أقلام

ثقافة اللعنة

سيد جواد المهري

كثر الكلام في الأيام الأخيرة حول تأثير اللعن أو حتى جوازه للكفار والظالمين وحتى قتلة الإمام الحسين عليه السلام.
فمنهم من قال بأن الإمام المعصوم كيف يمكن أن يجعل الجزء الأكبر من الزيارة (زيارة عاشوراء) للّعن ؛ لعن قتلة الحسين ومن ساهم في قتله؟ ومنهم من قال: ماذا يفيد اللعن لعظام أصبحت رميمة بل وتراباً، فماذا ننتفع من لعن التراب؟! ومنهم من قال بأن اللعنة تنبئ عن نوع من التشاؤم والعنف ونحن لا نحب العنف!
في الجواب لابد من مقدمة موجزة.

الإنسان ليس صخرة صماء أو جماداً لا حراك له بل هو عبارة عن مشاعر وأحاسيس، إضافة الى العلم والمعرفة؛ يحس بألم الآخرين فينهار، ويشعر بفقر الفقراء فتسيل دموعه مدراراً. يسمع بمصيبة قوم وفاجعة أمة فيصيبه الحزن والغم وكأن ما حديث لغيره قد حدث له بالفعل. وحينما يسمع بفرحة عزيز ومسرة صديق يبتسم دون اختيار، ويفرح من كل قلبه عندما يجتاز ابنه أو ابنته مرحلة من مراحل الدراسة المتعمقة وكأنه هو الذي اجتازها. وحتى إنه عندما يريد أن يؤدب ابنه ولو بتوبيخ أو عتاب يكسر قلبه ويعتصر فؤاده ألماً وحزناً.
هذا هو الإنسان بلحمه ودمه وروحه .. فإن كانت هناك لعنة أصبّها على قاتلي مواليّ فإن اللعنة لا تصب على تلك العظام الرميمة كما تصور البعض بل اللعنة تصب على صاحب تلك العظام وهو الذي لا يموت بموت جسده بل يبقى بروحه في عالم البرزخ يُعذّب بعذاب الله أو يتنعم بنعمه التي لا تُحصى إلى يوم القيامة.
ولكن: هل يفيده أو يفيدني اللعن؟
نعم، فأنا عندما ألعنه فإنما أتبع مواليّ أولاً في لعن أعداء الله ولعن الظالمين. وفي هذا قطعاً أجر جزيل لأنني أتقرب الى الله بالبراءة من أعداء آل محمد واللعنة عليهم كما هو المتّبع في منهاج رسول الله وأهل بيته الكرام عليه وعليهم السلام.
وأما الطرف الآخر فلا شك أنه كلما ازدادت اللعنات عليه وعلى روحه الشرسة الخبيثة فإن الله يزيد في عذابه وعقابه وبذلك فليفرح المؤمنون.
وبعد ذلك فإن اللعنة على الظالمين والجائرين خُلق رباني بل وخلق جميع الأنبياء والمرسلين.
قال تعالى: ” ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين ”واللعنة هنا لا تنحصر بشخص دون شخص بل لعنة عامة تشمل جميع من لا يؤمن بالله. وقال تعالى : ” لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم، ذلك بما عصوا كانوا يعتدون” فهنا يذكر الله اسم نبيين من أنبيائه العظام وأنهم لعنوا المعتدين، وحتى العصاة (إن لم يتوبوا إلى الله) وهذا أنموذج لاعتبار كل الأنبياء من اللاعنين الذين يلعنون الظالمين من كل قوم وأمة. فهذا ديدنهم وهذا خلقهم، شاء من شاء وأبى من أبى.
ثم إن الله يأمرنا إيحائياً باللعن في قوله تعالى : ” إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيّناه للناس في الكتاب، أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون ” فالأمر لا يقتصر على لعنة الله والأنبياء فحسب بل هذه سنة الله أن نلعن من لعنه الله. وكم من مرة لعن الله الظالمين والمعتدين في القرآن الكريم، وكم من لعنة نزلت على الظالمين والعتاة من قبل أولياء الرحمن هنا وهناك، إلى يوم المعاد. فإذا كان الله يدعونا وبصراحة أن نلعن الذين يكتمون حقائق الدين والشريعة – حسب الآية الكريمة – فإننا لا شك مدعوون إلى لعن الظالمين بطريق أولى، فكيف بمن ظلم آل محمد، أصفى وأفضل وأكرم وأطهر وأطيب وأسمى خلق الله من الأولين والآخرين ؟!
وهذا لعمري هو التبري من أعداء الله حيث إننا ملزمون بتولي أوليائه والتبري من أعدائه، وهذا في صميم ديننا وعقيدتنا.
ومن حسن الحظ أن رسول الله صلى الله عليه وآله قبل عشرات السنين من مقتل الحسين عليه السلام لعن قاتليه وقد نقله الفريقان في كتبهم ولا داعي للإعادة فقد سمعه كل المؤمنين.
روى الحاكم عن عائشة أنّه قال صلى الله عليه وآله وسلم: «ستّة لعنتهم، لعنهم الله وكلّ نبيّ مجاب: الزائد في كتاب الله، والمكذّب بقدر الله تعالى، والمتسلّط بالجبروت؛ فيُعزّ بذلك مَن أذلّ الله ويُذلّ مَن أعزّ الله، والمستحلّ لحرم الله، والمستحلّ من عترتي ما حرّم الله، والتارك لسنّّتي» (المستدرك ١-٩١)
و بعد كل هذا فإن الذي قتل الحسين أو قتل أي فرد من أولياء الله أو استحل حرم الله أو انتهك قداسة إمام أو معصوم أو نبي مرسل إنه يعتبر عدواً لنا، والإنسان مفطور بطبعه على بغض المعتدين والظالمين والمنتقصين لكرامة أولياء الله، فهل نبتسم في وجوههم؟ أو نبغضهم ونلعنهم ونتبرأ منهم، تقربا إلى رب العالمين؟
وأصلاَ تكامل الإنسان وسعادته تكمن في أن يكون محباً لأولياء الله ومبغضاً لأعدائه وإلا فمثله كمثل الذي يستمع إلى سخرية الأعداء من الدين والعقيدة فيجلس معهم ويستمع إليهم ويسكت عن جرائمهم. قال تعالى: ” وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم” ..!! لا حول ولا قوة الا بالله. إنكم إذن مثلهم.
هل يمكن السكوت والتغاضي عن كل تلك الجرائم النكرة التي سودت وجه التاريخ؟
نعم، ليس عندنا الآن إلا أن نبكي على ما حصل لأوليائنا وما كنا معهم لننصرهم ونجيب واعيتهم، وهذا البكاء أيضاً أمر في غاية اللطف وإلا فكنا نموت كمداً وحزنا على موالينا سلام الله عليهم. وننتظر بفارغ الصبر إمامنا المنتظر روحي فداه لننتقم من أعداء آل محمد في الدنيا قبل الآخرة.
ثم إن لنا في إبراهيم أسوة حسنة ” إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده ” فالبراءة سنة إلهية وسنة نبوية، وإذا قال أصحاب إبراهيم لقومهم إنا برآء منكم فنحن نقول بملء الفم إلى أعداء آل محمد: إنا والله برآء منكم. ثم إن العداوة والبغضاء بدت بينهم وبين أعداء الله وهكذا فلير العالم أننا نبغض أعداء الله وأعداء آل محمد ونتبرأ منهم ونتقرب إلى الله باللعنة عليهم والبراءة منهم في الدنيا والآخرة. فإن
البراءة مثل الولاية بل عدل الولاية: كفان في ميزان الحق لا ينفصلان ولا ينفصمان أبداً مثل ما أن الرحمة والشدة كفان في ميزان العدل فإننا رحماء بيننا (رحماء بينهم) في الوقت الذي نحن أشداء على أعداء الله ( أشداء على الكفار ) وبهذا التولي والتبري نكون قد أنصفنا أنفسنا، وأدينا واجبنا تجاه ديننا وأوليائنا ننتظر الرحمة من الله علينا وعلى المؤمنين واللعنة والعذاب الأليم على الظالمين والمعتدين من الآن الى يوم يبعثون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى