أقلام

شارع عرضه عشرين وأنفس خُلقت من …

أمير الصالح

المرآة تعكس صورة الأنسان كما هي. فمن كان جميل الهندام والترتيب، وحسن الشكل، ونظيف الملبس تنعكس صورته من المرآة كذلك، والعكس صحيح.
في العموم، يحرص الكثير من الرجال والشباب على إمضاء وقت طويل في التأنق والتهندم وتمشيط الشعر وتناسق ألوان ملابسهم، وجميل تشذيبهم لأذقانهم ورش عطرهم المفضل على ملابسهم قبل خروجهم من منازلهم. وكذلك تحرص كل النساء على إمضاء وقت أطول على لبس الهندام المناسب والتمكيج والتعطر، واختيار ألوان الملابس قبل حضورهن أي تجمع نسائي، مثل حضورهن مجلس أمهات، أو استجابة دعوة من صديقاتهن.

المرآة الحقيقية للتربية والأدب والأخلاق والذوق ينعكس في سلوك الرجل والمرأة عندما يكونان في الشارع أو المجمع أو السوق أو المدرسة أو أماكن العمل، والقاعات أو المطعم أو المطار أو المستشفى.
وقد ينفطر قلب البعض منا عندما يرى ويشاهد رجلًا متأنقًا ومتعطرًا ومتهندمًا، ولكن ألفاظه على العلن سوقية وهابطة وقليلة ذوق وجارحة وخادشة للحياء. وينصدم الكثير منا عندما يرى ويشاهد امرأة متهندمة ومعتنية بأدق تفاصيل ملابسها فيُحسن الظن برزانتها، حتى يتفاجأ الآخرون عندما يصدر منها تصرف أو ألفاظ أو عبارات أو قهقهات عالية لا تتلاءم وأنوثة المرأة وعفتها و حسن الظن بها!

في الأحياء القديمة حيث عاش كل الأجداد والآباء وبعض من المعاصرين والمعاصرات، لم يكن هناك كود هندسي معقد للبناء بالشكل والمعايير المعروفة اليوم. واقتصادات البناء يومذاك جعلت البيوت متلاصقة والأزقة ضيقة والسطوح بالارتفاع نفسه، ومنكشفة، والشوارع الرئيسة قليلة العرض. ولم تكن يومذاك توجد مواد عزل صوت أو عزل حرارة في البناء القديم. ولم يكن هناك ارتداد بين المباني يفصل بينها، ولم يكن هناك مرائب للسيارات في كل بيت. إلا أنه بفضل استزراع تقوى الله في نفوسهم من قبل الفضلاء و الاخيار والعلماء، وحسن تعاهد التربية الحسنة بين صفوفهم، وجميل السلوك النابع من قيمهم، جعلت مرآة أنفسهم في أعين ابناء الحي والفريج (الحارة) والمنطقة تزداد ألقًا مع إشراقة صبيحة كل يوم يمضي من أعمارهم/ هن. وما تزال الأنفس تشتاق لتلكم الأرواح الطيبة لجميل الجوار، وعمق الأدب وارتفاع الذوق وحسن السيرة وعبق المواقف الجميلة، ولين العريكة وبشاشة الوجه وانعدام الغرور واضمحلال التكبر. فرحم الله من رحل، وأمد الله في أعمار من بقي، وأعاد الله أمثال تلكم الأيام بالخير.

في عصرنا الحاضر، بعد أن منّ الله علينا بنعم كثيرة منها النفط، وحسن تخطيط المدن، وزيادة موارد الرزق. وتعددها، فتم إدراج اشتراطات البناء في مجال السلامة والبيئة والصحة والعزل للضوضاء والحرارة والتصريف الصحي. ومن ضمن تلكم الاشتراطات وجوب وجود ارتدادات خارجية للمباني، وإلزام صاحب المبنى بتركيب عوازل، وتخصيص مساحات لمواقف السيارات، وبناء مرائب في الفيلات، ومواقف للمستأجرين، بهدف الارتقاء بنفوس المواطنين والمقيمين، وتعزيز جودة الحياة عندهم، وبلوغ درجة من درجات راحة البال من خلال سعة الدار واكتمال الخدمات، وفسحة الشوارع، وتقليل الضوضاء، وحجب الملوثات البصرية والصوتية. فتم توسيع الشوارع حتى بلغ عرض الشوارع داخل بعض الأحياء السكنية الجديدة بعرضثلاثين مترٍا، وأخرى عشرين مترًا. وهذه نعمة تستحق الحمد، ويعرف قدرها من يتأمل في نعم الله.
إلا أن السلوكيات لبعض المستخدمين في بعض تلك الأحياء تنطبق عليهم مقولة: السيئ سيء ولو أُسكن بالقصور وطوق بالذهب وملك مال قارون.

فهل يُعقل أن شارعًا عرضه ثلاثون أو عشرون متر في بعض الأحياء، وترصد وقوف اعتراضي يمنع تدفق المرور للسيارات بانسيابية ويرهن ذلك البعض ممن استخف بحقوق الطريق كاملًا معطلًا مصالح الآخرين، ويعطل خدمات عامة بمزاجه. إنها الأنفس الظالمة لأنفسها وليست الشوارع. فلقد شاهدنا، وشاهد من ساف بأم العين أن بعض المدن المتحضرة مع محدودية عرض الشوارع فيها، مثل مدينة جنت Gent (المبني جزء منها منذ القرن الخامس عشر ميلادي) وبروكسل ولاهاي وأمستردام، ومدن أوربية عديدة، ومع تعدد وسائل النقل المستخدمة في ذات الشارع التجاري الواحد (سيارات، عجلات هوائية، موتور، عجلات كهربائية، كراسي مقعدين متحركة، مشاة، ترام كهربائي، حافلات سياحية)، والحركة المرورية للجميع في انسيابية دائمة على مدار الساعة. وفي المقابل تشاهد أحياء سكنية بمناطق خليجية، عرض الشارع الواحد فيها يتجاوز عشرين مترًا أو ثلاثين مترًا، إلا أنك ترى من يوقف سيارته في منتصف الطريق بادعاء أنه سيقضي حاجته من المخبز أو البقالة، أو انتظار خروج سكان الشقة ” بس في دقيقة واحدة “. ويركن سيارته إلى اليوم التالي دون أدنى اكثراث بما سببه من مضايقات وتعطيل لمصالح الجيران ومستخدمي الطريق ذاته. فإهمال من البعض حيث لا يريدون أن يركن/ تركن سيارته عشرات الأمتار بعيدًا عن مبنى شقته في مواقف مخصصة لذلك!

وهذا يذكرني بقول أحد كبار السن: الشارع عرض عشرين وأنفس في الطين، ونحن نقول من المفترض والمنشود بهمة الجميع أن يكون الشعار: الشارع عرضه عشرين والرب كريم، والأنفس إن شاء الله من طين الجنة. والبعض ممن يتجاهل حقوق الآخرين وينتهك حرمة الطرق، يمشي بين الناس متبجحًا أنه مخلوق من فاضل طين خلق البشر. وآخرون ينتهكون كل الحقوق، ومنها حقوق الطريق. وتراه ليلًا ونهارٍا يُمني نفسه بأنه من الفرقة الناجية!!!

أصبح ملاك المنازل من مجاوري بعض المساجد والمدارس والمرافق العامة وحدائق الحي والشقق السكنية في حسرة كبيرة، وضغط نفسي متكرر بسبب سلوكيات رواد تلكم المرافق وانتهاكاتهم المتكررة لحقوق الطريق، واغتصابهم لمواقف السيارات، وكسرهم للأنظمة المرورية العامة. فأصبح البعض من ملاك المنازل يمثل بعض رواد تلكم المرافق مصداق لعنوان (جار سوء أو مسجد ضرار). أداء حقوق الطريق واحترام الآخرين وملكياتهم هي أولى علامات النضج والوعي والرزانة والكياسة والتقوى وحب المجتمع ورص الصفوف ووحدة الكلمة، وليس الادعاء بشي من الصلاح وفعل نقيضه.
فما رأيك أخي القارئ في هذا الموضوع؟!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى