أقلام

قراءة تحليلية في ندوة (دخالة المعتقد في البحث التاريخي) للشيخ عبد الجليل البن سعد

زاهر العبدالله

يشير سماحة الشيخ عبد الجليل البن سعد في ندوته ( دخالة المعتقد في البحث التاريخي) إلى ما يلي:

١-إن هناك فرقاً واسعاً بين أن تكون كاتباً للتاريخ، أو قارئاً له، أو باحثاً فيه. ويظهر حسب متابعتي المتواضعة لساحة الشباب أننا نقرأ في التاريخ، أو نسمع به ولسنا باحثين فيه، ولذا نحتاج للتوقف عند القضايا التاريخية التي تشكل علامة استفهام لنا ونعرضها على الباحث فهو أعرف منا في تحليلها ومعرفة حيثياتها.

٢-فهمت أن هناك في التاريخ قسمين: الأول التاريخ المنتظم الموجود في كتب السير والمقاتل والمغازي، والثاني التاريخ المتناثر في القصائد والأدعية والزيارات والأدب والكلام عن المفقود.
وإن هذا يجعلنا أمام مسؤولية كبيرة في نفي أي حدث تاريخي لعدم وجود مصدر نرجع إليه لأنك لبست نظارة القارئ وليس الباحث.

٣-إن البحث في التاريخ هو عملية تحديث ذاتي للإنسان من خلال أحفورات علمية يكتشفها الباحث من خلال الرواسب الفكرية والعقدية والتاريخية، ثم يعيد صياغتها أو يستفيد من ثمارها لبناء ذاته من جديد.

٤- إن المفسرين للقرآن الكريم هم الذين يفسرون القرآن بما لديهم من نصوص في كلام أهل البيت عليهم السلام، أو ما أوضحته اللغة في بيانها لمفردات القرآن، وكان آخرهم الطبرسي في مجمع البيان. أما المفسرون اليوم فيطلق عليهم الباحثون في علوم القرآن الكريم بحيث يكون القرآن وديعة عند مختلف علومهم في الفقه والأصول والتفسير والكلام واللغة وغيرها فاتسع بهم مفهوم التفسير للقرآن الكريم من أمثال العلامة الطباطبائي صاحب الميزان وغيرهم.

٥- إن فهم التاريخ يمر بصعوبات، منها: الأدلجة، والذاتية، والموضوعية، ومنها ما يجمع، ومنها ما يفرق. فحين تتناول أية قضية تاريخية خصوصاً إذا وقعت بين مدرستي السنة والشيعة فلا تتحرك فيها بالذاتية أو الإيديولوجية أو العقدية، بل تحرك في فلك الموضوعية من حيث النصوص والتاريخية ومقارنتها ببعضها وما الاتفاق فيها، و ما ورد الاختلاف. وهذا لا يقوم به القارئ ولا الكاتب، وإنما هي وظيفة الباحث.

٦- إن تحليل الموقف التاريخي يمر بمراحل مهمة جداً خصوصاً إذا أحاطت هذا النص سيناريوهات وحملات تشويه منظمة، ولذا عليك مراعاة الزمن التاريخي الذي حدثت فيه الحادثة، وماهي خطط الأعداء فيه لتعرف أبعاده وحيثياته.
مثل بعض الأحداث التي تخفى على القارئ من الخلاف الظاهري بين الإمامين الحسن والحسين عليهما السلام، الذي يفك تعارضه وعدم الركون إليه الباحث في علوم التاريخ.

٧-إن مواقف بعض الشخصيات من ذوي الرحم من المعصومين تطالهم سهام التشويه أيضاً، مثل: عقيل بن أبي طالب على الرغم من أنه بايع معاوية وخلع أخاه أمير المؤمنين عليه السلام، فالباحث حين يغربل التاريخ يجد حملات التشويه غرزت أنيابها في هذه الشخصية خصوصاً إذا عرفت كلمات عقيل بن أبي طالب ضد أعداء أخيه.

٨- إن العصمة شاملة للمعصوم في مختلف نواحي حياته، خصوصاً إذا تعلق الموضوع بمصير الناس وحفظ دمائهم وأعراضهم، وإنها متصلة بالسماء ولم يعهد أن إماماً معصوماً قدّر للناس أموراً من عند نفسه، أو نسب الجهاد لنفسه، وإنما نداؤه لله وفي الله وفي سبيل الله سبحانه. وإن لم يفعل ذلك فإنه يعد تغريراً للناس بالجهل
وهذا ما لا يقبل لفقهاء الشيعة فضلاً عن أهل بيت النبوة سلام الله عليهم.

٩- إن التاريخ يحتاج لمنهج جديد لقراءته بصورة شمولية، وهذا ما عمد إليه بعض أعلام الطائفة في موسوعاتهم التاريخية في السيرة.

٨-الخلاصة: تعلمت من الشيخ الأستاذ حفظه الله أن العالم بزمانه لا تلتبس عليه اللوابس، وأنه حريص في كل شيء في تناول المفردات الدينية سواء صغرت أم كبرت. وعليه أن يكون صاحب ذكاء خاص، وبيان خاص، وتورع خاص في تناول أية مفردة من مفردات الدين. وإنما تحتاج لمعرفة في كل ذلك كما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام:
” يا كميل، ما من حركة إلا وأنت محتاج فيها إلى معرفة ”

ولا تكون المعرفة تامة إلا بإدراك القضايا وفهمها، إدركاً صحيحاً وفهماً كاملاً، بدراسات حقبة ميدانية وتحقيقية، والتي يبتني صرحها الشامخ على ضوء البراهين الساطعة والاستدلالات العقلية اللامعة، والحجج العملية الواضحة.
انظر: الأسرار الفاطمية للشيخ محمد فاضل المسعودي ص١١.
أنتهى

الخاتمة:
وهذا يعطي حجماً واقعياَ لعقل الإنسان القارئ أو الكاتب ولا يتجاوز حدود الباحث، إلا إذا كان مؤهلاً لتحمل تحليل التاريخ وإعطاء الأحكام فيه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى