أقلام

هل ينبغي علينا تجنب السكر؟

د. غسان بوخمسين

السُكَّر ليس مجرد حلاوة تحدث في اللسان، بل هو إحساس خاص يفيض على متذوقه، وسعادة غامرة تسكن صاحبها، وطاقة متدفقة تغمر متناوله. ولكونه المصدر الأهم والأسرع والأكبر للطاقة، ومذاقه المتفرد الذي يمنح صاحبه شعورًا بالرضا والبهجة والامتنان، وتجعله في حالة من النشوة، فيطلب المزيد والمزيد منه؛ لأنه يؤثر في مركز بالدماغ يفرز الدوبامين وهو عنصر المكافأة، بحيث يصعب بل يكاد يستحيل على من اعتاده وأدمن تناوله أن يستعيض عنه بأي شيء آخر!

كان الإنسان في الماضي يحصل على الطاقة اللازمة لبقائه وحياته من طعامه اليومي، وكان في مجمله طازجًا وطبيعيًا وغير معالج، والسكر الموجود فيه كان في حالة السكريات المعقدة، وبعض من السكريات البسيطة من الجلوكوز والفركتوز الموجود في الفواكه، أو الخضروات، أو الحبوب، أو الخبز الكامل.
ينبغي علينا عدم تجاهل قضية صعوبة تأمين الطعام في تلك الأزمنة، وترافق ذلك مع انتشار الآفات وغياب الآلة وندرة الموارد، لذلك كان الطعام شحيحًا عزيزًا لأغلبية الناس وبالكاد يكفي حاجتهم من الطاقة، ولم يكن السكر النقي المصفّى متاحًا للناس بل كان نادرًا وغاليًا، وحكرًا على الملوك والأثرياء.
ولكن هذا الحال انقلب رأسًا على عقب في القرن التاسع عشر، مع اكتشاف تقنيات تقطير سكر الشمندر والقصب وتصفيتها وتطويرها، حينها أصبح السكر الطبيعي أو ما يعرف بسكر المائدة sucrose رخيصًا ومبذولًا للإنسان العادي، وتزامن ذلك مع بداية الثورة الصناعية في الغرب، ودخول الآلة البخارية عالم الصناعة والتجارة والزراعة، مما قلل الحاجة للجهد البشري، كل هذا أدى الى وفرة هائلة لمصدر رخيص وموفر للطاقة، وفي الوقت نفسه بحتاج لجهد عضلي أقل وبالتالي حرق أقل للطاقة، مما سبّب مع الزمن خللًا فسيولوجيًا وأيضيًا كبيرًا لجسم الإنسان لم يكن موجودًا من قبل، نتج عنه زيادة في حالات السمنة، وأمراض القلب والسكري، والجلطات القلبية والدماغية، وغيرها من الأمراض التي نعاني منها في حياتنا المعاصرة.
العجيب في المحليات الصناعية أنها اكتشفت بالصدفة، وأولها السكارين عام 1878م ومن بعده توالت المحليات مثل الأسبارتام والسكرالوز وغيرها، أما الستيفيا فهو مُحلي غير سكري، ولكنه من مصدر طبيعي من نبات ينمو في أمريكا الجنوبية.

كل هذه المحليات بديلة السكر، لا تحتوي على سعرات حرارية، لذلك يمكن استخدامها بأمان لمرضى السكري بجرعات محدودة، أثيرت في السابق شكوك حول كونها مسبب للسرطان في الحيوانات، ولكن الدراسات العديدة خلال العقود الماضية على البشر أثبتت أمانها، وبعض الدراسات الصغيرة أشارت إلى أنها قد تقلل من حساسية الأنسولين، ولكن ذلك بحاجة لدراسات أكثر وأعمق، وتوجد أدلة متراكمة حول تسبب هذه المحليات في خلل توازن في المستعمرات الميكروبية microbiota في القولون، وما قد يسببه من مشاكل صحية، وهذا مجال بحثي واسع برز مؤخرًا ينبغي النظر والبحث فيه للتأكد من سلامة هذه المحليات وأمانها.

يبقى المذاق والطعم مسألة مهمة، فكل بدائل السكر الطبيعية والصناعية لا تعطي المذاق الحلو والساحر الذي يعطيه السكر الطبيعي، sucrose وهذا يمكن قياسه من خلال ما يعرف بملاحظة الحلاوة sweetness perception
فالسكر الطبيعي يعطي مذاقه الحلو في براعم التذوق بسرعة، ويتلاشى أثره ببطء نسبيًا في وقت محدد يقاس بالثواني، فبراعم التذوق لدينا اعتادت على هذا النمط في بداية الأثر وتلاشيه، فأصبح هو المرجع والمعيار الذي يقيس به اللسان طعم الحلاوة، فأي اختلاف عن هذا المعيار ولو بجزء من الثانية، قد لا يعطينا شعور الرضا والبهجة الذي يمنحنا إياه السكر، فلذلك نحن غالبًا لا نستسيغ مذاق المحليات بديلة السكر؛ لاختلافها عن المعيار الذي وضعته لنا براعم التذوق، وأقرب المحليات للسكر في هذا المعيار هو الأكثر قبولًا في تذوقنا، والعجيب أن دماغنا لا يعطي الشعور بالرضا ويفرز الدوبامبن (عنصر المكافأة والسعادة) الا للمحلّي الذي يحتوي على سعرات حرارية وهو السكر الطبيعي فقط تقريبًا، لذلك يصعب أن نجد الحلاوة والشعور المصاحب لها مع غير السكر الطبيعي.

 

 

السكر مادة غذائية ضرورية لا غنى عنها، وليس صحيحًا أنها سم زعاف وينبغي تركها والابتعاد عنها تمامًا، لكولكن المشكلة تكمن في الاستهلاك المفرط للسكر المكرر بكميات كبيرة بشكل مباشر أو غير مباشر من خلال إضافته إلى معظم الأطعمة المعلبة، فالسكر إذا استهلك بحرص واعتدال لا ضير فيه ولا خطر منه، فالمقدار المسموح به يوميًا حوالى 30 جرام تقريبًا من السكر، ولكن ينبغي الانتباه للمصادر الخفية من السكر الموجود في الأغذية المعلبة، فلو جرى الالتزام الدقيق بالاستهلاك المنضبط من السكر، يمكن تجنب المشاكل المترتبة عن الاستهلاك المفرط منه.

وفي الختام أستشهد بمقولة العالم الذي يعده البعض رائد علم السموم باراسيلسوس حيث قال: إن “الجرعة وحدها هي التي تحدد أن الشيء ليس سمًًا، الجرعة فقط هي التي تصنع السم”

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى