أقلام

هل الـضربة التي لا تقتلك تقويك: كيف، ومتى، ولماذا؟ (ج3)

برفسور رضي حسن المبيوق

راجعه: عدنان أحمد الحاجي

كل شيئ يصارع ويكابد من أجل البقاء. هلا نظرت الى تلك الشجرة التي نمت بين شقوق الطريق المعبد بالاسفلت، أو في تربة صبخة أو في مكان لا تصلهالشمس أو الماء إلا ربما حين تمطر السماء. صراعها المرير ضد صعوبات الحياة هذا أعطاها ميزة قوية للبقاءعلى قيد الحياة.” النص مقتبس من كتاب ل بتي سميثBetty Smith ، عنوانه: “ شجرة تنمو في بروكلين“. A tree Grows in Brooklyn

في المقال السابق رقم 2 تطرقنا إلى أعراض وبعض مسببات اضطراب الضغط النفسي التالي للصدمة وذكرنا سبب اقتباس عبارة الفيلسوف نيتشة: “الضربة التي لا تقتلك تقويك”، والتي نستخدمها هنا  كعنوان لسلسلة مقالاتنا عن النمو التالي للصدمة، مستخدمين صيغة التساؤل عن ماهية العبارة، وختمناه بتعريف  لخمس أوصاف للنمو التالي للصدمة. وفي هذا المقالنريد أن نستمر في التركيزعلى تفكيك المفهوم وإعطائهتعريفًا اوسع.

إضافة الى عبارة نيتشة: الضربة التي لا تقتلنكتقويك” يوجد في الموروث الشعبي أقوال مشابههومنتشرة على نطاق واسع، ومنها هاتان العباراتان : “الشدائد تصقل الشخصيةو المحن تخلق الفرص” ،وهناك غيرهما من العبارات المشابهة التي لفتت انتباه الباحثين وخاصة المشتغلين منهم في مجال علم النفس بشكل عام وعلم النفس العلاجي او الإكلينيكي بشكل خاص. ومن بين الباحثين هناك باحثان ساهما في صياغة مصطلح: النمو التالي للصدمة وهما تيديشي وكلهون (Tedeschi & Calhoun) واللذان أطلقا هذه الصيغة على التغير الإيجابي الذي يلي التغيرات السلبية التي طرأت على شخصية المصاب بالضغط النفسي التالي للصدمة. تدرج هذان الباحثان في تعريفهماوتقديمهما للمفهوم الجديد، أولًا بالكتابة عن بعض الحالات الفردية والمتكررة، التي مرا بها في حياتهما المهنية،  والتي كانت كلها تتميز بقاسم مشترك وهو التغير الإيجابي او النمو بعد معاناة مريرة مع الصدمة.  فكلمة نمو هنا تستبطن عملية المكابدة والصراع من أجل البقاء، كتلك الشجرة التي وصفتها بيتي سميث في كتابها المزبور.

في عام ١٩٩٥، نشر الباحثان تيديشي وكلهون كتابًابعنوان: النمو بعد الصدمة: التغيرات الإيجابية بعدالأزمات Posttraumatic Growth : positive Changes in the Aftermath of Crisis . وبعد عام، صمم هذان الباحثان قياسًا (مؤشرًا) للنمو التالي للصدمة لمعرفة مقوماته الخمسة الرئيسية وطريقة قياسها بدقة. وبعد ٨ سنوات (٢٠٠٤)، قدم الباحثان أسسًاونتائج وأدلة علمية على النمو التالي للصدمة. وفي عام ٢٠١٤، عاد الباحثان وطرحا تعديلات هامة وضرورية لمفهوم النمو التالي للصدمة وذكرا بنتائج بحوث ميدانية تدعم مفهوم النمو التالي للصدمة كعملية نشطة تؤدي الى نتائج إيجابية كبيرة وعميقة. بمعنى آخر، مفهوم النمو التالي للصدمة لا يعني العودة للوضع الذي كان عليه المرء قبل الصدمة (عملية كهذه تعرف بالمرونة النفسية resilience ) بل يعني الترقي الى درجة أعلى وتغييرجذري في مجرى حياة  الفرد الذي مر بتجربة الصدمة. الباحثان شجعا على ان يعكف الباحثون وخاصة منهم المهتمين بدراسة أنماط الشخصية على اكتشاف آليات التغير الشخصي بعد التعرض لصدمة نفسية ومعرفة أسباب التغيير الإيجابي وسر استدامته. وقدما الباحثان توصيات ثمينة تتعلق بانتهاج طرق ابداعية رصينة لدراسة النمو التالي للصدمة 

بعد أن تحدثنا عما قدما هذان الباحثان حول مفهوم النمو التالي للصدمة، نعطي الآن عرضًا مختصرًاللنظرية التي وضعاها حول المفهوم

يعرف النمو التالي للصدمة بأنهالتغير السيكولوجي الإيجابي الناتج من صراع مع تحديات حياتية قوية جدا. هذه النظرة تعتبر أن النمو ينطوي على عملية اجرائية وعلى نتيجة. فالنمو عملية إجرائية لأن الإنسان يتصارع مع التحديات التي يواجهها بهدف الوصول إلى نتيجة تنطوي على تغيرات إيجابية تجلب معها الرضا وتقوي مهارات المرونة النفسية. ويضيف الباحثان نتيجة اخرى في غاية الأهمية وهي اكتساب المرء الحكمة المتمثلة في النظر الى الشدائد والمحن كفرص لصقل الشخصية وتقويتها 

نكتفي هنا بهذا المقدار وسنتعرض الى آراء ونظريات باحثين آخرين لكي نتعرف على أوجه التشابه والإختلاف حول مفهوم النمو التالي للصدمة وذلك في المقال القادم ان شاء الله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى