أقلام

الحسين نصًّا مقدسًاً وتاريخًا خالداً

سلمان أحمد الجباره

حين نتأمل مسيرة الوعي البشري عبر التاريخ، فسنجد عددًا من العلامات المضيئة التي شكلت مفترق طرق، وصنعت تحوّلات كبرى في الوعي، وخلقت تموّجات كبرى في مسيرة الحياة البشرية، وشكّلتْ منعرجًا حادًّا ينقسم التاريخ من خلاله إلى ما قبل وما بعد. ومهما يمضي التاريخ بعدها، ومهما يلفّها شيء من الغموض بتتابع الحقب، إلا أن رمزيتها تبقى ناصعة ومشعة على مرّ العصور كنص مقدّس.

الحسين عنوان، والعناوين الكليّة هي في طبيعتها وفي جوهرها مجرّدة، ترفض الزيادة والإضافة والتقادم، والحسين هو أحد هذه العناوين الكبرى في تاريخ البشرية، هو علامة في سِفْر مسيرتها الخالدة، لذا يمكننا أن نقول دون مجازفة أنه ساهم في صنع تاريخ البشرية مساهمة بالغة منذ ذلك اليوم الذي ضمّخه بشهادته.

الحسين تاريخ خالد يكتبه المنتصر، وقد انتصر الحسين في ملحمة أسطورية جعل عنوانها ” انتصار الدم على السيف”، إذ حقق نصرًا إستراتيجيا رغم عدم تكافؤ المعركة في شكلها المادي الذي رجحت فيه كفة الباطل عدة وعتادًا، فكانت له جولة آنية عابرة ذهبت أدراج الرياح لحظة مقتله عليه السلام، كأنها لم تكن، وكان للدم والقيم صولات.

ومنذ ذلك الحين وهي تتجدد في كل يوم، إذ أعطى الحسين للزمان عظمة في يوم استشهاده، وإذ تستعيد البشرية في هذا اليوم عظمة القيم الإنسانية التي كتبها بدمه الطاهر، رفضًا للظلم، في قوله ( لا أراى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما)، وحيث أضحى بوصلة للأحرار ومنارة للإصلاح.

نعم، كل يوم عاشوراء، وكل مكان هو كربلاء، ولكن للعاشر من المحرم من كل عام حضوره الأقوى بين أيام السنة، فهو سيّد أيام العام الهجرية، من فرط ما اختزن من قيمٍ عالية ومشاعر نبيلة، فمنذ 1400 سنة والعالم يحتفي به في مسيرات حاشدة بألوان طيفهم الديني والعرقي، يتحدثون لغة واحدة هي لغة الحسين لكي يمنحوا أفكارهم وقيمهم حياة تمكنهم من الحركة في الاتجاه الصحيح، فكانت كربلاء الإباء والفداء والحرية كعبتهم التي تمنحهم العنفوان والكرامة، وهي البقعة الجغرافية الواقعه في بلاد الرافدين التي لم يمنحها موقعها الحضاري الضارب في التاريخ فرادة أو شهرة بقدر ما نالت شهرتها حين سالت دماء الحسين الزكية على ترابها كقيمة إنسانية وروحية توقظ ضمير الإنسانيه، فعاشوراء ليست حدثًا تاريخيًّا يسرده ويحيي ذكراه المحبون ألمٍا فحسب، بقدر ما هي محطة روحية تمنح الإنسان قيمة لوجوده.

نعم، أرادت السماء أن يكون الحسين نصًّا مقدسًا، وتاريخًا خالدًا عصيًّا على النسيان مهما حاول المتربصون بكيدهم وغيظهم شطبه أو حذفه، حيث أن الحسين نور يهتدي به المؤمنون وأيقونة للقيم يحملها الإنسان في وعيه ويترجمها على الأرض في سلوكه.

وبالأمس احتفل العالم بعاشوراء الحسين، ولم تقتصر تلك المراسيم على فئة أو جماعة أو طائفة أو ديانة، فأحيا الجميع تلك المناسبة، كل من موقعه وعلى طريقته في مشهد حزين ومهيب، وبقراءت متعددة يجمعون فيها على إنسانية مشروع الإمام الحسين الإصلاحي في وقوفه ضد الجور والظلم والفساد بجميع ألوانه وصوره، وهو موقف يحمله كل شريف يؤمن ويعلي من كرامة الانسان.

وكان لنا في هذه البلاد الطاهرة حظ وافر وحضور جميل تجلى في خطاب فكري وثقافي يهتم بوعي المجتمع في الجوانب الأخلاقية، والتربوية والثقافية التي تواجه الفرد، كل ذلك بإشراف وعناية كريمة من الدولة والقيادة الحكيمة حفظها الله ورعاها، وبتوجيه المعنين بالعمل على نجاح المناسبة بيسر وأمان، وهذا ماتمّ على أرض الواقع، بجهود مشكورة ومقدرة من رجال الأمن في الحفاظ على الاستقرار والامن في تعاون مشترك بين المواطن ورجل الأمن.

فالسلام على الحسين، يوم ولد، ويوم استشهد، ويوم يبعث حيًّا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى