بشائر المجتمع

الشيخ آل سيف: تأثير حديث الحسين (ع) على عدوه

بشائر: الدمام

أكمل سماحة الشيخ فوزي آل سيف شرحه لخطبتي الإمام الحسين (ع) في يوم عاشوراء، مشيراً إلى الاختلاف الكبير بين الخطبتين، من حيث المعنى والأسلوب.

ذكر ذلك في الليلة الثانية عشر من محرم الحرام، في مجلس المرحوم الحاج حسن عبدالله البوحليقة، بسيهات.

وبين سماحته أن الخطبة الأولى كانت تمتاز بالمعنى التوافقي والأسلوب الهادئ، وكان (ع) في موقف إلقاء الحجة عليهم، مشيراً إلى اختياره (ع) في الحوار بالقضايا الإتفاقية، مشيداً إلى إنه أسلوب ينبغي أن يتخذه الآخرين في المفاهمه، وذلك بِـ إبتداء الحوار من نقطة الوفاق منتهياً بنقطة الخلاف، خلافاً عن الخطبة الثانية التي كانت صريحة وقوية الأسلوب كالعاصفة.

واستشهد على ذلك الإسلوب في مواقف النبي محمد (ص)، حيث كان يبدأ من نقطة الوفاق، مبيناً موقف الحسين (ع) في بداية خطبته بقوله: (أنسبوني من أنا؟.. أو لست إبن بنت نبيكم؟!)، ذاكراً إن هذه النقاط متفق عليها ولايمكن نكرها.

واسترسل سماحته قائلاً: “إنه (ع) وضح نسبه ومقامه في حديث رسول الله عنه وهو: (الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة)، وهو حديث متفق عليه في المدرستين، ومن الطبيعي إذا كان (ع) سيد شباب أهل الجنة فهي مرتبة عالية لاينالها كائن من كان، فأراد (ع) أن يتفق معهم على قضية مهمه تنفعه في الإحتجاج عليهم، وقال (ع) بصدق: (والله ماتعمدت الكذب…)، لاحظوا ذكائه (ع) فلم يقل (انا ماكذبت) لإن أولئك لايعترفون له بالعصمه”.

كما أضاف إنه (ع) تحدث معهم بما هو مُسلمٌ، حيث كان في مقام الإلزام ليتفق معهم في قضايا يقرون بها، مفصلاً في حديثه (ع) حيث قال: (سلوا عبدالله بن جابر الأنصاري وأبي سعيد الخدري…وغيرهم يخبروكم إنهم سمعوا هذه المقالة من رسول الله فيّا…)، فهو قد أنهى باب الشك لديهم.

ونبه سماحته إن الأشخاص الذين ذكرهم (ع) ذوات مقامات مختلفه، فأفضلهم -حسب إعتقاده- هو عبدالله بن جابر الأنصاري، أما غيرهم فهم قد سمعوا مقالة رسول الله فحسب، متطرقاً إلى قوله (ع): (ويلكم أما في هذا حاجزٌ لكم عن سفك دمي) حيث وضح لهم (ع) مقامه المعنوي وإنه سيد شباب أهل الجنة، متسائلاً ألا يكون هذا المقام ردعٌ عن سفك دمائه (ع)؟، لافتاً أن شمر بن ذي الجوشن أراد إفساد تأثير كلامه (ع).

وأكمل قائلاً: “وفعلاً كان بإمكانه أن يؤثر، ويخشى من أن يتأثرون من حديثه (ع)، وبالتالي سوف تتحطم آماله من أن يكون قائد الجيوش والأموال وغيره، فأراد أن يُخرب كلام الإمام، وقام بموقف المُتغابي، وأفسد الكلام الحق”.

وأشار إلى حبيب إبن مظاهر الذي رد عليه رداً قوياً جداً، حيث قال له: (أنا أشهد إنك تعبد الله على سبعين حرفاً)، وذلك لكونه شديد التقلب ويجري وراء مصالحه دون أن يحجزه الدين، موضحاً إنه من يعبد الله على حرف فهو مذموماً في القرآن فكيف بسبعين حرف؟!، ويعني إنه في حال النعمه يستبشر وفي حال النقمه ينكر نعم الله عليه ويجحد ربه، مبيناً وضوح كلامه (ع) وصدق رسالته.

وأستفهم سماحته قائلاً: “رجع الحسين (ع) حتى لايضيع أثر كلامه، وقال (ع): (أتشكون إني إبن بنت نبيكم؟!)، هل يوجد شك إنه (ع) لايُنسب إلى جده رسول الله؟؟، فهل ينبغي أن تقتلوه أو أن تحفظوه؟؟، فهل قتل منكم أحد؟ او أخذ من اموالكم شي؟؟ او ضرب منكم أحد؟؟!”.

وتابع سماحته إنه انتقل (ع) للمرحلة الثانية وتعد من أهم المراحل في الأحتجاج، حيث نادى (ع) قادة جيشهم -بأسمائهم- الذين لهم السلطة بفعل أي شيء، وحاججتهم على كتابهم له أن يقدم لهم، مشيراً إلى غرضهم في كتابهم له (ع) بغرض المناصب والاموال، وهم يقومون بأعمال يظهرون أنفسهم إنهم مخلصون لبني أمية، وهم أنفسهم هم من أرسلوا رسائل للإمام (ع) يدعونه للقدوم إليهم، فالإمام يفضحهم ويبين خيانتهم.

وفصّل سماحته إن القائد حينما يُفضح أمام جنوده، فإن ثقتهم تهتز بقائدهم وهذا مافعله (ع)، مشيراً الى آلاف الرسائل التي وصلته إليه (ع) بتواقيع مختلفه.

واستحضر سماحته الخطوة الثالثة في تدرج الإمام (ع) في الاحتجاج، في قوله (ع): (فأما إذا كرهتموني، فدعوني أنصرف عنكم…)، منبهاً البعض من الناس الذين يجردون كلماته (ع) عن ظروفها الزمانية والمكانية والمقامية، مؤكداً لوجوب التحقق من البيان والمعنى والإطار العام، مستنكراً تفسير البعض بإنه (ع) أخطأ وسيذهب عنهم وينصرف!، مشيراً إلى تأثير كلماته (ع) في نفوس الكثير منهم، مستشهداً بالحر إبن يزيد حيث قال لعمر إبن سعد قبل أن يذهب مع الحسين: (أمقاتلٌ أنت هذا الرجل؟!!).

وذكر بشاعة رده حيث قال: (نعم.. قتال أيسره تطير فيه الرؤوس وتطيح فيه الأيدي)، مبيناً أن أمثال هذا يمثلون أمام غيرهم بالجديه، بينما يرسل لإبن زياد إنه تم إجماع الكلمة وغيره وهذا كُله كذب وزور، حيث كان يسعى وراء ملك الري.

وأشار سماحته بأنه لو الإمام (ع) خاطبهم منذ البداية بالخطاب الخشن ولم يتدرج معهم، فقد يتغير موقف الحر والكثير معه، فالحسين (ع) ليس جاء ليستشيرهم وإن لم يقبلوا سينصرف!، بل كان في مقام الإحتجاج وتفتيت قوة الجيش، مبيناً موقف قيس بن الأشعث وخيانته، ومشاركة أبيه في قتل أمير المؤمنين (ع)، وأخته جعدة التي قامت بسم الإمام الحسن (ع)، موضحاً موقف اخوه محمد بن الأشعث مع مسلم بن عقيل، فهم شجرة غدر وسوء واحدة.

وختم قائلاً سماحته: “لاحظوا إنه (ع) ختم خطبته الأولى بإسلوب الإحتجاج الهادئ، ومحاولة إيضاح مواقف الإتفاق، وقدم إليهم بالدابة (الناقة)، والناقة ليست للقتال، بينما في خطبته الثانية ركب فرسه، وتقلد عمامة رسول الله وسيفه، وبدأ مرحلة جديدة”

يذكر أن عند أهل البلاغة، يكون للحروف أصوات خاصة وشدة مثل: التاء والباء وغيرها، وبعضها فيها ليونة وخفة، وتستخدم كُلاً منها في مواقف مختلفه على حسب الأحوال المترتبة، وهذا ماستخدمه (ع) في خطبتة الثانية التي كانت شديدة المعنى وغاضبة وحازمة في الكلمات، حيث استخدم (ع) كلمات صاعقة مثل: تباً لكم، سُحقاً لكم، ناصحاً بإقتناء كتاب (مثالب العرب) لأبن الكلبي الذي يشرح خطبته (ع) بالتفصيل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى