أقلام

وغض البصر..و ليس البصيرة

أمير الصالح

أثار تزايد عدد المشردين في وسط مدينة كالجاري بمقاطعة ألبرتا الكندية ما بعد جائحة الكوفيد فضولي المعرفي، لكوننا نعيش وإياهم على كوكب واحد وهم إخوتنا في الإنسانية. مقاطعة ألبرتا ومدينة كالجاري مصنفة اقتصاديٍّا بشكل ريادي، ويعيش أهلها في ذروة جني أرباح أسعار النفط المرتفعة والمصدر منها وانتعاش الأعمال التجارية التي تعمل بشكل جيد جدًا، ونمو اقتصاد سنوي متزايد بشكل ملفت، وتعدد مناطق السياحة فيها. وحاولت أن أتدارس موضوع المشردين وانعكاساته على المجتمع هناك من ناحية تحليلية مبسطة على عجالة. وقد علمت أن شريحة من أولئك المشردين كانوا موظفين سابقين في مناطق التنقيب عن النفط النائية بمقاطعة ألبرتا الكندية. وكانت مداخولاتهم المالية يومذاك عالية، إلا انهم صرفوها على متع جسدية هابطة، ومشروبات شيطانية، وجرعات مخدرات قاتلة، وصحبة شلل ساقطة. وبعد خسارة وظائفهم على إثر جائحة كوفيد، انطبق عليهم/هن المثل الشعبي: ” راحت السكرة وجاءت الفكرة”، فأحبطوا عند قراءة نتائج سفاهتهم، وتاهو في الأرض لانعدام وجود إيمان بالله، وانعدام الأمل في قلوبهم، واضمحلال الانضباط الأخلاقي من البداية في أنفسهم، وتضعضع بنيانهم الاجتماعي الأسري نتيجة لأنانيتهم الذاتية المفرطة في إشباع شهواتهم. فحاموا حول مكاتب الشركات الكبرى في منطقة وسط مدينة كالجاري Calgary مشردين ومتسكعين، وما وطد علاقة المشردين homeless بوسط المدينة هو وجود تشريعات تبيح أخذ جرعات المخدرات، وتفعيل مراكز تحت إشراف حكومة مقاطعة ألبرتا المحلية لإعطاء حقن المخدرات بإدارة جهات صحية حكومية وإشرافها هناك، كما نُقل لي.

إلى جانب وجود أكثر من مأوى سكني للمشردين للنوم في وسط المدينة، ووجود مراكز توزيع أطعمة غذائية مجانية لهم/هن.
طبيعيًّا السائح سياحة عائلية نظيفة سيشعر بالقشعريرة والخشية من التصادم مع أحد أولئك المشردين المحبطين المسكرجية.

من الطبيعي أن انعدام وجود الأب الصالح الفاعل والأم الصالحة الفاعلة في أية أسرة يعني وضع أول مسمار في تابوت تفتتها وتشرذمها. وما يزيد الطين بلة في حياة الأسر المتضعضعة من الداخل هو سوء استغلال المراهقين المغرر بهم/بهن بسبب إبراز وتبريز النجوم الإعلامية الفاسدة سلوكيٍّا وأخلاقيًّا، المنتقدة للقيم العالية، وجشع بعض الزوجات والفتيات المنحرفات فكريًّا وسلوكيًّا بسوء استغلال شعارات الحرية الفردية، لتكتمل أضلاع تحطيم الأسرة الواحدة من الداخل، ويكون بناء اجتماعي هش في بعض المناطق من هذه الدولة أو تلك. وهذا أمر محزن ويعز على قلب كل صالح من أبناء آدم الأسوياء، فلا عجب أن ضج تطبيق التيك توك وإخواته من تطبيقات السوشل ميديا بلقطات فتيات ونساء مبتذلات، ورجال منحرفين وأشباه الرجال ممن زانت الدنيا في عيونهن/عيونهم طمعًا ولهثًا منهن ومنهم لتحصيل بعض المبالغ المالية على حساب عوراتهن، نتيجة تزايد عدد المشاهدين والمشاهدات والمتابعين لهم في تلكم التطبيقات، ولكون التشريعات القانونية لأهل الدنيا في بعض الدول تدافع عن الحريات الشخصية حتى المبتذل منها، والتي أدت وما تزال تؤدي إلى نشر الرذيلة من جهة، وهدم الفضيلة من جهة أخرى. وبالمحصلة يكون المتأثرين بأهل الغرور والرذيلة ضحايا تغرير، والمحصلة خراب بيوت، وفواجع، وازدياد تعداد المشردين، وإنهاك اقتصاديات بعض الدول. ومع شديد الأسف فإن البعض من المنحرفين والمنحرفات في بعض بقاع الدنيا أجادوا توظيف تلكم التشريعات الدنيوية والثغرات الموجودة فيها، واستغلوا تفسير الحريات بابشع صوره ليصنعوا محتوى إعلامي نتن ومبتذل، وينشرونه عبر وسائل الوسائط الاجتماعية، وعبر الحدود دون رقيب ولا حسيب ولا عقاب من المجتمع هناك. وأولئك السفهاء نجحوا نجاحًا ملحوظٍا في تصدير التفسخ حول العالم.

أخلاقيًا وتربويًا واجتماعيًا ودينيًا مطلوب من الإنسان المنصف لذاته أن يغض بصره عند تصفحه للوسائل الاجتماعية والشبكة العنكبوتية، وتجوله سياحة حول العالم عند مشاهدة لقطات مخلة أخلاقيًّا، ليحافظ على توازنه النفسي والعقلي، والذهني، والروحي. وهذا الغض للبصر لا يعني غض البصيرة وإنما الحفاظ على نور البصيرة.

سورة النور، آية 30/ 31: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَ يَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكى‏ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ. وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ)

ونحن جميعًا كابناء آدم وإخوة في الإنسانية مطالبون أن نساهم في تظافر الجهود لإيقاظ الجهلاء والمغرر بهن/ بهم من المراهقين والمراهقات، والرجال والنساء بالنتائج النهائية للانحراف، واتباع خطوات الشيطان. وأشجع الآباء والأمهات والتربويين وأهل الأدب حول العالم بتبني منهج رصد النتائج والعواقب لمن غرتهم شهوات الرذيلة، وتنبيه أبناء الأجيال الصاعدة في أصقاع الأرض بخطورة اتباع خطوات الشيطان بناء على الشواهد الملموسة لواقع الذين سقطوا في حبائل الشيطان.

لمن لايعلم فإن مقاطعة ألبرتا هي مقاطعة إنتاج النفط الرئيس في كندا، ومدينة كالجاري في مقاطعة ألبرتا هي الأكثر حضوة بعدد مكاتب شركات هندسة وصناعة إنتاج حقول النفط والغاز العالمية. فهل الثراء المالي في مناطق النفط في بعض بقع العالم مع سوء توظيف المال عاصم من التفتت وانهيار بعض الأسر، وإنتاج مشردين وشبه وحوش بشرية خطرة، أم أن حسن السلوك والتربية الصالحة، والارتباط بالخالق، وانضباط أرباب الأسر هي صمامات الأمان من ذلك كله؟

ولنتذكر سويا نحن مطالبون بأن: نغض (نحجب) البصر عن مناظر الابتذال، ونحجب السمع عن الشتائم، وليس البصيرة. فالانبياء والأولياء وأهل الصلاح من كل البشرية زرعوا في الأرض شجرة الهداية لنكون في كوكب أكثر رشدًا وفلاحًا وسعادة. ونسعى وإياكم وكل أهل العقل من أبناء البشرية ليكون كوكبنا أكثر انضباطًا بتجنب أهل المجون والبغاة والساقطين والساقطات، والعمل لإصلاح ما فسد من أمور المشردين والمشردات، لوضعهم من جديد على خطى الرشد، والسعي سلميًّا بإيصال الصوت لملاك التطبيقات بحجب المواقع والتطبيقات المروجة للرذيلة، وإيصال الصوت لممثلي المناطق في الدول التي بها تمثيل للمجتمع في مجالس البرلمان هنالك بإلغاء أي تشريع يرخص تناول مايؤدي إلى أضرار جسيمة بالاقتصاد والعباد والبلاد، والأمن والأسر والمجتمع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى