أقلام

قراءة في قصة (لهو)

هاني الحسن

إن كنت قرأت مجموعة الكاتبة والمترجمة الشابة أمينة الحسن دون التوقف عند قصة “لهو” القصيرة فإنك لم تعرف معنى أن تقرأ عمود المجموعة ومحور ارتكازها في مجموعة قصصية، وكأنك دخلت في مكة المكرمة ولم تنصرف لكعبتها لتؤدي مناسكها.

أدعي قاطعاً مستيقناً بأن كاتبة ما تمتلك أدوات التعبير عن نفسها وبنات جيلها إذا كان لديها مثل هذا العنفوان التي تمتلكها الأستاذة أمينة في هذه المجموعة.

وقادرة على الولوج في أعقد قضايا المرأة بل وقضايا المجتمع الحساسة.

وردت في هذه القصة هذه الروح الحرة والمعبرة التي تخترق حواجز التابو الشرقية من أوسع أبوابها، وتلج في المحظور بما يرمز له لدى المحافظين بأكثر من رمزية واحدة بشيء واحد.

بل وإن اللغة فيها والمنولوج النفسي والحوار الساخر من أشد ما يلفتك لأن الكاتبة هنا تعبر عن ذاتها بعمق وصدق، لذلك تجد هذا التجلي الفارق.

بل إننا لا نحتاج أن نسقط هذه القصة على ذات الكاتبة بالضرورة، فما كتبته وصورته هو الحاصل بذاته أو بصور ليست بالبعيدة عن الواقع.

تلج القاصة سريعاً في تصوير الحال من أقصر الطرق، وهذه المرة عن طريق الأم التي تمثل حجر الممانعة الأول في رغبات بناتها، وتشكل حائط الفضيلة الصاد الأول قبل غيره من المتزمتين، فهي ترى رغبات بناتها محرمة كلحن عود شرقي منبوذ!

وولو أردنا أن نقتبس من هذه القصة القصيرة ما يخلدها، فهاك -أيها القارى- هذا النص مثلا:
” أريد أن أجرب ذلك الجنون فعلاً الذي نتحدث به ولا نفعله، والشيء الذي نفكر به ولاننطقه، لماذا يتوجب علينا السير وفق نظام واحد مثل كوكب ضمن المجموعة الشمسية، لنقضي حياتنا وسط فراغ كبير، اليوم أنا حرة لدي مسكني الخاص، وروحي تبحث عن بوابة للدخول إلى الأرض علي وطؤها..”

كذلك أقتبس الجزء الأخير من القصة حيث تقول:
“هل يمكن أن نسكن في مكان يخصنا وحدنا بعيداً عن ملاحقة العيون والظنون، إنني أختنق، أو مختنقة حقاً، وقد أنتهي..”

إليك هذه المفاهيم وتعاريفها حسب وروردها لدى الشرقيين بصفة عامة:
– العود كناية عن الصورة النمطية المنبوذة النغمة في المجتمع الشرقي.

– البيانو كناية عن الإثم ومصدره.

– الذهب هو العزوة والذخر الذي لا يجب أن نفرط به، ولا نلسمه للعدو، وهو هنا الرجل.

– الموسيقى الكلاسيكية تنساب فيها الحياة رعصاتها ورقصاتها التي تحتضن أرجاء شقتي الصغيرة.

وحدها الموسيقى محيطها عذب، ولا يرغب النجاة من موتها، فهي التي تلامس الغيم بأطراف الأنامل، وتجعلها تحلق أي مكان تذوب فيه الذات وتتلاشى برضا.

– الخصوصية تكمن في البعد عن ملاحقة العيون والظنون.

إن كل ما ذكرت ليس الوحيد ولا الفريد فحسب، بل هناك ما يعادله في قصص أخرى لا تقل حساسية من هذه المجموعة.

ولعلني اخترت أهمَّها بحسب زعمي، ولك أن تتخيل ما لم أشر له بحريتك وخيالك الرحب إن أمينة أمسكت بالقلم بقوة، وولدت واقفة وهي تعاقر هذا الفن السردي، وقصة “لهو” خير سفيرة تمثل هذا الوهج في تجربة أمينة القصصية في هذه المجموعة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى