أقلام

قراءة في قصيدة: (وجع) من ديوان (مَس) للشاعر والناقد جاسم المشرَّف

عبير المسلم

ثمة أيقونات مصاحبة للعشق وهي: الألم، والبعد، والشوق، والصدود والمرارة، والهم.  وفي مقابلها تكون أيقونات الحب من: اللذة، والأنفة، والنور والإشراق في العروج.

فكيف جمع المشرَّف بين الاثنين معاً في أيقونة الظمأ، فكان الألم أملاً، والمرارة حلاوة، والنار المتقدة في القلب تزيد في صفائه؟!
وما الضمير المؤنث الذي يكثر عليه المطالبة بالعودة غير نفس يرُوضها بالتقوى، ويتعهدا بالتزكية.
ولئن كان الضمير أنثى فهي المرأة التي تمثل معنى عظيماً يتجلى في قوله:
“يا نور فجر الندى لا غاب خاطرنا
إلا على شَمَم يرنو إلى شَمَم”
تشرق في هذا البيت معاني الرشاقة والعذوبة والدقة؛
فالشمم ليس مجرد قمة ونهاية إنما هو ارتفاع وأَنَفة.
والفعل يرنو ليس مجرد حركة من نقطة إلى أخرى، بل هو حركة رشيقة إلى ما تصبو إليه نفس الساعي.
أما نور فجر الندى فتدل على البدايات الهادئة الوادعة المشحونة بطاقة الأمل، أما الندى فهو سحر العذبة، واللحظة تعني: الجمال في صمت الطبيعة وطفولتها.
أما فعل الأمر عودي فهو يعيدنا إلى كلمة شمم؛ لندرك الغرض، فإن المطالبة بعودة ما لا خطر له عبث وتنزُل، أمَا وقد جاءت كلمة شمم في سياق القصيدة فإن بها يحلو الرجاء، ويعذُب الالتماس.
فإن غياب ذلك النور وذاك الفجر الصادق استتبعه حضور الآلام التي عبر عنها المشرَّف بقوله:
“وشتّتها رياح الهم في قتم”
وما تلك إلا آفات الزمان وأوجاعه التي تختنق الروح بريحها الكريهة والتي لا يحسها العاشق -وإن تضافرت- في وجود معشوقه.
ثم نخلص إلى النزعة العرفانية فنقول: إن الظمأ هو كلمة السر التي تجعل العاشق يأنس بالألم، ويرضى بالمرارة، ويحتمل البعد.
إن مَن لا يدرك كنه الحب يقول: إن العاشق ينفق عمره ويذل نفسه لذلك الشعور، وأن الخلاص منه نجاة،
ولكن العارفين يدركون تمام الإدراك أن تلك الأيقونات جميعها تنصب في أيقونة الظمأ؛ لتتحرك النفس نحو الضفة الأخرى، من فراغ إلى امتلاء، فما قيمة الحياة أو ما قيمة الإنسان دونما سعي إلى حقيقة، ودونما ألم ومعاناة، ودونما حلم ببرد الكوثر.

وإن كان الحديث عن أنثى فهنا تتمثل المرأة في فكر العارفين جلاء للهم، وضياء في البدايات، ورفعة في النهايات، وأنساً يخفف ألم الإحساس بأوجاع الزمن وعوناً على الأيام
يقول:
“عودي نلملم آهاتي التي انتثرت”
فما أجمل المشاركة في كلمة نلملم، وما أوضح دلالة التبعثر في كلمة انتثرت.

وبعد فإن هذه القصيدة في معانيها المتدفقة لتجيب على إشكالات في النفوس، وتضيف إلى الإنسانية في الحب أعمق الدروس،
وتحكي قصة الإنسان ونفسه في العروج؛
فلئن رضي بواقعه، ولم يتخذ من نفسه مَركباً في ظلام الليل، ويحتمل عثرات الطريق فلن يصل إلى المحبوب الحق سبحانه.
هذا والحمد لله رب العالمين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى