أقلام

الحاج عبد المحسن بن علي الشايب

سلمان الحجي

الحاج عبد المحسن بن علي بن عبد الله الشايب، من مواليد بلدة الجبيل بمدينة الأحساء عام 1348هـ،

درس القرآن الكريم والقراءة والكتابة عند الحاج محمد العمراني، وعمل بداية حياته مع والده في الزراعة، ثم التحق بشركة أرامكو السعودية، ومارس عمله في مهن مختلفة منها: النجارة والحدادة والبناء واللحامة، ومنها توسعت مشاركته في الجوانب الهندسية مع مقاولي الشركة، ثم انضم مع مجموعة من الشركاء لتأسيس شركة مقاولات في حفر الباطن، وبعد تصفية الشركة التحق بهيئة مشروع الري والصرف أثناء إنشاء المشروع في الثمانينات الهجرية، وخاصة إنشاء قناة عين الخدود الرئيسة كمشرف تنفيذ، ثم استقال منها ونشط دوره في الجانب الزراعي، وتملك العديد من المزارع واستغلها لتغذية الأسواق بأنواع الخضار والفواكه، إضافة لاهتمامه بالدواجن والبيض. وله مساهمات عديدة في الجانب التنموي لبلدة الجبيل، وكان عضواً سابقاً في مجلس إدارة الجمعية الزراعية بالأحساء، وعضواً سابقاً في اللجنة الزراعية بالغرفة التجارية بالأحساء لأكثر من دورة، كما تم تكريمه من قبل هيئة الري باعتباره من كبار مزارعي النخيل، توفي ليلة الجمعة الموافق 11/6/1435هـ.
ولنقرأ ملخص ما صرح به في لقائنا معه.

– *حدثنا عن أهم محطات حياتك المعيشية.*

– أهم محطات طفولتي دراسة القرآن الكريم والقراءة والكتابة عند المرحوم محمد العمراني، وكان من ضمن ذلك يعلمنا قراءة وفيات ومواليد أهل البيت(ع)، بعدها عملتُ مع الوالد في مهنة الزراعة، واستمر عملي في ذلك حتى أكملتُ ثمانية عشرة سنة فزوجني والدي، وبعد زواجي بسنتين ، سجلتُ في شركة أرامكو السعودية وتم تعييني في مستشفى أبقيق، ولكني رفضتُ ذلك لعدم الميول في الأعمال المكتبية، وطلبتُ العمل في المهن الفنية كالنجارة والحدادة، ولعدم توفر ذلك في أبقيق تم نقلي إلى مدينة الظهران، وعملتُ في مهنة البناء لمدة ستة شهور، وكانت أجرتي اليومية من 3-4 ريالات، بعدها تركتُ الشركة لكثرة الفرص المتاحة في مجال المقاولات وبأجور أفضل من الشركة، فعملتُ مع مقاول كأستاذ بناء بمبلغ 8 ريالات، وكانت أعمالي جلها خارج الأحساء، لذلك كنتُ أغيب كثيراً عن أهلي من أجل طلب الرزق ، بعد ذلك اتسعت مقاولات الإنشاء لدى شركة أرامكو مما ساهم ذلك في نمو الفرص الوظيفية لدى المقاولين، وكانت الأيدي العاملة عليها طلب كثير وبالأخص الماهرة منها، فعملتُ مع أحد المقاولين بمبلغ 25 ريالاً، ثم مع مقاول آخر واسمه محمد الدوسري بأجرة أعلى، ورشحني مشرفاً مع أخ لي من بلدة القارة اسمه عبد الله بن حسن العلي على 42 عاملاً وجميعهم سعوديون، بعد ذلك أسسنا شركة مقاولات بالباطن سياستها المالية توزيع الأرباح بالتساوي، فشاركني كل من: سلمان بن عبد المحسن العلي، وعبد النبي بن علي العيسى، وحسين بن عبد المحسن العلي ونفذنا بناء عمارة لشركة أرامكو في النعيرية، وكان المقاول المتعاقد مع الشركة تحت مظلة شركة تضم ثلاثة شركاء وهم: عبد الله الحرز، وعبد المحسن المؤمن، وخالد الدبل، وبعد إنهاء أعمال تلك العمارة، ساهمنا في إنشاء معمل التكرير في رأس تنورة وكان المشرف على تنفيذ العمل أمريكي الجنسية، ولما اطلع ذلك المشرف على ما أنجزتُ من أعمال، فكتب في حقي توصية وقال لي: اجعلها عندك ستحتاج لها في المستقبل، ثم انتقل عملنا إلى مخطط حي غربي في صفوى بنينا فيها 20 فلة، وبعد ثلاث سنوات من العمل تم تصفية الشركة وأصبح كل واحد منا يمارس نشاطه بشكل مستقل، وبعد ستة شهور من افتتاح مشروع الري والصرف قدمت أوراقي لدى مسؤول التوظيف في المشروع، وكان ألماني الجنسية، وأبرزتُ له توصية المسؤول الأمريكي، وتم توظيفي بالمشروع بعد قراءة التوصية مباشرة، وأوكل لي إنشاء جسر الخدود من الحفر والصب وتركيب الجوانب في الموقع الموازي حالياً لمحطة المعيلي إلى بلدة الجشة كخطوط رئيسة، ثم عملنا في الشبكة الفرعية وأنجزنا الكثير منها، وكان راتبي اليومي 6 ريالات و 4 ريالات كحوافز مقابل جودة الإنتاج، بعد ثلاث سنوات من عملي تركتُ العمل في المشروع، وقررتُ مع مجموعة من الشركاء شراء مزرعة وخططنا للارتقاء بنتاجها من الخضار والفواكه وتحقق ذلك بجهودنا جميعاً، وبعد فترة من استغلال منافعها والاستفادة من إيرادها تم تصفيتها لأسباب إدارية، فقمتُ بشراء حقوق اثنين منهم، ثم توسعت مشاريعي الزراعية والحمد الله والشكر له على ما أعطاني.

– *حدثنا عن نشأة بلدة الجبيل.*

– ما سمعتُه في هذا الشأن أن الجبيل أصلها جبلة (ذكرها ياقوت الحموي) ولا يزال الحي الأوسط الذي يمثل التلة وبه المسجد الرفيع يعرف بنفس الاسم، وممن سكن الجبيل وأسسوا دولة هم قبيلة الجروانيين، ومما يدل على ذلك وجود نخل في ضواحي الجبيل يسمى الجروانية، وكذلك نهر سابقاً يسمى الجرواني، وهذه القبيلة وغيرها سابقاً كانت تقطن في الجبيل، ثم هاجروا إلى ضواحي لبنان ونقلوا اسم البلد إلى منطقة سكنهم، فاسم المنطقة التي سكنوها بلبنان تسمى الجبيل، أما عن أبرز الأسر التي سكنت في البداية بالبلدة فهم: الشايب، والبن عبد، والعبود، ثم حل بالبلدة بعض الأهالي من القرى المجاورة ومهاجرون من خارج الأحساء، وسميت بالجبيل لأن في وسطها جبل ولا يزال بعض أثار ذلك الجبل في أحد بيوت العمدة، والجزء الآخر في أحد المساجد الذي سمي بمسجد الرفيع، والفريق بكامله يعرف بالجبلة الاسم القديم، وقد لمع رجال هذه البلاد بمساهمتهم البطولية في حرب كنزان، فقد كانت الأحساء شبه محتلة من قبل العجمان، وكانوا يسلبون الأموال، ويقتلون الأبرياء بدون سبب، ويهتكون الأعراض لذلك وقعت المعركة بينهم وبين الأحسائيين، وقد قتل في تلك المعركة من بلدة الجبيل 12 رجلاً منهم: أحمد بن عبد الله الشايب، والسيد طاهر البراهيم (ابن العمدة)، وعبد الله المعيوف، وغيرهم، ولتوتر العلاقة بينهم مع أهالي البلدة فيما بعد كان بعض الحطابين بالبلدة عندما يبيع الحطب ويسأل من أي بلد؟ كان يجيب على أنه من بلدة أخرى خوفاً على نفسه.

– *حدثنا عن أبرز الشخصيات بالبلدة.*

– تولى كرسي العمودية: السيد عبد الله بن السيد إبراهيم الهاشم، والسيد إبراهيم بن السيد عبد الله الهاشم، ومن الخطباء الحسينيين: الشيخ عبد الكريم الممتن، والملا أحمد الجعفر، والملا عبد الحميد بن حجي الممتن، وأما عن أهل الحل والعقد ويطلق عليهم وجهاء البلد فمنهم: الوالد علي بن عبد الله الشايب، وعلي اليحيى، وعبد الله بن عبد المحسن العبود، وبرز في الصيد: أيوب بن محمد الحسن، وعبد الله بن علي البراهيم.

– *حدثنا عن أبرز الأنشطة التي كانت لكم فيها بصمة في تأسيسها بالبلدة.*

– من مساهماتنا في البلدة على باب الاختصار ما يلي:
• إنشاء طريق مسفلت لمدخل بلدة الجبيل، فقد كان في السابق لا يوجد مداخل للبلدة مهيأة لمرور السيارات، لذلك لم تكن تعبر السيارات من أطراف البلدة، وكان دافع إنشاء الشارع المسفلت في مدخل البلدة بسبب امرأة تعسرت ولادتها، ولم نستطع استئجار سيارة إلا عن طريق بلدة المنصورة، فقررنا فتح طريق لذلك وتابعنا تعويض أصحاب الأراضي المستخدمة بمستحقات نزع الملكية.
• فزعة الأهالي في حفر ثلاثة أبار للمياه بالبلدة.
• توصيل خدمة الصرف الصحي للبلدة وعلى حسابنا.
• تأسيس شركة للكهرباء تضم ستة وثلاثين فرداً من البلدة وقد دفع كل شريك 1000 ريال، وأثناء تصفية الشركة أرجعنا تلك المبالغ إلى أصحابها نظراً لتمديد الخدمة من قبل شركة الكهرباء السعودية، وأود أن أسطر كلمة قالها لي مدير مكتب العمل بالأحساء الأستاذ عبد الله بن أحمد الدرويش آنذاك، حيث قال: لو تعاون أهالي الأحساء مثل تعاونكم لتقدموا عمرانياً.
• المطالبة بتوفير المدارس وخاصة تعليم البنات.
• أنشأت مع رجال البلدة المغتسل ومظلة المقبرة، كما حفرنا بئراً بالمقبرة.
• شاركنا في إنشاء مركز الجبيل الخيري التابع لجمعية البر بالأحساء.
• إعادة بناء المسجد الشرقي أو الطالعي.
• إنشاء مجلس أسرة الشايب وبناء الحسينية الحيدرية.

– *أبرز العادات الطيبة في السابق:*
– كانت هناك عادات طيبة ومنها:
• كثرة المجالس المفتوحة بالبلدة.
• فزعة الأهالي لأي مشروع يتطلب إنجازه مشاركة أكثر من فرد، فكان الواحد منا إذا رغب بناء مسكن، تحمس المجاورون والأرحام والأصدقاء للمساهمة في تشييد ذلك المسكن تطوعاً ما عدا أستاذ البناء لأنه من خارج البلدة.
• من عاداتنا بالأعياد بعد أداء صلاة العيد ننطلق مع الشيخ عبد الكريم الممتن وبعض نخب البلدة إلى منزل العمدة للمعايدة، ثم يخرج العمدة معنا والشيخ عبد الكريم الممتن ومن مجلس لآخر من المجالس المفتوحة للمعايدة والتواصل الاجتماعي.

*- معيار الوطنية:*
– أن يسهم كل إنسان بقدر استطاعته من خلال عمله واختصاصه والعمل التطوعي أيضاً، ولا ينس أن له حقوقاً وعليه واجبات، فمثلاً إذا كانت انتخابات الغرفة التجارية أو المجلس البلدي عليه أن يسهم من خلال الإدلاء بصوته لمن تتوفر فيهم المواصفات الملائمة لتلك المناصب.

– *التعاون الاجتماعي:*
– من الأساسيات في أي مجتمع متحضر (حيث إننا نعيش مرحلة التطور)، أن نساعد الحكومة في ذلك ، فالوطن مشترك وفي النهاية الخدمة لنا وتخدم أجيالنا بالمستقبل.

– *في ظل معرفتنا بالمستوى التعليمي لأولادك ،ماذا يعني لك التعليم؟*

– كما قال ذلك الشاعر: العلم يرفع بيتاً لا عماد له والجهل يهدم بيت العز والشرف، وأنا كوني اشتغلت خارج الأحساء مبكراً، ووجدتُ كيف أن الأجانب يحصلون على أحسن المراتب والرواتب، فضلاً عن أن شريعتنا تؤكد علينا أهمية التعليم، ولذا وجهتُ أولادي من الذكور والإناث إلى التعليم، على الرغم أن المجتمع في وقته تجد فيه من يعارض التعليم خاصة للبنات، ولكن النتيجة اتضحت الآن، والحمد لله أصبح هناك تسابق على التعليم.

– *من وجهة نظرك ما هو الفرق بين جيل اليوم وجيل الماضي؟*

– مع أن القديم له ميزاته لكن الإسلام حثنا على التطور للأفضل، نعم الآن أفضل بكثير فموارد التعليم والصحة والأرزاق متعددة، وقد سعد الكثير من أفراد المجتمع من بعد المعاناة الشديدة والفقر المدقع، كما أن وسائل الترفيه والأمن والنقل والغذاء أفضل بكثير من السابق.

*- تعليقك على الاختلافات المذهبية، وما هو المطلوب منهم للتعايش؟*

– الحمد الله الحياة كريمة والبلد يكفي الجميع، ونحن في الأحساء قدرنا جميل أن نعيش مع بعض من كل الطوائف، نتعاون ونتعاطى ونعمر الديار في ظل التوحيد والنبي الواحد(ص) والقبلة الواحدة، ولا ينبغي التدخل من هذا الطرف في نقد معتقدات مذهب الطرف الآخر بطريقة استفزازية، لأن ذلك سيولد الفتنة لا سمح الله، والأحساء ضربت مثالاً جيداً في درء الفتنة والدولة تساعد ولازالت على نبذ الإرهاب.

– *كيف ترى الأخذ بأسباب التحديث في الزراعة؟*

– الزراعة في الأحساء صعبة وأحسن المنتجات هي النخيل، ولكن لابد من الترشيد وخاصة المياه وذلك بالأخذ بسياسة التقطير، وقد قمتُ بالتعاون مع إدارة هيئة الري والصرف بعمل خطوط الأنابيب، وأنا أسعى دائماً للأخذ بأسباب التحديث في معالجة سوسة النخيل وأيضاً عمل البيوت المحمية للخضار.

– *ما هي المنتجات الزراعية التي يمكن نطلق عليها أنها شبه انتهت من الأحساء؟*

– نعم زراعة الأرز الأحسائي (الرز الحساوي)، وكثير من أنواع الفواكه كالتين والخوخ والرمان السواري.. وما إلى ذلك ،لكن أيضاً هناك زراعات نجحت مثل: الشمام الصيني والكنار (النبق) المطعم وما إلى ذلك.

– *معرفتك بالأنواء والبروج تساعد على معرفة مواسم الزراعة، هل يمكن وباختصار تعطينا فكرة عن ثقافتك في ذلك؟*

– نعم مثلاً غرس الفسيل يختلف عما إذا كان زرع الست أو غيره، في النظارة والحمل، وأيضا عندنا إذا دلق سهيل يعني ردت الأرض بالماء، ونعرف موعد زراعة العقل للأشجار، ولذا معرفة الأنواء والبروج مهمة للمزارع ، ولذا أنا أعتني بذلك وأشجع المزارعين من أهل البلدة على أهمية معرفة ذلك.

– *كلمة تسطرها في حق كل من:*
1. الشيخ عبد الكريم الممتن: عشتُ معه وكان جاري في السكن، وطلب من والدي أن يسمح لي بمراجعة ما درسته من قراءة القرآن، فوافق الوالد على ذلك وكان له الدور البارز في تصحيح قراءتي، يتميز بعمق فقهي، وشخصيته قوية، كان يبادر بتعليم الناس مسائل دينهم، وقد سمعتُ من لسانه أن الشيخ حبيب بن الشيخ صالح القرين أجاز الشيخ عمران السليم، إجازة الاجتهاد.
2. الشيخ موسى آل أبي خمسين: مربي المجتمع، وله دور بارز في منع الفرقة، وكان يدعم توجهات الدولة، وشخصيته مرموقة عند أمير الأحساء عبد الله آل جلوي آنذاك، بل كان يحوّل له بعض ملفات المواطنين الخلافية.
3. السيد ناصر بن السيد هاشم السلمان: سمعتُ كلمة من الشيخ عبد الرحيم الممتن في حقه كان يقول: (السيد ناصر بن السيد هاشم السلمان للحق لا يداهن، وأخي شيخ عبد الكريم لمعرفة أحوال الناس ).
4. السيد محمد بن السيد حسين العلي: مات فقيراً تقياً، وكان يقتات من أجرة صلاة الأموات وختمات القرآن الكريم، كما أنه إذا حصل على هدايا من المؤمنين يوزعها على الفقراء والمحتاجين.
———-
25/9/1429هـ ، 23/10/2008م

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى