أقلام

مخطوطة آية الله الشيخ عمران السليم العلي للمحقق المهندس والباحث حسين العلي العبدالله(١-٢)

علي الوباري

تعرفت على ثقافته ومخزونه المعرفي الديني بشكل أعمق وأوسع في سكن المنيرة (أرامكو) بالظهران بغرفة الأخوين علي الوباري أبي عبدالله وسلمان العيسى أبي عماد بوسط ثمانينات القرن الماضي عندما كنت أدرس بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن، أزورهم كل أسبوعين تقريباً، هو المهندس الذي ابتعث في بداية ثمانينات القرن العشرين، ومن أوائل الحاصلين على شهادة جامعية من المنصورة في جامعة أمريكية كمبتعث من قبل أرامكو.
عاش بمناخ ديني وارتبط بخطاب المنبر الحسيني بين جده وأبيه، شاهد الجد خطيباً على المنبر وتربى في كنف والده الذي يُبْكي المستمعين والحضور بصوته الجهوري على المنبر، اعتلى المنبر وقرأ مأتماً حسينياً تقليداً لجده وأبيه، إنه المهندس الباحث حسين ملا علي ملا محمد العبدالله.
العامل الوراثي العلمي الديني يفرض نفسه على الأجيال اللاحقة من الذين يتأثرون بالتراكم التاريخي يعدونه دَيْناً معنوياً في أعناقهم أورثهُ الأجداد والآباء، ليدفعهم لمواصلة ما كان عليه السلف، هذا ما نقرؤه عن كثير من الشخصيات العلمية التي توارثت الدراسة الحوزوية لأنها عاشت في وسط علمي وديني يحفزها على استمرار المشوار الحوزوي العائلي.
إن التحصيل العلمي الحوزوي في ظروف اقتصادية مضنية في زمن تعاني الأسر صعوبة العيش، ولا تجد ما يسد رمق الأبناء، حتى أن ملا علي العبدالله جد ملا محمد (الذي لديه المخطوطة) من صعوبة الحياة ذهب للبصرة طلباً للرزق مع أبنائه الثلاثة ( ملا حسين، ملا محمد، ملا أحمد) وأقاموا فيها مدة، ولكنهم عادوا إلى العمران- الأحساء، ومن ضمنهم جد الباحث ملا محمد الذي كانت لديه رغبة في أن يكون أحد خدام المنبر الحسيني
بتشجيع من أستاذه آية الله الشيخ عمران. بدأ رحلته من الأحساء إلى النجف الأشرف طلباً للعلم الديني في مدينتي الإشعاع العلم الحوزوي النجف الأشرف وكربلاء المقدسة، ولكنه بقي في النجف الأشرف مدة قصيرة مقارنه بغيره مع الذين رحلوا للدراسة الحوزوية.
مما لا شك فيه أن جد المحقق حسين (ملا محمد) تولد لديه الطموح بالدراسة الحوزوية والهجرة إلى النجف الأشرف بدافع طموح شخصي وعامل وراثي ممن سبقه وتعلق صادق بالمنبر الحسيني مع تشجيع من آستاذه آية الله الشيخ عمران السليم.
شخصيتنا المهندس والباحث حسين العبدالله بالرغم من التحاقه بشركة أرامكو ودراسته الهندسة بإحدى الجامعات الأمريكية المرموقة، وعمله بوظيفته البعيدة عن أجواء الحوزة، ولكن العامل الوراثي التراكمي والبيئة العائلية الدينية التي عاشها بين أب وجد وأقارب عاشوا في أجواء الملالي والشيوخ والحسينيات هيأه بأن يكون جزءاً من منظومة ثقافية دينية يسير بنهج من سبقه على الأقل بالبحث والتحقيق، عمل بما يعده جزءاً من مناخه الحوزوي وثقافته الدينية بأن يساهم بإنتاج معرفي وثقافي في مواضيع دينية وبحوث علمية تتعلق بالمخطوطات والشخصيات الدينية.
المهندس الملا حسين العبدالله وجد نفسه فيما يحب ويهوى بما يفوق اختصاصه الأكاديمي وعمله المهني، غالباً الهواية تطغى على العمل مصدر الرزق، فيبدع المرء في هوايته بسبب شغفه بها وتدفعه نحو الإنجاز والإبداع، كثير ومنهم مهندسنا وأستاذنا الباحث حسين عمل بما يراه واجباً ثقافياً بالمساهمة في البحوث والحوارات والمحاضرات التي شارك بها بمناسبات مواليد الأئمة عليهم السلام.
ما قام به الباحث حسين من أبحاث ودراسات وتأليف كتب كان مفاجئاً لي، بالرغم من أني كنت متابعاً لبحوثه التاريخية والدينية، إما بالاستماع إليه مباشرة، أو إلى بعض المقربين له ثقافياً، المهندس حسين العبدالله (أبو علي) يغلب عليه الصمت ومن وراء صمته ثقافة دينية واسعة، ومنطق موزون.
يتحدث حين يطلب منه بصوته الهادئ، ومفرداته ومصطلحاته الاختصاصية والثقافية في الحوارات والنقاشات التي تدل على قراءاته الواسعه وسعة أفقه.
كنا في جلسة بمنزل المهندس الباحث حسين العبدالله بصحبة السيد علي الموسى – الجبيل والشيخ علي النجيدي وصاحب المنزل، حين أهداني كتبه الثلاثة (الرسالة المنجية من الهلكة، وسين جيم في أصول الدين القويم، ومقالات إسلامية، مع كتاب مختارات من مهرجان مولد الإمام الحسن) وأرسل بعض أبحاثه كملفات بواسطة الواتس آب، تفاجأت من عدد إصداراته، كنت معتقداً أنه مكتفٍ بالبحوث والدراسات التي يحتفظ بها لنفسه، أو يقدمها بمناسبات دينية، أو في جلساته الحوارية مع أشخاص محدودين معظمهم من الشيوخ والباحثين الحوزويين والمهتمين بالثقافة الدينية.
المهندس الباحث حسين العبدالله عاصر الدكتور المفكر الشيخ عبدالهادي الفضلي -رحمه الله- وقابله عدة مرات وحاوره واستفاد منه، الشيخ الدكتور الفضلي الشخصية العلمية المؤثرة في الحركة الثقافية والتأليفية بمنطقتنا، الذي شجع عدداً من الباحثين والشيوخ على البحث والتأليف.
الدكتور الفضلي كتب مقدمة كتاب الباحث حسين العلي العبدالله الذي حقق فيه مخطوطة (الرسالة المنجية من الهلكة) لآية الله الشيخ عمران السليم العلي (١٢٦٠- ١٣٦٠هـ)، هذه المخطوطة من نوادر المخطوطات والمؤلفات التي تركها المرجع الشيخ عمران السليم رحمه الله، وربما هناك مخطوطات أخرى للمؤلف، ولكن تحتاج للبحث عنها من قبل المهتمين والباحثين بالمخطوطات.
عاصر آية الله الشيخ عمران السليم أبرز مراجع ومجتهدي الأحساء أمثال: الشيخ موسى بوخمسين المتوفي سنة ١٣٥٣هـ، والسيد ناصر الموسوي توفي سنة ١٣٥٨هـ، والشيخ حبيب بوقرين المتوفي ١٣٦٣هـ رحمهم الله.

الدكتور عبدالهادي الفضلي في مقدمة كتاب تحقيق المخطوطة (الرسالة المنجية من الهلكة) للباحث العبدالله يصف آية الله الشيخ عمران السليم العلي مؤلف المخطوطة ” فمن غير شك هو متكلم ومتضلع وعربي مبين في تعبيره ومتين في تحريره”، وعبر الدكتور الشيخ الفضلي عن المخطوطة (الرسالة المنجية): ” وقد نهج فيها مؤلفها المنهج التكاملي، فاعتمد إلى حد كبير المنهج العقلي وأحياناً مقترناً بالمنهج النقلي في الكثير من مواد ومباحث الرسالة، فسند العقلُ النقلَ في الاستدلال وعضد النقلُ العقلَ في النتائج مع وضوح التعبير وتيسير المحتوى من قضايا وآراء، إلى أصالة في الرأي واستقلال في الفكر وعمق في التحليل والتعليل”، يكمل الشيخ الفضلي “وهو المنهج الذي عرفته الأوساط العلمية الإمامية وسارت عليه في مختلف مديات تاريخها العلمي الطويل”، ومن تتوافر لديه أصول البحث العلمي والفقهي لديه طاقة التأليف الإثراء المعرفي الديني الاختصاصي، وكتب الدكتور الفضلي عن آية الله الشيخ عمران السليم رحمه الله ” تجمعت في شخصيته مواصفات الزعامة من شجاعة وسخاء ومروءة وحب الخير للناس والسعي في نفعهم والقيام بإصلاح ذات بينهم والفتيا في المواقف الجادة بحزم وحسم، وبخاصة في مجالات الإصلاح بين قبائل المنطقة”.


كما قال الشيخ الدكتور الفضلي بحق المحققَ المهندس حسين العبدالله بالثقة ” ولأن المحقق ثقة كما عرفته وكذلك جده كما هو المعروف ولأن الشهادة ونقلها اقترنا بما يؤكدهما، تأتي صحة نسبة الرسالة للشيخ قدس سره معززة بالإثبات”، أنها شهادة كبيرة تمنح صاحبها المصداقية بالبحث والنقل إذا شهد بها المفكر الشيخ الدكتور عبدالهادي الفضلي -رحمه الله- فهو الباحث الحوزوي والأكاديمي المختص الذي ملأ الساحة بالكتب والمؤلفات الرصينة، ونشر الوعي الثقافي والديني بمحاضراته ومساهماته الفكرية.
حين بدأتُ قراءة كتاب تحقيق المخطوطة بعنوان (الرسالة المنجية من الهلكة- للشيخ المرجع عمران السليم) التي حصل عليها الباحث المهندس حسين العلي العبدالله من جده ملا محمد العبدالله رحمه الله،الذي أطلعه على المخطوطة قبل ١٠ سنوات بحياته عام ١٤٠٤هـ، أخبره أن هذه الرسالة (المخطوطة) للشيخ عمران السليم، مكتوبة بخط يد السيد حسن الحداد -رحمهم الله- وبعد أن توفي جده الملا محمد في ٢١ جمادى الأولى ١٤١٤هـ، تذكر المخطوطة وبدأ الباحث حسين بالبحث عنها ببيت جده وحصل عليها وحققها في كتابه التحقيقي الذي طبعه في (مؤسسة أم القرى للتحقيق والنشر) سنة ١٤٢١هـ في ١٨٣ صفحة.
طول صفحات المخطوطة ٢٤.٧ والعرض ١٧.٥سم، الأسطر بالصفحة الواحدة ١٩ سطرا، وعدد صفحاتها ٥٩ صفحة، المخطوطة غير مرقمة، كتبت بنهاية كل ورقة كلمة، وهذه الكلمة هي بداية الصفحة التي تليها.
ويذكر الباحث أن خط المخطوطة واضح، تضمنت المخطوطة العبارة التالية (تمت الرسالة المشتملة على أبواب خمسة وفائدتين، يوم واحد وعشرين في شعبان سنة ١٣٤٢هجري، وجد المحقق المهندس حسين تاريخين ويحتمل أن بداية تاريخ المخطوطة سنة ١٣٣٤هجري وأنتهى منها المؤلف عام ١٣٤٢هجري، أو التاريخ الثاني هو تاريخ الانتهاء من نسخها.
أن شاء الله، لنا عودة بمقال آخر لتسليط الضوء على تحقيق المهندس الباحث حسين العبدالله على المخطوطة وعلى بقية كتبه.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى