أقلام

الحوار بين المثقفين العرب

طالب البقشي

يسلط هذا المقال الضوء على علاقة الحوار بين المثقفين العرب المختلفين في التوجه الفكري وتحول مسار الحوار الهادف إلى مواقف استعداء شخصي وتأثير ذلك على مستوى تطور الثقافة والمعرفة في الوسط الاجتماعي العربي.
والتساؤل للمهتمين بالشأن الثقافي: هل يوجد حوار هادف بين المثقفين العرب المختلفين في الفكر يبني ثقافة تراكمية؟
يشكل المثقفون في العالم العربي أطيافًا متعددة من التوجهات الفكرية بحسب القناعات المختلفة التي يعتقد بها كل مثقف، فمنهم من يعتقد بالفكر الإسلامي وآخر بالفكر الليبرالي أو العلماني، وكذلك الأمر بالنسبة لتعدد الاعتقاد بالمذاهب.
ويعد النموذج الوسطي في الاعتقاد والقناعة الفكرية الأمثل في الأطياف بأنواعها لما يتميز به من انفتاح على الأخر واعتدال في الطرح الثقافي، والقابلية للتحاور مبتعدًا عن الانغلاق على الذات أو الاعتقاد بأنه صاحب الفكر الصائب على الدوام.
وهذا النموذج له قبول اجتماعي واسع ويسهل الحوار معه لموقفه العقلاني بأن هناك مساحة من الأفكار يمكن أن تصحح من خلال الحوار الموضوعي.
وفي المجتمعات المدنية المتحضرة تتزايد الحوارات الثقافية ويشغل عقل المحاور المعلومة والرأي الأمثل، وليس تسقيط الطرف المقابل والاستخفاف به والتقليل من شأنه وكأن هدف الحوار شخص المتحاور وليس الموضوع المراد النقاش حوله.
وللإمام علي عليه السلام مقولة مشهورة ” من استقبل وجوه الآراء عرف مواقع الخطأ ” وقال ” اضربوا بعض الرأي ببعض يتولد منه الصواب ”
ويلاحظ على صعيد الحوار الثقافي العربي بين مثقفي الأطياف الفكرية المختلفة وجود علاقة ضعف في التواصل الثقافي وتدني مستوى الحوار الهادف بينهم وهم الشريحة التي يعد أنها تحمل مخزونًا واسعًا من الثقافة وتمارس دور ناشر الوعي، وقلما نجد حوار بين هؤلاء المثقفين منتج وفي الغالب متأزم ومؤدلج بحكم وموقف عدائي مسبق!!!
وهذا ما يثير التساؤل لماذا يغيب الحوار الثقافي الصحي بين المثقفين العرب؟
فهل أسباب ذلك ضعف الوعي بالهدف الرئيس من الحوار، الذي قصد منه بناء تقارب فكري في المواضيع محل الحوار وغياب قيمة ذلك في إنتاج ثقافة واسعة وسمة حضارية للمجتمع.
والكثير من المتحاورين يتأثر بالاندفاع العاطفي في طرح الأفكار، ويتحول الحوار من عرض الآراء إلى فرضها متجنبًا لمنطق العقل في تقبل رأي الأخر وإثراء اللقاء بتبادل الأفكار والمعلومات.
وحينما يكون غاية المتحاور الكبرى وتركيزه منصبًا على تحقيق انتصار فكره على الأخر وليس تبادل الآراء والأفكار فأن ذلك يتسبب في إضعاف التواصل بين المثقفين، ويؤثر بشكل مباشر في تحجيم مساحات تطور المعرفة في المجتمع العربي.
ومن المتعارف عليه في الوسط الثقافي أن احتكار الرأي بين المتحاورين ليس من أخلاقيات المثقف الواعي بل إن على من ينتسب لشريحة المثقفين أن يكون عقلائيًا متقبلًا للرأي الآخر مستقبلًا له، وفي ضوء ذلك نستشهد بمقولة الإمام الشافعي رحمه الله: «رأيي صَوابٌ يَحتَمِلُ الخَطأ، ورأيُ غَيري خَطأ يَحتَمِلُ الصَّوابَ».
فإذا كانت طبيعة الحوار السائد بين المثقفين المختلفين في التوجه الفكري تصادمي ومحوره التنقيص والازدراد والإقصاء والاستنقاص المجحف فهذا ما يحول الحوار إلي عداء شخصي فهل هذا الحوار يبني ثقافة تراكمية!!!
ومن خلال استعراض مشهد الحوار المعتل بين المثقف العربي والآخر فأن إيجاد مناخ صحي للحوار بين المثقفين ضرورة، ويمكن تحقيقه إذا وضع كل متحاور في ذهنه أن في دائرة السجال إما أن أتأثر بأفكارك أو تتأثر بأفكاري، أوكلا يحتفظ بقناعاته ونكتسب معارف جديده تنمي الثقافة في عقولنا.
وللحوار الصحي قيمة في فتح آفاق للمعرفة، وشحذ العقل على التفكير وتقليب الرأي ومراجعة القناعات العقلية، وهذا ما يميز المجتمع الحضاري فأن معدل السجال وتبادل المعارف الحوارية في أعلى معدلاته، وذلك يدفع لتوسع انواع المعارف وانتشار الثقافة.
لذلك فليكن حوار المثقف والأخر المختلف في الفكر مشروع بناء ثقافة تراكمية وإثراء معرفه وليس إقصاء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى