بشائر المجتمع

الشيخ آل سيف: خطبة السيدة زينب (ع) توقظ الروح الميتة

بشائر: الدمام

استبعد سماحة الشيخ فوزي آل سيف في حديثه حول حركة ركب السبايا (ع) إلى الكوفة ما ورد في بعض المصادر من أن ابن زياد سيّر السبايا إلى بلاد الشام بعد أن أرسل إلى يزيد يسأله ويستأمره، لافتاً إلى أن ابن زياد كان يرى نفسه أولى بالحكم من يزيد، ذكر ذلك في ليلة ١٥ من شهر محرم.

وأشار إلى أن الفتح -عندهم- لا يتم إلا بتسير ركب السبايا إلى الشام العاصمة الأموية، ويجب أن تحتفل بالانتصار، أما الكوفة فلم تكن إلا محطة في الطريق إلى الشام.

وأفاد سماحته أن التاريخ يسجل تكرر دخول السبايا على ابن زياد ربما مرتين أو أكثر، موضحاً أن ركب السبايا ترواح عددهم بين ١٥ إلى ٢٠ من الهاشميات، لأن السبي اقتصر على نساء أهل البيت واللصيقات بهن.

وذكر أسبابا لذلك، الأول: أن قسما من نساء القافلة الحسينية كن كوفيات، جئن إلى كربلاء برفقة أزواجهن، وبعد المعركة عدن إلى بيوتهن وعوائلهن، منوهاً إلى أن السلطة الأموية لم تمانع من تسرب النساء من غير بني هاشم.

ووضح سماحته أنه تم حبس ركب السبايا في سجن قريب من قصر الإمارة، مشيراً إلى أن السجون كانت على قسمين: سجون خارج المدينة للحبس لمدة طويلة، وكانت حالتها بائسة ويمارس فيها التعذيب، والقسم الثاني للحجز مدة محدودة، وهو موجود بالقرب من قصر الإمارة، ولم يكن بسوء تلك السجون البعيدة، لكنه غير مهيأ بشكل لائق، فقد كان خربة.

كما أكد سماحته كذب ابن قتيبة الدينوري وغيره الذين قالوا بأن السبايا تم إنزالهن في دار ملحقة بقصر الإمارة، وكأنها كانت دار ضيافة! والقصد من هذا الادعاء تهوين المأساة والمصيبة.

وفصل سماحته أن أول دخول لركب الأسارى كان بعد طوافهم في الكوفة وفرجة الآخرين عليهم، وكذلك تم استدعاؤهم في وقت آخر، لافتاً إلى وجود أربع خطب خطبتها النساء، مشيراً إلى اختلاف المؤرخين في حقيقة وجود أم كلثوم مع ركب السبايا، إلا أن الخطبة المنسوبة إليها في مجلس ابن زياد، كانت تختلف في الأسلوب عن خطبة زينب الكبرى، فقد كانت مختصرة ودونها من حيث جودة السبك والأفكار، منوهاً إلى أن هذه قرائن يراها البعض ترجح وجود أم كلثوم برفقة السيدة زينب.

واسترسل سماحته ذاكرا ثلاث خطب أخرى ألقيت في وسط الناس في الكوفة، منها خطبة لفاطمة بنت الحسين (ع) وأمها أم إسحاق بنت طلحة التيمية، وكانت زوجة للإمام الحسن، الذي أوصى أخاه الحسين بأن لا تخرج المرأة من بيت بني هاشم، فتزوجها الحسين.

ووضح سماحته جمالية خطبة فاطمة بنت الحسين (ع)، مبيناً نقاط الإبداع والقوة فيها. مشيراً إلى عامل مشترك في تلك الخُطب، وهو تقريع أهل الكوفة على تخاذلهم، وتحميلهم مسؤولية قتل الحسين (ع)، لافتاً إلى أن قرارات الإنسان يفترض أن تكون خاضعة لفكره وعقيدته وما يهواه قلبه، فالانتماء للحسين ينبغي أن يظهر أثره على الإنسان، فيسوقه إلى مناصرة الحسين، ومن الغريب أن يدعي الإنسان الانتماء القلبي والمحبة النفسية للحسين، ثم يبقى في مكانه ولا يحرك ساكناً لنصرته.

وشرح سماحته جزءا من خطبتها، كقولها (ع): “فلقد ذهبتم بعارها وشنارها ولم ترحضوها بغسل أبداً”، مبيناً أن هذا كمثل الثوب القذر لا يمكن أن يرحض أو ينظف بأي وسائل التنظيف، ومثل هذه الكلمات نجدها كذلك في كلمات زينب والإمام السجاد (ع).

وعلل سماحته اللجوء إلى هذا الأسلوب قائلاً: “ليس الغرض من التقريع والتوبيخ للمجتمع الانتقام وإشباع فورة النفس، وإنما الغرض منه إيقاظ الروح الميتة، أرادوا أن يقولوا للكوفيين لا تتصورا أن الموضوع انتهى، فالقضية لها آثار، ويجب أن تفكروا في تدارك تقصيركم”.

كما بين معنى (خفرة) وأنها المرأة المحجوبة والمخدرة غير البارزة، مشيراً إلى أن الوضع الطبيعي للمرأة هو الاحتجاب والخدر والبعد عن التجمعات الرجالية، مستشهداً بالروايات التاريخية لعقيلة الطالبيين زينب بنت علي (ع) سيدة المخدرات، والتي كانت مع خدرها تنطق بلسان أبيها (ع) معنىً ولفظاً وشجاعةً أدبية.

واسترسل سماحته مشيراً إلى الأساليب البديعة في خطبتها (ع) وتمثلها بمثل قرآني، وهو التي (نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً) في إشارة إلى من يعمل ثم ينقض عمله ويخربه، وكانت امرأة حمقاء في الجاهلية تأتي بالنساء ليشتغلوا على نسج الصوف من الصباح إلى ما بعد الظهر، وبعدها تقوم بسحب الخيط وتسله!.

وفصّل سماحته في شرح قولها: “ألا وهل فيكم إلا الصلف النطف” والمقصود أولئك الذين يحبون أن يمدحوا بما لم يفعلوا، مكملاً “وملق الإماء” أي تماوت الأمة لسيدها وخضوعها له حتى يعطف عليها، فهم يستميتون في السعي وراء إرضاء الحكم الأموي، والأولى ليرضى الله عنهم أن يتوسلوا ويخضعوا لأوليائه الحقيقين، “أو كمرعى على دمنة” أي المكان الأخضر وتحته قذارات، تعبيرا عن حسن مظهرهم وسوء قلوبهم ومواقفهم.

وأكمل سماحته “أو كفضة في ملحودة” ويُقصد إلباس المرأة الميتة في داخل قبرها قلادة من فضة، ومثله وضع رخامة على القبر بألفي ريال والكتابة عليها، وهي أمور لا تنفع الميت، فالقبر مظلم ولا ينيره إلا العمل الصالح.
ووضح سماحته معنى “جئتم بها صلعاء” أي أن هذه المصيبة لا يمكن سترها بغطاء، “أفعجبتم أن مطرت السماء دماً” وهذا أقدم مصدر عندنا يثبت واقعة نزول الدم من السماء بعد مقتل الحسين، وتوجد نصوص أخرى بعضها من قبل بني أمية نفسهم، أحدها حوار دار بين عبد الملك بن مروان وابن شهاب الزهري، قال له مروان: متى أمطرت السماء دماً؟ أجابه: عندما قتل الحسين بن علي بن أبي طالب، قال له: صدقت ولكن إن خرج منك هذا إلى أحدٍ قطعت عنقك، فذكرت (ع) في خطبتها إمطار السماء دما كقضية مسلّم بها، والخطيب إذا أراد أن يرتب شيئًا على كلامه فلا بد أن يبني على أمر متسالم عليه عند المستمعين، فلو بنى على كلام باطل سيبطل ما يرتب عليه فيما بعد، وهي (ع) الصادقة وليس من شأنها الكذب.

يذكر أن المكان الذي سجن فيه السبايا والأسارى إلى جانب قصر الإمارة موجود إلى الآن، خارج مسجد الكوفة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى