أقلام

Recycling إعادة تدوير

رباب حسين النمر

من العمليات الرائجة منذ آلاف السنين هي عملية إعادة التدوير التي تعتمد على فلترة المواد القديمة، والاستفادة من المواد غير الصالحة (النفايات)، وإدخالها في عمليات الإنتاج والتصنيع الجديدة.
ويمكننا نقل المصطلح من الميدان المادي إلى الميدان التجريدي والخُلُقيّ، فكم صفة خُلُقيَّة تحتاج إلى إعادة تدوير، وتجديد في التصنيع حتى نتخلص من النفايات الخْلُقية المضرة بمشاعر الآخر ونفسيته التي تجرحها، ونحولها إلى خلق جديد سامٍ يفيض رقيًّا وتحضرًا، وحفظًا لكرامة الآخر.
في حافلة الركاب بدا أكثر المسافرين تهندمًا وأناقة، يحمل بين ذراعيه (ثيابه المكويّة المغلفة بكيس حافظ) ويحرص بدقة على ترتيبها في رف الحافلة العلوي، ليحافظ على ترتيبها إلى حين وصوله لوجهته، ويرتدي زيٍّا رسميًّا غاية في الترتيب (مشخّص)، ليعكس في الأذهان صورة رجل راقٍ مهذب ومحترم.
ولكن كما يقال (المرء مخبوء تحت طي لسانه لا تحت طيلسانه)، فقد كان هذا الهندام المرتب يخفي تحته أمرًا خُلُقيًّا يحتاج فعلًا إلى إعادة تدوير.
كانت الحافلة تضج بالركاب مابين رجال ونساء وأطفال، يفصل بين القسم النسائي في الحافلة والقسم الرجالي ساتر قماشي، ومن خلف الساتر يتكدس الأطفال والنساء، والأغطية والوسائد ومختلف الحاجيات، ويفترش الأطفال أرض الحافلة وينامون، بحيث يتعذر على العابر المرور دون أن يرفع رجل بحذر وهدوء ويضعها في مساحة فارغة لئلا يطأ رأس إنسان، أو يدوس يدًا أو رجلًا
صغيرة.
وفي هذا الوضع المستنفر كان الجميع يحاول حزم أمتعته والتأهب للنزول عند وصول الحافلة إلى وجهتها!
كانت آخر النازلات من الحافلة كون مقعدها يقع في أقصى الخلف!
وكان ذلك المهندم في انتظارها على مضض، ما ٱن هبطت حتى غلى مرجله ونفثث عليها حممًا من براكين غضبه أمام الملأ، وزجرها لتاخرها في النزول، وألقى على مسامعها ألفاظًا غير لائقة!
هنا أراق ذلك المرتب المهندم ماء وجه شريكة حياته أمام الملأ، وكان الأولى به حراسة كرامتها أمام الناس، والاحتفاظ بغضبه ومآخذه واعتراضاته حتى ينفردا بعيدًا عن الناس.
أليست هذه الأناقة بحاجة إلى إعادة تدوير من الجانب المرئي، وتحويلها إلى أناقة تعامل ورقي لفظي مع أقرب الناس لحفظ كراماتهم ومياه وجوههم؟

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى