أقلام

هوس الكتب

يوسف الحسن

عرف عن (وارن بافت) وهو أكبر مستثمر في بورصة نيويورك الذي قدرت ثروته يوماً ما بـخمسة وستين مليار دولار أنه كان يقول عن نفسه إنه يقرأ ست جرائد في مجال عمله يومياً عندما يستيقظ، إضافة إلى خمسمائة صفحة من الكتب. هذا مجرد أنموذج من المهوسين بالكتب، ولكنه وظفها في مجال أعماله وتوسيع مداركه في مختلف المجالات الحياتية.

في المقابل هناك نوعية أخرى من المهوسين بالكتب، ولكن من جانب سلبي وهم المصابون بإحدى الأمراض المرتبطة بالكتب، ويسمى (مرض المثقفين) أو (داء العباقرة) أو هوس الكتب ( Bibliomania ). ورغم أنه لم يعترف به حتى الآن على أنه من الأمراض النفسية، إلا أن هناك من يصاب به باستمرار، ولا يستطيع الفكاك منه، وأقصى ما يسمونه أنه نوع من أنواع الوسواس القهري.
هل صادف أن قابلت شخصاً لديه رغبة جامحة في امتلاك الكتب، وحين يرى أي كتاب يعجبه فإنه يمتلئ بالبهجة والسعادة، ولا يتمالك نفسه من أخذه أو شراءه حتى لو كان يعلم بأنه لن يقرأه؟ هذه النوعية هي المصابة بمرض الببليومانيا.
وتبدأ مشكلة المرض مع أغلب المصابين منذ الصغر، ثم ما تلبث أن تكبر معهم شيئاً فشيئاً حتى تتطور إلى درجة مرتفعة من الشره لاقتناء الكتب بشتى الطرق دون تدقيق في أسماء الكتب أو مجالاتها. ومن مواصفات المصاب بهذا المرض أيضا أنه في الغالب مفلس بسبب إنفاقه المال على شراء الكتب، بل إنه قد يشتري أكثر من نسخة من نفس الكتاب كونه يشعر بسعادة جديدة كلما اقتنى نسخة جديدة، حتى لو كان ذلك الكتاب موجوداً لديه رغم أنه قد لا يقرأ هذه الكتب أبداً. كما يتميز بأنه شخص غير اجتماعي، ولا يثق بالآخرين حيث لا يمكنه أبداً أن يعير أحداً شيئاً من كتبه. وقد أصيب بهذا المرض بعض المشاهير، كان أولهم الشاعر والرسام اليوناني يوربيديس الذي عاش في القرن الخامس قبل الميلاد، وكذلك السير توماس فيليبس الذي وصل عدد كتبه مائة وستين ألف كتاب ومخطوط، بيعت في مزاد بعد وفاته.
وهناك حالة أخرى تناقض هذه الحالة موجودة في بعض البلدان الأوربية حيث يقوم بعض الركاب بشراء روايات من محطة القطار ثم قراءتها، وعند نهاية الرحلة يتركونها على الكراسي ويغادرون، ليقرأها من يأتي بعدهم في الرحلة التالية.
ورغم أن مريض الببليومانيا يجسد حالة من الأنانية مع حب التملك، إلا أنه لا يمكن اعتبارها أمراً سيئاً وشراً مطلقاً طالما لم تتم سرقة كتب من آخرين، لأن المحبوب هنا هو كتاب، والهدف في الغالب هو القراءة. إننا نسمي مريض الببليومانيا مريضاً لأنه مع ما يمتلك من عدد هائل من الكتب إلا أنه قد لا يقرأها أبداً.
وينبغي التنويه هنا إلى أنه ورغم ما يشوب هذه الحالة من سوء، إلا أنه لم ترصد أمثالها في مجتمعاتنا، وربما نحن بحاجة إلى وجودها، لأن حالة التطرف هذه في حب الكتب يمكن – في حال وجودها – أن تخلق نوعاً من التوازن في التعامل مع الكتب التي طالما عانت الهجران، وربما يدفع وجود هذه الكتب في منزل المهوس بالكتب أفراد عائلته إلى القراءة في المستقبل أو حتى بعد وفاته. فهل نسمع عن مرضى بالببليومانيا قريبا في بلادنا؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى