أقلام

“المعدل التراكمي الحياتي” وقاعدة الاواني المستطرقة

د. علي القضيب

لأول مرة نسمع عنه عندما التحقنا بالجامعة فالكل ينام ويصحو على المعدل التراكمي (جي بي ايه) لان هذا المعدل هو الذي يحدد ما اذا كنت ستستمر في الجامعة ام لا. المعدل التراكمي هو عبارة عن معدل درجات المواد التي درستها. بخلاف درجة الاختبار التي كانت تعطى لكل مادة في المرحلة الثانوية. في الجامعة اداؤك في المادة يُقّيم بحرف ابجدي والحرف A+ يكافئ الدرجة الكبرى والحرف F يعني رسوب في المادة (أي يساوي صفرًا). وكل حرف يكافئ قيمة معينة (أو نطاقًا من قيم معينة)، لذا كي تحسب المعدل التراكمي لابد ان نحول هذه الحروف الى ارقام لكل المواد كلاً بحسب قيمته المقابلة وعدد الساعات المعينة لتلك المادة ويقسّٓم الناتج على عدد الساعات الكلي لكل المواد المسجلة. فالمعدل التراكمي يكاد يكون رقمًا مصيريًا ليس فقط مقتصرًا على الجامعة، ولكن أيضا ما بعد التخرج حيث ان الشركات تبحث عن الطلاب الحاصلين على معدلات تراكمية عالية، والتي من شأنها أن تعكس احتمالية عالية لمدى فهمه وانضباطه والتزمه في العمل.

الآن وبعد ان وفقت وحصلت على الوظيفة المريحة التي تلبي وتحقق طموحك يصبح المعدل التراكمي شيئًا من التاريخ في حياتك حيث انه مكّنك من عبور القنطرة الاولى في عالم المهنة، ولكن من الطبيعي ان استمرارك في الوظيفة يتطلب أمورًا أخرى واجتياز قناطر أخرى كمدى انضباطك وأدائك في العمل والتزامك به.

يا ترى بعد ذلك هل انتهت اذن فكرة المعدل التراكمي الأكاديمي من قاموس حياتك ام لا؟

الجواب نعم ولكن٠٠٠
تحتاج الى معدل تراكمي آخر للاستمرار في عطائك وتحقيق جودة الحياة. أسمي هذا النوع من المعدل التراكمي بـ “المعدل التراكمي لجامعة الحياة الكبرى”.

إذاً يا ترى كيف نحسب هذا المعدل الجديد والذي بدوره سيحقق لنا الرفاهية والرضا والسعادة في حياتنا؟

ببساطة بدلًا من مواد الجامعة الدراسية أصبحت الآن تدير مهامًا منوطة بك في هيئة مجلدات.

فهناك مجلد الاب الرحيم والزوج المتفهم وهناك مجلد الموظف المتفاني في عمله ًوأيضا مجلد الخدمات المجتمعية ولا نغفل كذلك مجلد حياتك الشخصية، وداخل كل من هذه المجلدات يوجد العديد من الملفات وقد تتخيل ان كل ملف من هذه الملفات شبيه بمواد الجامعة الدراسية
اذن كيف أستطيع ان احسب “المعدل التراكمي الحياتي” الان في وجود هذا العدد الكبير من المجلدات والملفات

في الجامعة كان التقييم مبنيًا على ادائك في المواد بينما الآن أصبح التقييم أكثر شمولية ويتحدد بالإجابة على الأسئلة التالية:

• ما نوعية ادائي في البيت كزوج وكأب / كأم؟
• ما هو تقييمي الذي حصلت عليه في العمل وما مقدار السعادة والرضا في وظيفتي؟
• ما ذا عن ارتباطي بالمجتمع وعلاقاتي العامة؟
• ما هو المجال والوقت المتاح لي شخصيا لتطوير ذاتي مع الحفاظ على اهتماماتي بصحتي؟

. اذا اصبح التقييم الان مبنيًا على الإجابة على أسئلة تنم عن معرفة وأسلوب وادب واخلاق و التزام و انضباط فهذا التقييم يُعتبر تحديًا كبيرًا. هنا يبدو حساب المعدل التراكمي الكمي مستحيلًا، ولكن بمقدورنا حساب المعدل التراكمي الكيفي لكي تحسب المعدل التراكمي الحياتي الكيفي نحتاج ان نتخيل ان هناك أربع اوانٍ موصلة ببعضها البعض (تعرف بالأواني المستطرقة). الاناء الأول يمثل مجلد الاسرة والاناء الثاني يمثل مجلد العمل والاناء الثالث يمثل مجلد المجتمع والعلاقات والاناء الرابع هو مجلد الحياة الشخصية والصحة النفسية.

هذه الاواني الأربعة (المجلدات الأربعة) قد أصبحت موصلة ببعضها البعض مما يتيح لنا حساب المعدل التراكمي الحياتي الكيفي مباشرة دون عناء؛ حيث ان علو المنسوب في احدى الاواني لا يعني بالضرورة ان معدلك التراكمي مرتفع لان الاواني الثلاثة الباقية ستشارك الاناء الأول بحسب لقاعدة الاواني المستطرقة التي تعلمناها في مادة الفيزياء. لذا المعدل التراكمي الحياتي المرتفع (السعادة والرضا) ينطوي على ارتفاع المنسوب في كل الآواني بما فيه منسوب الاسرة والعمل والمجتمع وذاتك انت.

لذا فان ارتفاع المنسوب في إناء ما (مجلد ما) لا يعني أنك قد حققت جودة الحياة لان جودة الحياة تكاملية يشترك فيها كثير من طرف. فلا تغفل أي جانب ولا ترتقي بتحقيق هدف على حساب الأهداف الاخرى
فانت لم تعد ذاك الرقم المميز فقط في نجاحك في عملك ولا يعد نجاحك في اسرتك او خدمتك لمجتمعك فقط الفيصل ولا يعد تحقيق رغباتك واهتماماتك الشخصية فقط هي التي تحدد سعادتك
ان المعدل التراكمي الحياتي الكيفي هو ذلك المعدل النوعي الذي يحظى بتحقيق جميع الأهداف المناطة بالأربعة مجلدات آنفة الذكر تمارس من خلالها عطائك وتجسيد ذاتك وتؤدي رسالتك في هذه الحياة. وتصور معي انه حتى اقامتك لصلاتك هي التي تتكفل يملئ اناء حياتك الشخصية ان اجدت تأديتها بخشوع وطمأنينة
بهذا المنظور الشامل لمسيرتنا في هذه الحياة ترتفع عندنا درجة الوعي والحدس الحاضر لتحويل الواجبات والمسؤوليات الى قِيمة نَوعّية تكفل لنا تحقيق معدل تراكمي حياتي مصيري أفضل.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى