أقلام

خطورة الخصومة الخفية على الفرد والمجتمع

جواد المعراج

الاختلافات في القناعات والأفكار أمر وارد، وهذا يعد جزءاً من وجود المساحة الكافية للنقاش مع الأطراف الأخرى بهدف تقريب وجهات النظر بالطريقة الصحيحة دون التفكير في إثارة المعارك الخفية، وبالتالي فإن الخصومة الخفية لها آثار تدميرية على التماسك الاجتماعي فهي تؤدي لجعل كل طرف يشك بشكل مفرط في نوايا الآخر، بمعنى آخر خلق الخلافات العميقة التي تبقى لفترة طويلة من الزمن في حال عدم العمل على احتوائها بصورة إيجابية.

هذا النوع من الخصومة أخطر من النوع الذي يميل للهجوم ورد الفعل المباشر فمثل هذه المشكلة يصعب التعامل معه، مما يستدعي تفعيل جرس الإنذار (بسبب حصول خلافات كبيرة بين أطراف تتعارك لعدة سنوات بطريقة خفية)، وخصوصاً أن استمرار هذه الحالة يؤدي لنشر رذائل نفسية وسلوكية تهدف لنهش الروح المعنوية، إضافة لتوليد أحقاد شديدة الغرض منها هو شن الهجمات النفسية الخفية على الآخر.

الإنسياق وراء المخاوف يعزز ثقافة الخصومة الخفية، فالقلق الشديد مرتبط بالخوف من تقديم التنازلات المعينة (اتباع مبدأ الخطوة بخطوة) أو فقدان المصالح الشخصية والدنيوية، فتارة يكون ذلك بواسطة ممارسات الضغوطات الاجتماعية من أجل استقطاب قواعد شعبية لتحشيد أصوات (أطراف موالية) تعمل على تسديد الضربة القوية لأطراف معينة ليشعروا بالإحباط واليأس، وتارة لتدمير خطط التحالف الاجتماعي التي تسعى لتقريب وجهات النظر.

امتلاك الإرادة الصلبة للتعامل مع الخلافات العميقة يساعد على تخطي العقبات التي تضع حاجزاً أمام تحقيق الأهداف المنشودة التي تصب في خدمة المجتمع بالطريقة التي تتوافق مع المبادئ والقيم الاجتماعية والأخلاقية المعتدلة، فالخروج عن التوازن والاعتدال يدخل الشخص في خانة التطرف التي تمنع من السيطرة على الأعصاب والانفعالات غير المتوازنة.

ولمنع انتشار ثقافة الاستحواذ المبنية على حفاظ المصالح الشخصية (التي لا تخدم الفرد والمجتمع)، يتطلب الأمر الصمود تجاه الضغوطات والتيارات الجارفة والكثير من العمل والجهد لتوفير الإمكانات والعوامل المساعدة التي تعطي كل طرف المساحة اللازمة للتعبير عن الآراء والأفكار دون إثارة النزاعات، المقصود بذلك استيعاب ما يطرح من قبل الآخرين وأيضاً تحمل الاختلافات الأخرى، كي لا يحدث تصادم في البيئة الاجتماعية.

إن إيصال الرسالة في الساحة الثقافية مرهون بالقدرة على التعامل مع المنافسين بشكل فعال بعيداً عن إشعال المعارك، فالتعامل الصحيح يؤسس علاقة مبنية على تبادل الأطروحات عن طريق انتهاج السلوك الإيجابي الذي يدفع الفرد والمجتمع إلى ترك الثقافات السلبية التي لها تداعيات خطيرة جداً على الحاضر والمستقبل الخاص بالعلاقات الإنسانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى