذا لا يعني وحدتهما.
إن العقل بحاجة ماسة إلى القراءة، ولكن حاجته هذه ليست تلك التي تجعله أسير القراءة.. فباستطاعة العقل الاستقلال التام عن القراءة. والدليل على ذلك أن الكثير من المخترعين وذوي المواهب قاموا باختراعاتهم دون أن يكون لديهم رصيد معرفي وثقافي، مثل أديسون مخترع الكهرباء، وإسحاق نيوتن صاحب قانون الجاذبية الأرضية.. ويضيف أولئك بأن الدلائل لا تشير إلى هذه الحقيقة، إذ لا يمكن بحال من الأحوال تطبيق الكثير من النظريات التي توصل إليها العلماء في حقل القراءة.. فإن القضية بحاجة إلى تعميق ودراسة مستفيضة قبل البت في صحة أيّ من النظريتين السائدتين في أوساط المثقفين والمفكرين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى