أقلام

في ذكراه السنوية العاشرة الدكتور عبد الهادي الفضلي وعلاقته بالكتاب من التلقّي إلى الإنجاز

حسين منصور الشيخ

نشطت في المنطقة – ولسنوات مديدة – إقامة العديد من برامج المحاضرات والندوات واللقاءات ذات الطابع الديني والثقافي، وبخاصّة في شهر رمضان المبارك الذي كان ولا يزال من أهم مواسمها الثقافية. وكان من أبرز محاضريه لعقد من الزمن (عقد التسعينيات الميلادية) العلامة الدكتور عبد الهادي الفضلي (ره)، إذ انطلقت الصلة المباشرة بسماحته خلال هذه الفعاليات الاجتماعية والثقافية وتأثرًا بعطائه المتميّز فيها.

واستمرارًا لتلك الأنشطة، تنبثق كلّ عامٍ تقريبًا مجموعة من الأنشطة والفعاليات الرمضانية، وكان من بينها اللقاءات الثقافية التي عقدت بمنزل الصديق الأستاذ حسن آل حمادة، الذي عُرِفَ في المنطقة بمشاريعه في ترويج عادة القراءة واقتناء الكتاب. وقد كان لي شرف المشاركة في أحد هذه اللقاءات، إذ دعاني الأستاذ آل حمادة لإلقاء كلمة في أول جلساته الرمضانية وقد صادف أن تكون في ذكرى مولد العلامة الفضلي في 10 رمضان 1438ﻫ، فاستجبت لدعوته الكريمة شاكرًا ثقته وفضله، وكان الاقتراح أن تتناسب والمجال الذي ينشط ويدعو إليه صاحب المنتدى. وقد كانت محاور الكلمة مرتبة على النحو التالي:

مقدّمة: بين عادة القراءة ومهارة الكتابة.. الأجواء والمحفّزات

جمع الدكتور عبد الهادي الفضلي (ره) بين الدراستين: التقليدية والحديثة، أو ما كان يسميهما: بين الجوامعية والجامعية، وهو الجمع الذي أفاد منه لاحقًا فيما كتب وحاضر وبحث ودَرَسَ ودرّسَ. وقد مثّل هذا النوع من الدمج بين نوعين من الدراسة والتلقّي أرضيّة مهمّة في تعميق النظرة العلمية تجاه كثير من القضايا التي تناولها سماحته بالبحث والدراسة، وذلك حينما أفاد من المنهجية القديمة في معالجة هذه المسائل، ومن المنهجية الحديثة في توسيع النظرة حول ما يتناوله من موضوعات، فكان للحوزة دورها العمودي في تناول الموضوع، فيما كان للجامعة دورها الأفقي.

ولكنّ مجرّد الجمع بين نوعين من الدراسة لا يمثّل عاملًا وحيدًا في تعميق نظرة الباحث أو سعة أفقه، ذلك أن «مسألة التجديد جزء مهم منها يتعلّق بشخصية الإنسان نفسه وما يمتلكه من موهبة، فهناك الكثير ممّن دمجوا بين الدراستين الحوزوية والنظامية ولم يفكّروا في مسألة التغيير»، كما يذكر الدكتور الفضلي في أحد حواراته().

ولأنّ الإنسان لا يمثّل نتاجًا مباشرًا لعامل واحد أو عاملين، يضيف الشيخ الفضلي إلى مسألة الاستعداد والقابلية الذاتية لدى الإنسان: البيئة التي ينشأ فيها الإنسان، وما لدى الإنسان من همّة واندفاع نحو تحقيق العديد من طموحاته وصقل مواهبه وتنميتها. وذلك في إجابته عن سؤال لسماحة الشيخ أحمد عبد الجبار السمين حول معرفة ما يساعد طالب الحوزة المبتدئ في بناء شخصيته العلمية والثقافية، إذ يقول فيها: «على الطالب الحوزوي الذي يريد أن يستكمل بناء شخصيته علميًّا كمتخرّج في الحوزة أستاذًا أو مبلّغًا أن يلمّ بالمواد المذكورة إلمامًا وافيًا عن طريق التعلّم الفردي أو القراءة الواعية المتأنية، ويضاف إلى ذلك الثقافة العامّة ودورها في بناء شخصية الطالب الحوزوي»(). فكما أن لاستيعاب المادّة الدراسية وهضمها دورًا في تكوين الذهنية العلمية للطالب، فإنّ للاطلاع والتثقيف الذاتي دورًا موازيًا في تنمية هذه الشخصية. ولذلك يعطي سماحة الشيخ (ره) دورًا مهمًّا للكتاب وللتثقيف الذاتي في تكوين شخصية الإنسان، وبخاصّة المرتبط بالإنتاج العلمي والثقافي. وهو الأمر الذي يمكن تلمّسه في سيرته الذاتية، ومنذ سنواته الأولى:

الارتباط المبكّر بالكتاب:

ارتبط الشيخ الفضلي بالقراءة والثقافة الذاتية منذ نعومة أظفاره، وذلك يظهر مع بواكير الجمع والتأليف عنده، إذ نعثر بين ما تركه من محبّرات على مجموعة خطّية بعنوان: «خمسون لغزًا ولغزًا»، يضع لها سماحته مقدّمة يقول فيها: «هذه مجموعة من الألغاز والأحاجي، كنت قد توفرتُ على جمعها عام 1365ﻫ الموافق لعام 1946م، أيام كنت طالبًا في المدرسة الابتدائية بالبصرة، ولوعًا بقراءة المجلاّت الميسّرة ومطالعة كتب الأدب والنوادر المبسّطة، لأرجع إليها بغية التسلية والترويح عن النفس». وإذا كان مولده سنة 1354ﻫ، فإن جمعه لهذه الألغاز والأحاجي لم يتجاوز سنه الحادية عشرة، وكانت ثمرة مطالعات لسنوات خلت، ما يشي بشغفه المبكّر للمطالعة والقراءة، ومعهما: الجمع والتوثيق. ولا يخفى ما لذلك من دور مهمّ تظهر ثماره لاحقًا.

وبعد الانتهاء من هذه المجموعة بعامين، يعمل على مجموعة أخرى بعنوان: «عشرة أبيات وبيت مشكلة الإعراب»، يضع لها مقدمة أيضًا، يقول فيها: «هذه أبيات انتقيتها من مجموعة من الأبيات المشكلات الإعراب، التي كنت قد توفرت على جمعها وشرحها عام 1367ﻫ، حينما كنت أدرس ‹شرح ألفية ابن مالك›، أطارح بها زملائي الطلبة في يومي الخميس والجمعة من كل أسبوع، عندما نلتقي للمذاكرة والمراجعة». ولنا أن نتصور كيف أن طالبًا في عمر الثالثة عشرة ينتهي من دراسة قطر الندى ويشرع في دراسة ألفية ابن مالك، وأثناء دراسته لها، لا يحصر اطّلاعه على ما يتلقّاه من دروس في شرحها، وإنما يوسّع أفقه بالاطلاع على ما يمكّنه من تعميق فهمه للدرس النحوي، ليظهر على صورة جمع لمجموعة من الألغاز النحوية، يجمع شتاتها في هذه المجموعة.

وعند التأمل في عنوان هاتين المجموعتين، يظهر تأثره بالكتاب الأثري ذي القيمة الأدبية في الثقافة العربية: «ألف ليلة وليلة»، ليضفي على اهتمامه العلمي تلك المسحة الأدبية التي وضعها في عنوانهما.

وهي المسحة الأدبية التي تتواصل مع أولى تدويناته في كتابة مذكراته، إذ بدأ في كتابة المذكرات اليومية منذ أن كان عمره 15 عامًا، في سنة 1369ﻫ، حيث افتتح أولى تلك المذكرات ببيتين ذيل بهما صورته:

هذه صورتي وهذا مثالي

سوف تبقى في عالم الأجيال

عندما أتركُ الحياةَ دفينًا

ويصيرُ العيانُ وَهْمَ خيالِ

وقد أثبت هذين البيتين على إحدى صوره لاحقًا عندما تقدمت به السنّ، في عقده الثلاثيني ربما أو العشريني.

التنوّع وسعة الطلاع منذ بواكير التكوّن:

تميّز الشيخ عبد الهادي الفضلي (ره) باطلاعه الواسع وقراءته للكتب الموسوعية، من قبيل: الأغاني للأصبهاني، والأعلام للزركلي، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي. فمما أتذكره من أحاديث مجلسه المبارك أنه تعرض ذات ليلة للحديث عن المستوى الاقتصادي المتدني الذي كان يعيشه طلبة العلوم الدينية في النجف أيام نشأته هناك وانتظامه في تلقي الدروس الحوزوية، وأثناء ذلك، ذكر أنه لم يكن باستطاعته منفردًا اقتناء كتابٍ ضخم، مثل كتاب الأغاني، ولذلك اشترك في شرائه مع تلكم الثلّة الطيبة التي نشأ بينها، بحيث يتقاسمون سعره فيما بينهم، ثم يتناوبون على قراءته الجزء تلو الآخر، إلى أن أتم كل واحد منهم قراءة أجزائه كاملة.

ومن الكتب التي كان يشيد دائمًا بأهميتها وبقيمتها العلمية والتاريخية: كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ومما أتذكره أنه في أحد أحاديثه الخاصّة، ذكر لنا أنه قرأه كاملًا ثلاث مرات، في كل مرة خرج من قراءته تلك ببحث من بحوثه التي نشرها عن نهج البلاغة، أتذكر من هذه البحوث الثلاثة: بحثه: «الأمثال في نهج البلاغة» الذي نشره أولًا في مجلة (رسالة الإسلام) الصادرة عن كلية أصول الدين ببغداد، ضمن العددين المزدوجين السابع والثامن من السنة الثانية، لشهر ذي القعدة 1388ﻫ الموافق لشهر فبراير 1968م، وقد صدرت في كتاب مستقل ضمن منشورات لجنة مؤلفات العلامة الفضلي سنة 1430ﻫ – 2009م. وبحثه الآخر: «البعثة في نهج البلاغة» الذي نشره في العددين التاليين من مجلة (رسالة الإسلام)، وهما العددان المزدوجان 9 و10 من السنة الثانية، 1388ﻫ – 1968م. وقد صدر لاحقًا ضمن سلسلة «مختارات إسلامية»، حاملًا الرقم (2) من السلسلة، وبعد ذلك بعقود صدر ضمن منشورات لجنة المؤلفات مع بحثه: «من البعثة إلى الدولة» في كتاب واحد، عن دار المحجة البيضاء ببيروت، سنة 1437ﻫ – 2016م.

ولم يرتبط تنوّع قراءاته بما يتعلّق بالشأن الديني وحسب، بل كانت اهتماماته الثقافية والعلمية متنوّعة، إذ يظهر تنوّع اهتمامه الأدبي في اختياراته الشعرية التي جمعها في كتاب، لا يزال مخطوطًا، بعنوان: «باقة شعر»، تتنوّع فيه القصائد بين القديم والحديث، وبين العمودي وشعر التفعيلة، كما أن هذه الباقة ضمت فيما ضمته قصائد لمجموعة من مجايليه ورفاق دربه، فضمّت قصائد للشاعر السيد مصطفى جمال الدين، وأخرى للسيد محمد حسين فضل الله، وثالثة للدكتور أحمد الوائلي، رحمهم الله جميعًا. وكان من بين ما حوته الباقة للسيد جمال الدين قصائد لم تنشر في ديوانه الصادر عن دار المؤرخ ببيروت، ما يعطي هذه الباقة قيمة أدبية وتاريخية مهمّة.

ويضاف إلى ذلك: تنوّع اهتماماته الفكرية، فقد ذكر في أكثر من إشارة في أحاديثه العامة والخاصّة في مجلسه أنه حرص، ومعه مجموعة من رفاق الدرب، على قراءة الفكر الإسلامي المعاصر، وبخاصّة الفكر الحركي منه، ومن ذلك ما كان ينشره أعلام مدرسة الإخوان المسلمين، ومعهم ما كانت تطرحه الحركات اليسارية والثورية في ذلك الوقت.

ومع تنوّع هذا الاهتمام، يظهر تعدّد المشارب العلمية عند مطالعة معظم ما نشره من دراسات، وكذلك ما وضعه من مقرّرات دراسية. وقد كان هذا ديدنه منذ بدايات ما سطرته يراعه المباركة، ففي أثناء حديثه في أحد الحوارات عن ظروف تأليف مقرّره الأوسع انتشارًا: «خلاصة المنطق»، يجيب عن سبب إضافته للبابين التاليين: «التحليل والتركيب» و«مناهج البحث العلمي» في كتابه الخلاصة، إذ يعدّان من الأبواب الحديثة في كتب المنطق، فيقول: «استفدتُ إضافة هذين البابين من كتب المنطق الحديثة، التي كانت تُدرَّس في ثانويات مصر والبلاد العربية الأخرى، وقد لجأتُ إلى كتب المنطق الحديثة لأنها تحاول أن تجمع ـ إلى حدٍّ ما ـ بين المنطق القديم والحديث، حيث تأخذ قدرًا بسيطًا من المنطق القديم، فتأخذ بمبادئ القياس والاستقراء وتطعّمها بالمصطلحات والأبواب الحديثة، مثل باب مناهج البحث العلمي. وقد حاولتُ أن أطعّم كتابي «خلاصة المنطق» بما هو سائد في الحوزة، ومما هو في كتب المنطق الحديثة، حيث استفدتُ من كتاب عفيفي: المنطق التوجيهي الذي كان يدرّس في ثانويات مصر»().

أثر هذا التنوّع على حركة الإنتاج العلمي

يظهر أثر هذا التنوّع العلمي والفكري والأدبي عند العلامة الفضلي على عطائه العلمي والثقافي المبكّر، ففي مرحلته النجفية صدرت له مجموعة من المقرّرات المنهجية، وهي: التربية الدينية، خلاصة المنطق، مبادئ أصول الفقه، مختصر النحو، مختصر الصرف (وقد صدر حينها باسم: موجز التصريف)، وإلى جانبها مجموعة من الإصدارات الفكرية التأسيسية، وهي: مشكلة الفقر، في انتظار الإمام، لماذا اليأس، حضارتنا في ميدان الصراع، الإسلام مبدأً. كما تناولت مجموعة ثالثة بعض المسائل التاريخية، وهما كتاباه: ثورة الحسين، ومن البعثة إلى الدولة. وإلى جانبها كتب بعضًا من الكتب الثقافية العامة، وهي: دليل النجف، الأوليات، المكتبة المتنقّلة. ولم تغنِ هذه الدراسات عن اهتمامه بالجانب التخصّصي، فكان من مؤلّفاته النجفية: المبدأ الأول في الفكر اليوناني، وهو بحث تخرّجه في مرحلة البكالوريوس بكلية الفقه بالنجف، ومعه بحثه الآخر حول شعر الدمستاني، ودراسته: أسماء الأفعال والأصوات، وهي أطروحته للماجستير من جامعة بغداد، وتحقيق رسالة: طريق استنباط الأحكام للمحقق الكركي، وتقريرات أبحاث السيد الخوئي.

كما أنه ساهم في الحركة الثقافية النجفية، وذلك انطلاقًا من مساهماته في النشر والتحرير في المجلات التالية: مجلة النجف التابعة لكلية الفقه، مجلة الثقافة الدينية الصادرة في كربلاء، الأضواء التابعة لجماعة العلماء بالنجف، الإيمان بالنجف، رسالة الإسلام ببغداد، البذرة الصادرة عن كلية الفقه أيضًا. ويضاف إلى ذلك مشاركته في السلسلات الثقافية النجفية، إذ صدرت له مجموعة من المؤلفات ضمن هذه السلسلات، وهي: مختارات إسلامية، من هدي النجف، بحوث إسلامية.

وقد كان له نوعٌ من الريادة واستحداث الكتابة في بعض الدراسات وربطها بالدرس الشرعي التقليدي، ومن ذلك ما يظهر في كتابه: نحو أدب إسلامي الذي تناول فيه موضوع الالتزام في الأدب، حيث كان يعد من الموضوعات المهمّة التي طرقها أصحاب الفكر الماركسي، وكتابه الإسلام مبدأً الذي تناول فيه أثر الدعوة الإسلامية على بعض الاستعمالات اللغوية، ومن أبرز المفردات التي كان للدعوة أثر بيّن في تغيّر معناها: مفردتي: (الدين) و(الإسلام)، مرجّحًا تعريفًا جديدًا للدين يختلف عمّا تطرحه العديد من المنظومات الفكرية المعاصرة في حينها.

من طقوس الكتابة عند العلَّامة الفضلي

اهتمامه بالتقميشات والكُنَّاشات

منذ بداياته، اهتمّ الشيخ الفضلي بعادة التقميش وجمع الكنّاشات والمذكّرات، وهذا ما ظهر مع أولى تجاربه في الجمع التأليف في مجموعتي: «خمسون لغزًا ولغزًا» و«عشرة أبيات وبيت مشكلة الإعراب»، وبعد ذلك فيما جمعه من أقوال ومعلومات خاصّة باللغة العربية، دوّنها في دفاتر وأوراق، تجاوزت عدّة النقول فيها ألف (1000) منقولة حول اللغة العربية وآدابها، غير أنّ تنقّلاته وهجراته من بلد إلى آخر، وما طرأ على كتيباته من الحدثان أضاع الكثير منها()، ولم يبقَ منها إلا القليل نشره في كتاب سمَّاه: «التذكرة في علوم اللغة العربية وآدابها، حوى 390 منقولة.

وقد أفاد من كناشاته وما قمّشه من ملاحظات في تأليف كتابه: فهرست الكتب النحوية المطبوعة، الذي «رجع في جمع مادته إلى الكثير من الكتب والدوريات، … وكتب التراجم والسير، وقوائم المكتبات العامة والخاصة، الثقافية والتجارية، والمجلات الثقافية والتجارية، والصحف اليومية وما إليها»(). وكذلك في كتابه الآخر: أعراف النحو في الشعر العربي، الذي جمع مادته «من كتب شروح متون النحوية وحواشيها وحواشي حواشيها، ومن المجاميع الشعرية، ومن الدوريات الأدبية، والصحف اليومية»().

الإفادة من المحاضرات

كما يفيد الشيخ الفضلي في بعض ما يصدر له من مؤلّفات وأبحاث من بعض المحاضرات التي يلقيها، حيث يحوّلها لاحقًا إلى دراسات ينشرها لاحقًا متى تسنّى له نشرها، كما هي الحال مع محاضرته التي ألقاها بعنوان: كربلاء في الشعر العربي، حيث حرّرها ونشرها تقديمًا لمعجم شعراء الحسين للشيخ جعفر الهلالي، ومحاضرته التي ألقاها في البحرين في الحفل التأبيني بمناسبة أربعين يومًا على رحيل المرجع الديني الشيخ محمد أمين زين الدين (ت 1419ﻫ)، حيث صدرت لاحقًا فصلًا أول من كتاب الشيخ محمد أمين زين الدين الدور الأدبي والجهاد الإصلاحي.

حسن التنظيم أثناء الكتابة

يحرص الشيخ الفضلي أثناء الكتابة على التنظيم والترتيب، فدائمًا ما يجعل كتابته بين خطّين يضعهما في كل ورقة يكتب فيها، وفي كثير من الأحيان يحرص على وضع الهوامش ووضع مقدمة توضيحية، وقد التزم هذه القواعد في معظم ما دوّنه، بما في ذلك دفاتر المحاضرات الجامعية، حيث يضع مقدمة يبيّن فيها أستاذ المادة، وطبيعتها، وسنة حضورها وفصلها الدراسي. وبعد ذلك يضع مجموعة من الهوامش التوضيحية التي يكتبها في الصفحات المقابلة، ما يجعل مجموعة من دفاتر هذه المحاضرات مناسبًا للنشر.

الأبحاث الجانبية

عمل الشيخ الفضلي خلال سنوات العطاء العلمي على مشروع محدّد، هو تحديث مناهج التعليم الشرعي، وقد وضع في ذلك ما يزيد على عشرين مقرّرًا دراسيًّا. ولكنه أثناء إعداده لتلكم المناهج يتناول إحدى الموضوعات التي يجد من المناسب أن تظهر على شكل كتاب مستقلّ، ومن ذلك: كتاباه التقليد والاجتهاد، اللذان صدرا عن مركز الغدير، حيث كانا في الأصل ضمن مقرّره الأصولي الذي كان يعدّه ليكون متسلسلًا في مستويات ثلاثة، يبدأ بكتابه: مبادئ أصول الفقه، ثم كتابه: الوسيط، وإلى جانب الوسيط يتناول موضوع الاجتهاد والتقليد، لكونهما ضمن موضوعات علم الأصول، وبعد ذلك ينتقل الطالب إلى مقرّره الأصولي الأوسع: دروس في أصول فقه الإمامية.

ومنها: كتابه الغناء، الذي كان إجابة عن سؤال توجهت به إليه إحدى الباحثات، وهكذا كتابه: بحث حول ولاية المرأة، الذي كان إجابة عن مجموعة من الأسئلة التي توجهت بها إليه الباحثة الكويتية خديجة عبد الهادي المحميد أثناء إعدادها لدراستها التي صدرت بعنوان: موقع المرأة في النظام السياسي الإسلامي، الصادر عن مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي ببيروت، سنة 2011م.

إخلاص النية

إن مستوى خلوص بعض الإعمال لله تعالى أمر لا يعلم حدوده ومستوياته إلا الله تعالى، ولكن كثيرًا من الأمور تُعرَف بآثارها، ومن تلك الآثار: ما يمكن تلمّسه أثناء الكتابة، إذ لا يظهر أي نوعٍ من الزهوّ بالذات أو التفاخر بالأعمال السابقة، مثلًا، بل إن الحاضر لمجلسه العامّ لا يجد أي ذكر من قبل الشيخ لأيٍّ من كتبه عندما يعالج بعض الأفكار، بل يعالج المسألة دون أن يشير إلى معالجته لها في بعض كتبه. وقد حضرتُ مجلسه في إحدى الأمسيات، وسأله أحدهم عن المسائل المتعلّقة بالبلاغة، وكان من بين الحاضرين سماحة الشيخ علي الفرج الذي كان قد صدر له كتاب منهجي في البلاغة، بعنوان: «تكوين البلاغة»، فذكر معالجة الشيخ الفرج للموضوع، ولم يُشر من قريب أو من بعيد إلى معالجته له في كتابه: «تلخيص البلاغة». وهذا ديدنه أمام كل سؤال يُتوجّه إليه، فلا تجد له أي إشارة إلى أي بحث من بحوثه أو كتاب من كتبه.

ولعلّ التزامه خاتمة واحدة في جميع مؤلّفاته يختتم بها مقدماته لها، وهي: «والله وليّ التوفيق، وهو الغاية»، إشارة بالغة إلى مستوى الخلوص لله تعالى في كل ما كتب وما حبّر.

رحم الله الله بواسع رحمته، وأجزل له العطاء والثواب الأخرويين، ورفعه عنده في أعلى عليين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى