أقلام

السيستاني وبن بيه..تآزر العقلاء ضد التطرف

حسن المصطفى

النقاط المشتركة بين المرجعين الدينيين العلامة الشيخ عبد الله بن بيه، وآية الله السيد علي السيستاني، كنتُ تطرقت لها في مقال سابق، حمل عنوان “ماذا لو اجتمع السيستاني وبن بيه”، نشره “النهار العربي” في 23 تشرين الأول (أكتوبر) الجاري.

دوائر التلاقي بين الشخصيتين كثيرة، وهي بمقدورها أن تؤسس أرضية صلبة لعمل مشترك، فعال، ومؤثر على فئات واسعة من المسلمين في دول مختلفة، خصوصاً وأن طبيعة تفكيرهما تقوم على أساس إنجاز مشاريع اجتماعية وثقافية وتعليمية وخدماتية، تلتزم القانون، وتحترم سيادة الدول التي تعمل فيها، من دون أن تتورط في النزاعات السياسية، أو التحريض على انكفاء المسلمين عن مجتمعاتهم.

لقاء الاعتدال

في شهر كانون الأول (ديسمبر) العام 2019، عُقد في العاصمة الإماراتية أبو ظبي، “منتدى تعزيز السلم”، الذي يشرف عليه الشيخ عبد الله بن بيه، وتحضره شخصيات عدة من مذاهب وديانات وجنسيات وأعراق متنوعة.

السيد علي الخوئي، حفيد المرجع الأعلى الراحل للمسلمين الشيعة آية الله السيد أبو القاسم الخوئي، كان من ضمن الحضور، وأيضاً الأكاديمي والناقد العراقي د.حسن ناظم، الذي صار تالياً وزيراً للثقافة في حكومة السيد مصطفى الكاظمي؛ كما أن كلاهما وقعا على وثيقة “حلف الفضول الجديد” التي أطلقت ضمن فعاليات المنتدى، وتهدف إلى وضع أسس إنسانية مشتركة، تنظم الاختلاف، وتحترم الأديان وحقوق الأفراد والجماعات، وترسخ قيم “المواطنة الشاملة” و”سيادة القانون”.

بدوره، كان الشيخ المحفوظ بن عبدالله بن بيه، يجوب بنشاط بين الحضور، مسلّماً على هذا، مستفسراً عن أحوال الأصدقاء، وناثراً العديد من الأفكار حول المستقبل.

علاقة الاحترام التي تربط المحفوظ، بكلٍ من الخوئي وناظم، القريبين من مرجعية السيستاني، وما يمتلكه الثلاثة من شبكة نفوذ ناعمة في أوساط المثقفين والكتّاب وعلماء الدين، وأيضاً مراكز الدراسات وبيوت الخبرة والحوزات العلمية، وما يتمتعون به من إيمان راسخ بـ”الاعتدال” و”العقلانية”… كل ذلك يمكن من خلاله تكوين نواة مجموعة فاعلة من القيادات الدينية والمدنية الجديدة، التي تأتي في الصفين الثاني والثالث بعد السيد علي السيستاني والشيخ عبدالله بن بيه، وهذه القيادات هي من تقود زمام المبادرات، وتدفع نحو مزيد من الشراكات الدائمة.

مأسسة العمل

بالتأكيد، الأمر لا يقف عند مستوى العلاقات الشخصية والصداقات بين مقربين من السيستاني وبن بيه، لأن الأهم هو العمل المؤسساتي. وفي هذا الصدد، من المفيد التفكير ملياً في التالي:

أن تتحول المرجعية الدينية التي يمثلها كل من السيد السيستاني والعلامة بن بيه، إلى مؤسسات، لها نظامها، هيكلها، جهازها التنفيذي، وبالتالي لا ترتبط فقط بوجود الشخص في حياته، بل يستمر أداء المؤسسة بعد رحيله، كونها تعمل على تنفيذ الأفكار والقيم العُليا التي تؤمن بهذه المرجعيات وأتباعها.

انخراط “مؤسسة المرجعية” في علاقة تعاون مع المؤسسات الروحية الأخرى، سواء المسلمة منها أو المسيحية أو اليهودية، كما بقية الأديان التي يؤمن بها البشر، لأنه من شأن ذلك أن يخفف من حدة الاحتراب الديني والكراهية القائمة على العقائد، كتلك التي يروج لها المتطرفون.

تعاون “مؤسسة المرجعية” مع مؤسسات المجتمع المدني، والمنظات الأهلية والخيرية، التي تشترك معها في توفير الدعم بمختلف أشكاله، لقطاعات متنوعة من المواطنين.

عدم دخول “مؤسسة المرجعية” في العمل السياسي المباشر، أو الصدام مع الحكومات أو حتى محاباة بعضها على أخرى في شكلٍ مفرطٍ، وإنما العمل على نسج علاقات طبيعية، صحية، متوازنة، قائمة على الاحترام المتبادل والاستقلالية والتعاضد.

تكثيف العمل المشترك بين مرجعيتي السيستاني وبن بيه، من خلال المؤسسات القائمة مثل: “منتدى تعزيز السلم”، و”مركز الموطأ”، كما “مؤسسة آل البيت” و”مركز الإمام الصادق”، وسواهم من المؤسسات.

تدريب الكوادر المدنية والروحية، التي تشكل “قيادات” جديدة، أكثر حرية في طرحها وعملها، ومتخففة من التقاليد أو الرسميات التي قد تحد من نشاط المرجعين بن بيه والسيستاني؛ وهذه الخطوة تمتلك أهمية خاصة، لأن تتم في الوقت الحالي، كي يكون لهذه القيادات قبولاً وحضوراً في أوساط المؤمنين.

إن المرجع السيستاني، والعلامة بن بيه، بما يحظيان به من احترام بين القيادات السياسية في أكثر من دولة عربية وإسلامية وأوروبية، وتحديداً في الخليج العربي، بمقدورهما عمل الكثير، ودفع أتباعهما نحو الإيمان باحترام الإنسان، ونبذ العنف في شكل واسع، والانخراط في ورش لبناء المستقبل.

مدنية الدولة

يخبرني المقربون من مكتب آية الله السيستاني، أنه ومنذ سقوط نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين، العام 2003، كانت وجهة نظر السيستاني، أن على علماء الدين ألا يتسلموا زمام الحكم، وأن يكون هنالك نظام مدني يحترم الإسلام، رافضاً أن يتم استنساخ تجربة الجمهورية الإسلامية في إيران، إيماناً منه بأن نموذح “ولاية الفقيه” لا يصلح لحكم العراق، الذي يجب أن يكون وطناً لجميع أبنائه من مختلف الأعراق والديانات.

وجهة نظر مقاربة جداً، إن لم يكن متطابقة، يؤمن بها الشيخ بن بيه، الذي يرى أن على علماء الدين ألا ينازعوا الحكومات في شأن تدبير أمور الدولة، التي هي أمرٌ “دنيوي”، فهنالك مؤسسات تشريعية وتنفيذية وقضائية ورقابية، تقع على عاتقها المسؤولية.

تآزر العقلاء والحكماء لم يعد ترفياً، هو حاجة ملحة لحفظ الأمن والاستقرار، في منطقة تعجُ بالحروب والنزاعات، وتتناهبها خطابات التحريض والعنف والطائفية، وبات إنسانها رهين المتطرفين الذين يعملون على تقويض أحلامه، ولذا، التعاون هو طوق النجاة من بحار الدم والكراهية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى