أقلام

وقفة مع ذكرى الرحيل

عبدالله السيد هاشم العلي

عام مرَّ على رحيل سيد الشعائر سماحة آية الله السيد محمد علي العلي رضوان الله عليه، هذا الرحيل الذي نزل على محبيه كالصاعقة، عاش بعدها الجامع الكبير في مدينة المبرز حالة من اليتم، وما زالت أروقته تحن إلى انفاسه وقصائده الولائية، وبات تلاميذه في الحوزة العلمية يبحثون عمنّ يظللهم بسحاب العلم والأخلاق والورع والأبوة الحانية، واصبح محرابه الذي كان يشغله بالصلاة والدعاء لابساً عليه ظلمة السواد.

إن الكلمات تقف عاجزة عن إيفاء آثاره حقها في ميدان الوصف لهذا العلامة، فقد كان عالماً ناطقاً، وداعياً عاملاً، يُرجع إليه، ويُحتج برأيه، فانهدم بموته ركن عظيم من أركان العلم، وانطفأت شعلة كان لها سنى البرق وأريج المسك، وخسرت الاحساء رجلاً كبيراً بعلمه، كبيراً بأخلاقه، كبيراً بعقله، كبيراً بأعماله.

لقد عُرف فيه الإنسان المثالي الباكي لاسغب اليتامى، وأنّات الفقراء، ولو فتشت قلبه لوجدته قلباً رحيباً رحيماً، ظاهره كباطنه، نبذ العصبيات، وكره الفرقة، وأحب التقارب والتعاطف والاتحاد وسعى لخير البلاد والعباد، فنفسه تزخر بحب الخير والعطاء في شتى الميادين.

عاش حياته في سبيل الكرامة والمبدأ والعقيدة حتى أصبح نموذجاً يحتذا به، من حيث الجد في العمل، والاستقامة في الأخلاق، والتمسك بالمثل وتعاليم الدين العالية، والشفقة والشدة في موضعها، فالعالم الحقيقي هو القائم على تهذيب الأخلاق، وتقويم العادات، والمحافظة على سلامة الإنسان، لإقامة مجتمع قوي متماسك لا يتزعزع.

برحيل سماحته رضوان الله عليه فقدنا كنزاً من العلم والمعرفة والأخلاق الحميدة، أحوج ما نكون إليه، خاصة أننا نعيش وسط حالة سيئة غشيها ما غشيها من التشتت والجمود.

كان المتوقع من مجتمع الاحساء إحياء الذكرى السنوية الاولى لرحيله بأبها صورة وبمستوى ما يستحقه الفقيد من تكريم وتبجيل، لكن مع الأسف كان الموقف عكس ذلك فقد تم الاعتذار عن الاحياء بسبب الجائحة التي تعيشها البلاد.

هذا السبب رغم أهميته إلا انه ليس مقنعاً، فالاحتفاء بالفقيد لا ينحصر في حفل تأبين فقط، بل يمكن إحياء الذكرى السنوية للفقيد من خلال انتاج فيلم وثائقي يحكي حياته وعرضه على القنوات الفضائية، ويمكن إحياء ذكراه من خلال طبع نتاجه العلمي والادبي، ويمكن إجراء الحفل التابيني عبر الوسائل الحديثة والبث المباشر، ويمكن إحياء ذكراه من خلال عقد ندوة حول نتاجه العلمي والادبي…. إلى غير ذلك من الاساليب المتعددة.

إن مرور الذكرى دون إحياء يعد تقصيراً في حق هذا العالم الذي بذل حياته في خدمة الدين والمجتمع، لكن ما يهون الخطب ويجعل القلب مطمئناً ان تكريمه حصل منذ ان وفد إلى ربه حيث استقبله أجداده الطاهرين، وهذا ليس بغريب ولا عجيب من لطف أهل البيت وحنانهم لمحبيهم، لأن العادة قضت ان المحب الحقيقي يحضر عند محبوبه في وقت محنته وبلائه ليكون مساعداً له على ذلك.

يقول الإمام الصادق عليه السلام لمسمع بن عبد الملك البصري وكان من شيعته: يا مسمع أما أنك سترى – عند موتك – حضور آبائي لك، ووصيتهم ملك الموت بك وما يلقونك به من البشارة ما تقر به عينك قبل الموت، فملك الموت أرقّ عليك وأشدّ رحمة لك من الأم الشفيقة على ولدها(١).

الهوامش:
(١) حديث الإمام الصادق مع مسمع طويل يرويه ابن قولوية في كامل الزيارات رقم7 ص134.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى