أقلام

الشيخ باقر أبو خمسين ..العالم الأديب المثقف

علي محمد عساكر

الحمد لله الذي رفع قدر العلماء، وجعلهم ورثة الأنبياء، والصلاة والسلام على رسول الله وآله الأصفياء الأتقياء.
يعتبر سماحة العلامة الشيخ باقر بن موسى أبو خمسين من مفاخر عائلة (أبو خمسين) خصوصا، ومن المفاخر الأحسائية التي هي محلّ الاعتزاز على وجه العموم، وذلك لما جمعته شخصيته الكبيرة من علم غزير، وأدب رفيع، وثقافة موسوعية شاملة، ولما له من نشاط ديني وعلمي وثقافي وأدبي واجتماعي سواء في موطن دراسته الدينية (النجف الأشرف) أم في موطنه ومسقط رأسه (الأحساء الغالية) إضافة إلى ما تحلّى به سماحته من إيمان وتقى، وزهد وورع، وعفة وسداد…وإلى ما هنالك من عظيم السجايا، وجليل الصفات، التي تجسّدت في شخصيّته الكريمة رحمه الله تعالى.
كما أنه مؤلف غزير المعرفة، كثير الانتاج، كتب في أكثر من حقل، وألّف في أكثر من ميدان من حقول وميادين العلم والثقافة والأدب، إضافة إلى ما له من أدوار ريادية كبيرة وكثيرة في خدمة الدين والمجتمع ستقف على بعضها في هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.
وبعد حياة حافلة بالعلم والعطاء والخدمات الدينية والاجتماعية على أكثر من صعيد وصعيد، انتقل سماحته إلى جوار ربه ليدخل في عباده ويدخل جنته، ويكون {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ}(1)، وذلك مساء يوم الخميس (ليلة الجمعة) الخامس من شهر ربيع الأول سنة 1413هـ عن عمر ناهز السابعة والسبعين عاما، ودُفن في البقيع بالمدينة المنورة.
ونظرا لما يتمتع به سماحته من مكانة علمية وثقافية وأدبية بارزة، وما له من نشاط في أكثر من مجال ومجال، وما يحظى به من شهرة كبيرة، وما يتمتع به من علاقات واسعة وممتدة، فقد أقيمت له الفواتح ومجالس العزاء في أكثر من دولة إسلامية، كالبحرين، وحسينية الأحسائيين في قطر، وفي الكويت من قبل أسرته هناك، وعند السيدة زينب عليها السلام في حسينية الزهراء في سوريا، وفي العراق حيث أقام مجلس العزاء هناك -باسم العلماء العراقيين- صديقه المقرّب إليه جدا، سماحة العلامة الشيخ باقر شريف القرشي، إضافة إلى الفاتحة التي أقيمت له في مسقط رأسه الأحساء.
كما أقيم له حفلُ تأبيني في ذكرى الأربعين في الحسينية المحمدية (أبو خمسين) في الهفوف بحضور طلبة العلوم الدينية، والنخب الثقافية، والأدباء والشعراء، وعامة الناس، وفي الحفل ألقى سماحة العلامة الشيخ الدكتور عبد الهادي الفضلي -الذي أيضا هو من أصدقاء الشيخ باقر المقربين- كلمة تأبينية، تحدث فيها عن الشيخ باقر ومآثره وفضائله، وحراكه العلمي والثقافي والأدبي، كما رثاه الشعراء بقصائدهم العصماء، الطافحة بصدق المشاعر الجياشة، والأحاسيس المرهفة، والمعبّرة عن ألمهم لرحيله المفجع، وفراقه صعب التحمل، والمتحدثة عن بعض فضائله ومناقبه.
فقد رثاه الشيخ جعفر الهلالي، والشيخ عبد الكريم الحمود القطيفي، والشاعر محمد الغزال، والشاعر محمد البقشي، والشاعر محمد بن موسى المسلم، والشاعر عبد الله بن محمد بو خمسين، والشاعر محمد بن حسين الرمضان، والسيد هاشم بن السيد عبد الرضا الشخص، والشاعر علي بن الملا طاهر البحراني، والشاعر إبراهيم بن الشيخ منصور المرهون (من أم الحمام بالقطيف) والناقد عبد الله بن محمد الرومي الأحسائي(2)، كما كتب سماحة الشيخ حسين بن عبد الهادي أبو خمسين مقالة تأبينية مؤثرة تفاعلا مع الحدث.
وفي اليوم السادس من شهر ذي الحجة من عام 1415هـ، أي بعد مرور قرابة السنتين وتسعة أشهر على رحيله رحمه الله، كتب سماحة العلامة الشيخ باقر شريف القرشي مقالة بعنوان: (هكذا عرفت الشيخ باقر أبو خمسين) تحدث فيها عن بعض الجوانب من حياته، وعن كيفية تعرّفه عليه، ومدى العلاقة التي ربطته به، وختمها بتعبير عاطفي صادق ومؤثّر عن ألمه ولوعته لفراقه، وأيضا سننقل بعض المقاطع من هاتين الكلمتين في هذا الكتاب.
ثم كان أول كتاب عن سماحته -ولعلّه الوحيد إلى الآن حسب اطلاعنا، وحسب إفادة مؤلفه الكريم لنا أيضا- هو كتاب (الشيخ باقر أبو خمسين علم وعطاء وأدب) لحبيبنا وصديقنا سماحة الشيخ محمد بن علي الحرز، الذي فرغ من تأليفه في عام 1419هـ 1998م، وكانت طبعته الأولى سنة 1420هـ 1999م، ثم الطبعة الثانية 1432هـ 2011م، والذي تحدث فيه عن حياته بشيء من التفصيل، وأكد في مقدمته للطبعة الأولى أن سبب تأليفه لهذا الكتاب، هو أن الشيخ باقر رحمه الله (أحد الرجال الذين أُغمض حقهم من حيث السيرة والترجمة رغم أن حياته حافلة بالأحداث، فخفيت حتى على المقربين منه، والمحيطين به، وما هذه الترجمة إلا محاولة أوّليّة لإبراز معالم حياة الشيخ، وخطة تمهّد الدرب للباحثين لتناول الجوانب الفكرية والاجتماعية والعلمية من شخصيته)(3).
وفي عام 1436هـ، انبثقت لدى حفيده سماحة الشيخ عبد الله بن الشيخ حسن بن الشيخ باقر أبو خمسين فكرة إقامة حفل تأبيني وإصدار كتاب عن سماحته، يؤرخ لحياته، ويسلّط الضوء على بعض الجوانب من شخصيته، ويكون ذلك في عام 1438هـ، بمناسبة مرور (25) سنة على وفاته رحمه الله تعالى.
وعرض سماحته الفكرة على المهتمين وذوي الشأن من أسرته الكريمة فأيدوها ورحبوا بها، ليتم بعدها التخطيط والإعداد للحفل والكتاب معا(4).
لم تكن فكرة الكتاب بأن يتصدى شخص واحد للكتابة والتأليف، وإنما بأن يشترك في ذلك عدة من المؤلفين والكتّاب، ليكون ذلك أثرى للكتاب، وليساعد على تقديم عدة رؤى من عدة زوايا من هذا وذاك ممن سيتصدون للكتابة عن سماحته، إضافة إلى مشاركة الأدباء والشعراء بالكتابة الأدبية، ونظم قصائد المدح والرثاء، التي -من غير شك- ستتناول جوانب عدة من شخصيته في قوالب شعرية بديعة، ليخرج الكتاب على أتمّ وأكمل وجه، وفي أبهى وأجمل صورة، بما يضم بين دفتيه من بحوث فكرية، وكتابات أدبية، وقصائد شعرية…
وكنت ممن تشرفت بالدعوة إلى المشاركة في هذا الكتاب، حيث شرفني الأخوان العزيزان سماحة الشيخ عبد الله بن الشيخ حسن أبو خمسين، والكاتب الأديب الأستاذ إبراهيم بن سلمان أبو خمسين بالزيارة، ليشرحا لي الفكرة، ويوجها إليّ الدعوة للمشاركة في الكتاب تاركين لي حرية اختيار الموضوع.
لبيت الدعوة شاكرا مقدرا هذه الثقة والتشريف، وتضاربت الأفكار في رأسي: عن أي موضوع أتكلم، وأي جانب من جوانب شخصية العلامة الباقر أتناول؟!
وطال بي التفكير وأنا استبدل فكرة بأخرى، إلى أن استقر رأيي على الكتابة عن مؤلفاته، ومحاولة عرضها، والتعريف بها.
ومما شجعني على اختيار هذا الموضوع أنه (حسب اطلاعي) لم يسبق لأحد أن كتب عنه، فحتى سماحة الشيخ محمد الحرز -رغم تأليفه لذلك الكتاب عن سماحته، وذكره لتلك الكتب والمؤلفات- إلا أن حديثه عنها كان مقتضبا جدا، ولا يفي بالغرض في التعريف الكامل بها، وإعطاء صورة واضحة المعالم عنها، وهذا طبيعي جدا، لأن الشيخ لم يكن بصدد الحديث عن تلك المؤلفات وإنما عن مؤلفها وسيرته.
وإضافة إلى عدم الكتابة عن تلك المؤلفات والتعريف بها، كذلك لم يطبع منها -حسب علمي- إلا أربعة مؤلفات، هي كتاب (مودة القربى في الأدب العربي) الذي طُبع طبعة يتيمة سنة 1412هـ 1991م، أي قبل وفاة المؤلف بقرابة السنة ولم يُطبع بعدها، مما يعني أنه لم يعد متوفرا الآن، إضافة إلى (كشكول الهجري) الذي كانت طبعته الأولى سنة 1420هـ 2000م، والطبعة الثانية سنة 1426هـ 2005م، بتحقيق الأستاذ إبراهيم بن سلمان أبو خمسين، وكتاب (بحوث أصولية: شرح كفاية الأصول) تقريرات الشيخ باقر أبو خمسين لبحوث أستاذه آية الله السيد محمد باقر الشخص، تنسيق وتحقيق الشيخ أحمد بن حسين العبيدان الأحسائي، سنة الطبع 1434هـ 2013م، وكتاب (لماذا نقدس القرآن) الذي طبع الطبعة الأولى سنة 1435هـ 2014م، بتحقيق الأستاذ إبراهيم أبو خمسين، ومراجعة وتصحيح الشيخ حسين بو خمسين.
أما بقية المؤلفات وهي -كما قلنا- كثيرة، كما أنها متنوعة العلوم والمواضيع فما زالت إلى الآن حبيسة الأدراج بكل أسف.
وبما أنه تمّ التوجه مؤخرا إلى العمل على طباعتها الواحد تلو الآخر، رأيتها فرصة جميلة أن أكتب عنها، وأعرّف بها، حتى لا تتم طباعتها إلا ولدى القراء الكرام فكرة وافية عنها، وعن طبيعتها وقيمتها وأهميتها.
وبعد أن حسمت أمري واتخذت القرار بأن تكون مشاركتي بالكتابة عن هذه المؤلفات، طلبت من الأخوين الكريمين (الشيخ عبد الله والأستاذ إبراهيم) تزويدي ببعض مؤلفاته المخطوطة لأطلع عليها وأكتب عنها بعد التمهيد لها بترجمة مختصرة لسماحة الشيخ باقر، تكون بمثابة التعريف بالمؤلف قبل التعريف بمؤلفاته.
ولكني حين بدأت في البحث عن سيرته وحياته لفت نظري ما لفت نظر أخي وصديقي سماحة الشيخ محمد علي الحرز من قلّة الكتابة عن سماحته، والترجمة له بما يليق بمكانته ومنزلته!
فقليلة جدا هي المصادر التي تكلمت عنه، وترجمت له، كما أنها كتابة أو ترجمة مختصرة جدا، لا تفي بالغرض، ولا تكفي في التعريف بسماحته بما يليق بمكانته، بل كان بعضها لا يتجاوز السطر أو السطرين، كما هو الحال مثلا في ترجمته في كتاب (مستدركات أعيان الشيعة) الذي لم تزد ترجمته فيه عن قول مؤلفه: (ولد في الأحساء عام 1336هـ، ونشأ وتعلم دروسه الأولى فيها، ثم هاجر إلى النجف سنة 1348هـ، ودرس على علمائها)(5)، وليس في تلك الترجمة ما هو أكثر من ذلك، إلا ذكر بعض النماذج من شعره رضوان الله عليه.
وهكذا الحال في أغلب المصادر الأخرى، إذا ما استثنينا ترجمته رحمه الله في كتاب (أعلام هجر) للسيد هاشم الشخص، الذي توسّع قليلا في الترجمة(6)، وكتاب سماحة الشيخ الحرز عن حياته الذي سبقت الإشارة إليه.
والحقيقة إن هذا الأمر كما حزّ في نفسي كذلك حفّزني للكتابة عن سماحته، ومحاولة التوسّع في الحديث عن حياته وسيرته، على أمل أن يكون ما أكتبه معاضدا لكتاب الشيخ الحرز وترجمة السيد الشخص، ومكمّلا لما في ذلك الكتاب وتلك الترجمة، وذلك من باب الوفاء لأحسائنا الغالية وعلمائها العاملين، ومثقفيها البارزين، وأدبائها البارعين، علّنا بذلك نساهم ولو بالقليل في القيام بواجبنا نحوهم.
وهكذا عدلت عن فكرة الاكتفاء بالكتابة عن مؤلفاته إلى تأليف كتاب كامل عن شخصيته العلمية والثقافية والأدبية، ليكون الحديث عن مؤلفاته ما هو إلا فصل من فصول هذا الكتاب لا أكثر.


فكتابنا هذا -كما هو واضح من عنوانه، وكما أشرنا إلى ذلك أيضا- بسلّط الضوء على الجوانب العلمية والثقافية والأدبية في شخصية الشيخ باقر أبو خمسين، وهو يتكون من مدخل، وأربعة فصول، ومسك ختام، على النحو التالي:
مدخل الكتاب، وهو بمثابة البطاقة الشخصية، التي حاولت فيها التعريف المختصر بالشيخ باقر ونسبه وأسرته وولادته ونشأته…
الفصل الأول: الشيخ باقر والعلم، وقد افتتحناه بالحديث عن العلم وقدسيته في الإسلام، ليكون بمثابة المقدمة للحديث عن الدراسة الحوزوية لسماحة الشيخ باقر، وتلقيه لعلومه الأولية في الأحساء، ومن ثم هجرته إلى النجف سنة 1348هـ، للدراسة في حوزتها على كبار العلماء وهو في سن الثالثة عشرة من عمره، لنحاول بعدها إعطاء صورة عن الجو العلمي الذي كانت تعيشه النجف في تلك الحقبة الزمنية من التاريخ، كما ذكرنا أساتذته والمواد التي درسها عند هذا الأستاذ أو ذاك، لنعرّج بعدها على الحديث عن برنامجه أو نظامه الدراسي الذي وضعه وألزم نفسه به، قبل أن نتحدث عن نبوغه العلمي وتفوّقه الدراسي، محاولين ذكر الشواهد أو الأدلة على ذلك، كشهادة العلماء الأعلام بحقه، وتصدّيه للتعليم أو التدريس الحوزي، وذكر بعض تلامذته، كما تحدثنا عن وكالته عن المراجع، وأعطينا فكرة وافية عن الوكالة ومفهومها وأنواعها، وتطرقنا إلى الحديث عن تصديه للقضاء في الأحساء، وأهم ما حققه من إنجازات حين توليه لهذا المنصب…إلى غير ذلك مما سلطنا الضوء عليه، وتناولناه عرضا وتحليلا في هذا الفصل.
وأما الفصل الثاني فبعنوان: الشيخ باقر والثقافة، ولا يختلف منهجنا فيه عن منهجنا في الفصل الأول، حيث افتتحناه بالحديث عن الثقافة، وبيان مفهومها، وذكر أهم صفات الإنسان المثقف، وتأكيد أو محاولة إثبات انطباق تلك الصفات على سماحة الشيخ باقر رحمه الله، لنحاول بعدها أن نربط بين العلم التخصصي والثقافة العامة، ونوضح كيف جمع سماحته بين ذلك العلم الغزير، وتلك الثقافة العامة المتنوعة والكثيرة، والتي جعلت الكثيرين يشهدون له بالموسوعية الثقافية كما شهدوا له بالمكانة العلمية، ونبين تلك المناهج التي اعتمدها في تنمية زاده المعرفي، وثقافته الشمولية، والمتمثلة في القراءة الحرة أو المفتوحة، والاطلاع على الكتب والمؤلفات الأكاديمية، والوقوف على النظريات العلمية الحديثة، وتحويله لمنزله في النجف الأشرف إلى جامعة علمية، ومنتدى ثقافي، يجتمع فيه العلماء والأدباء والمثقفون والكتّاب والباحثون، ليتناقشوا في أمهات المسائل العلمية، والمواضيع الثقافية والأدبية، لننطلق من ذلك إلى الحديث عن علاقاته الواسعة والممتدة والمتنوعة مع كبار العلماء والمفكرين والمثقفين والأدباء والشعراء والباحثين، وانعكاس ذلك على شخصيته في التنمية العلمية والفكرية والثقافية والأدبية على حد سواء…إلى أن ختمنا هذا الفصل بالحديث عن دوره الفاعل في إثراء وتنشيط الحركة الثقافية، وبيان أهم الخطوات التي قام بها في ذلك، مثل كتابته في الصحف والمجلات، وصولا إلى قيامه ورفيقاه: العلامة الشيخ الدكتور عبد الهادي الفضلي، والأديب عبد الأمير الضفاري بإنشاء مجلة ثقافية نصف شهرية، باسم (الندوة) كان سماحته صاحبها والمالك لها، وكذا قيامه رحمه الله بالكتابة والتأليف، إضافة إلى تشجيعه للطاقات والمواهب على الكتابة والنشر في الصحف، ومحاولة ممارسة التأليف، ودعمه المادي والمعنوي لهم، كما تحدثنا عن وطنيته، وتفانيه في خدمة مجتمعه، إلى أن ختمنا بالحديث عن اهتمامه بالأحساء وتراثها إلى حدّ أن أصبح المرجع الأول في ذلك.
وأما الفصل الثالث فكان بعنوان الشيخ باقر والأدب، وتحدثنا فيه عن اهتمام سماحته بالشعر والأدب، وأشرنا إلى عوامل تكوين وبناء شخصيته الأدبية، والتي أجملناها في خمسة عوامل تكلمنا عنها بشيء من التفصيل، وهي: الطابع الأدبي العام للنجف الأشرف، ووجود المراكز العلمية في النجف، وامتياز النجف بوجود كبار الأدباء والشعراء في ذلك العصر، إضافة إلى الاهتمام (بشعر المناسبات) الذي كان من أهم المشاهد الأدبية في النجف، نظرا لكثرة تلك المناسبات وتنوعها وتفاعل الشعراء والأدباء معها، وكذا تفرّد النجف تقريبا بلون خاص من الاهتمام بالأدب، هو شعر المحاكمات الأدبية، وكذا إنشاء المجالس الأدبية التي لا تكاد تحصى كثرة، والتي من بينها مجلس الشيخ باقر نفسه، إضافة إلى إنشاء الجمعيات الأدبية والثقافية، مثل جمعية منتدى النشر، وجمعية التحرير الثقافي، وارتباط سماحة الشيخ باقر بهذه الجمعيات، لننتقل بعد ذلك إلى الحديث عن دعم سماحته للأدباء والشعراء، وعمله على اكتشاف الطاقات الأدبية، ووقوفه إلى جانبها، وتشجيعه لها بكل أنواع الدعم والتشجيع، إلى أن ختمنا هذا الفصل ببيان الطابع العام لأدب سماحته، وذكر بعض النماذج من شعره.
بعدها جاء الفصل الرابع بعنوان: الشيخ باقر والتأليف، وفيه سلطنا الضوء على طبيعة مؤلفاته، ومنهجه في الكتابة والتأليف، كما ذكرنا بعض مؤلفاته، التي قسّمناها إلى ثلاثة أقسام، هي: المؤلفات التخصصية، والمؤلفات الثقافية، والمؤلفات الأدبية، إلى أن ختمنا هذا الفصل بإضاءة على بعض تلك الكتب والمؤلفات، حيث عرضنا أربعة منها، هي: (أخلاق القرآن، وكشكول الهجري، وأثر التشيع في الأدب العربي، الذي طبع في حياة المؤلف تحت عنوان: مودة الآل في الأدب العربي، ولماذا نقدس القرآن) الذي هو آخر كتاب تمّ طبعه لسماحته إلى وقت تأليفنا لهذا الكتاب.


فقد قمنا بعرض هذه الكتب، وقدمنا تعريفا وافيا لها ولمواضيعها، وتحدثنا عن منهج العلامة الباقر وطريقته في تأليفه لها، وقدمنا أمثلة عملية أو حيّة في بيان ذلك المنهج وتلك الطريقة، من خلال اختيارنا لبعض مواضيع تلك المؤلفات، وحديثنا عن كيفية تناول سماحته لها…وإلى ما هنالك من أمور كثيرة ضمّها هذا الفصل في الحديث عن هذه المؤلفات.
أما مسك الختام فكان في التأكيد المجمل لما تناولناه تفصيلا في الكتاب وحاولنا إثباته، من أن سماحة الشيخ باقر أبو خمسين هو فعلا شخصية جامعة بين العلم والأدب والثقافة، ومساهم حقيقي في إثراء الحركة العلمية والأدبية والثقافية، وصاحب نشاط ديني وعلمي وثقافي وأدبي قلّ نظيره.
إضافة إلى تأكيدنا على أنه ليست أسرة أبو خمسين هي الأسرة الوحيدة التي تمتاز بالعلم والأدب والثقافة، بل لدينا أسر أخرى كثيرة جدا من مختلف الطوائف والمذاهب تزخر بالكثيرين من العماء والمفكرين والأدباء والكتاب والشعراء والباحثين والمؤلفين…الذين هم محل الفخر والاعتزاز.
كما وجهنا الدعوة إلى المهتمين بالشأن الثقافي عموما، وأصحاب الشأن من تلك الأسر على وجه الخصوص، إلى الاهتمام بهؤلاء الكتّاب والمؤلفين، والعمل على طبع الجدير بالطباعة من كتبهم ومؤلفاتهم خدمة للعلم والثقافة والأدب، ودعما للعلماء والمثقفين والأدباء على حدّ سواء، بل هو قيام بواجب أكثر مما هو دعم، وكم نأمل أن تجد هذه الدعوة صداها في النفوس، لما لها من أثر كبير في إظهار تلك الكنوز.
ولم يفتنا القيام بإسداء النصح للشباب وقليلي الخبرة بعدم الاستعجال في الطباعة، والتأني إلى أن تقوى موهبتهم، ويتمكنوا من فنهم، لتحظى مؤلفاتهم بالنجاح، وتكون محلّ اهتمام النخب الثقافية، ويكون لها مكانها وأثرها في إثراء المشهد الثقافي العام.
ثم ختمنا بالشكر الجزيل للأخوين الكريمين سماحة الشيخ عبد الله بن الشيخ حسن أبو خمسين، والأستاذ إبراهيم بن سلمان أبو خمسين تشريفنا بالدعوة إلى الكتابة عن هذه الشخصية الكبيرة، ليكون لهما بعد الله الفضل الأكبر في ولادة هذا الكتاب.
هذا هو كتابي، وهذه هي قصة ولادته وظهوره من ظلمات العدم إلى أنوار الوجود، وكل ما أرجوه هو أن يكون حالفني التوفيق فيه، ليكون جامعا بين المتعة والفائدة، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
الساعة الثانية والنصف بعد منتصف ليلة الاثنين 10 جمادى الأخرة 1439هـ 25 فبراير 2018م
@@@@@
الهوامش:
1/ سورة القمرة الآية 55
2/ تجد هذه القصائد في ص163-185 من كتاب (الشيخ باقر أبو خمسين علم وعطاء وأدب) لصديقنا العزيز سماحة الشيخ محمد بن علي الحرز.
3/ الشيخ باقر أبو خمسين علم وعطاء وأدب ص24، المقدمة.
4/ لقد أخبرنا سماحة الشيخ عبد الله أبو خمسين بنفسه أنه صاحب هذه الفكرة، كما أفادنا أن سبب تأخر إقامة هذا الحفل وإصدار هذا الكتاب عن موعده، أي في عام 1438هـ، يعود إلى عدم اكتمال الترتيبات المتعلقة بالموضوع، ومن ذلك عدم فراغ بعض الكتّاب والمؤلفين من كتابة بحوثهم، وذلك في مكالمة عن طريق الهاتف المحمول (الجوال) جرت بيننا مساء يوم الأحد 9 جمادى الآخرة 1439هـ، أي ليلة كتابة هذه المقدمة.
5/ مستدركات أعيان الشيعة للسيد حسن الأمين ج4 ص160.
6/ كانت ترجمته في ج3ص354-449، مع ملاحظة أن (35) صفحة من هذه الترجمة تحوي قصائد الشيخ باقر، وذلك من403 إلى ص439، وهذا في الطبعة الأولى سنة 1425هـ 2004م، أما الطبعة الثانية فلم أطلع عليها، فلا أعلم إن كان المؤلف أضاف إلى تلك الترجمة شيئا جديدا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى