أقلام

مذكرات محصن متعافي (٣)

رباب حسين النمر

شيء ما يعكر الصفو، عينان ذابلتان، قلبٌ مرتجف، شعور غامض تارة يوحي بالملل وتارة بالألم وتارة بالاختناق، وسعال جاف.
ربما أبدو لأولادي كائناً حزيناً أو لغزاً لم يستطيعوا فك شفراته!
تلاحقني علامات استفهامهم (ماذا بكِ أمي؟) لتولد في نفسي علامة استفهام أكبر، فأوميء لهم بحاجتي إلى تجديد نشاط يبعدني عن أجواء المنزل!
أخرج إلى الهواء الطلق، إلى الشمس، إلى ( الممشى) الذي أعشق، ولا أكاد أمشي بضع خطوات حتى تتملكني شدة الإعياء، فأعاندها رغبة في كسر هذا الخمول العجيب وجلب شيء من النشاط.
أعود إلى المنزل متعبة، أرمي بجسدي المنهك على الأريكة.
بدأت بوادر الشك تغزو أفكاري (من الممكن أن يكون حل اللغز هو كورونا) للأعراض العجيبة والصداع الغريب وفقدان التذوق والشم!
لم تكن يوماً ما أعراض الانفلونزا الموسمية أو نزلات البرد بمثل هذه الغرابة والحدّة!
ومع هذه التساؤلات بدأت رحلة البحث والسؤال والاستقصاء حول مراكز إجراء المسحة الطبية، وحجز مواعيدها إلكترونياً، وهل من الممكن إجراؤها دون موعد؟
شيء واحد هو ما يشغل التفكير، هو قطع الشك باليقين وتقبل واقع الحال كما هو والمبادرة بالعلاج مهما كان التشخيص.
…..
وقفت على الدائرة البيضاء كما يقف المتهم أمام القضاة، يفصلني عن منصة الاستقبال ما لا يقل عن ثلاثة أمتار، لتبدأ مرحلة الاستجواب الرحيمة التي يقوم بها أبطال الدفاع الصحي: ما الذي دفعكِ للتفكير بإجراء المسحة؟ وبم تشعرين؟ ومنذ متى… وما إلى ذلك من أسئلة يستشف من خلال إجاباتها إن كانت الحالة ضمن احتمال الإصابة من عدمها.

عندما دخلت إلى غرفة الفحص تبعني ممرض يبدو رحيماً مخلصاً، غطى جسده بمعطف أصفر، وفمه وأنفه بكمام طبي، وعينيه بقناع شفاف، أخبرته بأني سأغمض عيني حتى لا أشاهد أية أداة يستخدمها قد تستفز خوفي أو قلقي أو مقاومتي.
أغمضت عينيّ تماماً ورفعت الكمام عن أنفي فقط كما طلب الممرض مني.
شعرت بشيء يشبه الذبذبة المترددة يجوس في أنفي. واختفى القلق واتضح زيف كل الصور المخيفة والتعليقات السخيفة حول المسحة الطبية التي امتلأت بها وسائل التواصل الاجتماعي، ثم فتحت عيني لأتعرف على الأداة التي ستكشف عن حقيقة الواقع.

أخبرت الممرضة أني متعبة، وبحاجة إلى العلاج، فأجابتني بضرورة المراجعة بعد ظهور نتيجة المسحة وتحديد موقع المراجعة حسب النتيجة ذاتها، إن كانت سلبية ففي أي مركز صحي، وإن كانت إيجابية فيجب العودة إلى هذا المركز نفسه لتلقي العلاج.

يتبع …….

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى