أقلام

العداوة والتطهير الجمعي

صالح المرهون

الألفة في المجتمع ونبذ العداوة والعنف أمر مطلوب بقوة من الدين، فيطلب الدين من المؤمن أن يكون أليفًا مع كل الأفراد في المجتمع إلا من عادى المجتمع وعادى الله، فنبذه واجب، فالأساس والمبدأ هو الألفة، إلا أن أفراد المجتمع ليسوا سواء، فتطلب الأمر أن نخرج عن هذا المبدأ في بعض الحالات، فالعداوة ليست خاطئة في كل الأحوال، فهي قد تكون واجبة، وقد تكون مباحة وقد تكون من عمل الشيطان، ولنتعرف أولًا على سبب حصول حالة العداوة، فالعداوة بين الناس تحصل عندما يكون كل إنسان أو مجموعة من البشر في حال يبغضه الآخر، فهذا الشخص إذا كان يحمل معتقدًا يخالف معتقدي الديني فإني قد أبغضه وأتعادى معه، أو إذا كان يمارس تجارة أو يمارس هواية تضر مصلحتي فإني قد أبغضه وأتعادى معه، وهكذا العداوة تحصل، فالعداوة قد تكون ناتجة من تضارب في المصالح الدنيوية، سواء كانت مادية أم معنوية، وقد تكون ناتجة من تعارض في التوجه العقائدي سواء كان توجهًا عامًا أو جزئيًا داخل المذهب أو خارجه، وقد تكون العداوة نزعة عدوانية، بمعنى حالة مرضية تتعلق بالتكوين الداخلي لذلك الإنسان، أي مريض ولاديًا، ومنهم من يصل إلى هذه المرحلة نتيجة الجنون الكامل أو الجزئي، أي أن يكون عقله ونفسه بحالة غير طبيعية، ومنهم من يفعل ذلك استنادًا إلى مصلحة أو عقيدة ما….
فأسباب العداوة إذاً كثيرة…
والمؤمن والإنسان السائر على الطريق الصحيح هو الذي يسير حالاته النفسية، ومنها العدائية تبعا لأسبابها الموضوعية المقبولة، ولهذا قلنا: أن العداوة منها ماهو من عمل الشيطان، ولكن ليس كلها كذلك، فالعداوة ليست سلوكًا خاطئًا في كل الأحوال، فما يقال ويبحث عنه:كيف أجعل من عدو لي صديقًا، أو شخصًا محايدًا، هذا الإجراء ليس ضروريًا القيام به، لأن هذا الإجراء في بعض الأحيان خاطئ فالعداوة واجبة لدفع ضرر المعادي عن المجتمع ومحاربته، أما إذا كانت العداوة لا علاقة لها بالدين، بل مسائل شخصية فهي سلوك خاطئ، وعلى هذه تحمل الرويات المحذرة والذامة للعداوة مثل: رأس الجهل معاداة الناس، إياك ومعاداة الرجال فإنها تورث المعرة وتبدي العورة،
عندما يكون الكره ظاهرة في المجتمع يمارسه الأكثر فهنا تكون المشكلة ليست فردية والتطهير المطلوب هو للمجتمع ككل، ففي مجتمعات الأرض هناك مجتمعات تعادي أخرى لأسباب مختلفة وبعضها معاداة لا بد منها وضرورية وذلك عند ما يكون المجتمع أو أغلب أفرادها ظالمًا لمجانع آخر، أو دولة يرضى معظم بظلم دولة أخرى والاعتداء عليها، فمعاداة هذا المجتمع واجبة، إلا أننا لم نقل الحقد على المجتمع، المعاداة ليست بالضرورة
حقدا، وإذا كان هناك حقد على مجتمع مامن مجتمع آخر فيجب أن يأخذ مسار الكره الشخصي نفسه الذي تعرضت له فيما سبق، وهناك معاداة وكره لا مبرر له وهذا حاصل أيضا في كثير من المجتمعات، ويهمنا هنا المجتمع الإسلامي، فمن المناسب جدا هنا التعرض لما هو حاصل الآن للمسلمين، فهم للأسف تعصبوا أكثر مما يجب لدينهم، في حين أن القرآن والدين يأمران بحب مطلق للدين وطاعة مطلقة له، ولكن ليس بفضاضة ورؤية سوداوية للأمور أو للغير، أي كره المذاهب الأخرى لذاتها عامل مسيطر على السواد الأعظم من المتمسكين بظاهرة الدين الآن، وهذا خطأ شنيع يخالف روح الدين، وليتذكروا سيد الشهداء، وكيف بكى على قتلته،أو ليتذكروا إن كانوا من غير المذهب،
الرسول الأعظم، وكيف كان ينظر أو يشعر تجاه من آذوه، فالنبي أو الإمام لم يفعل ذلك لذاته،والله لم يسبب هذا الفعل وينشره بين الناس لأن هؤلاء يستحقون درجة معينة بهذا الفعل أو غيره، بل لأن هذا الفعل هو رسالة يجب أن تصل إلى قلوب الناس وعقولهم حتى تؤثر بالاتجاه نفسه لديهم،
ولرفع العداوة هذه من النفس، نقول بتركيز: إن الخلق الرفيع، ونبذ الحقد من النفوس، والأناة كفيلة بإزالتها،
والمرمن قليل حقده، هذه الكلمة مروية عن الرسول الأعظم، وهي كلمة مهمة، ولهذا اقتصى الأمر التركيز عليها، فالمؤمن قليل حقده، لأنه لا ينظر إلى الأمور بمنظار شخصي حتى يحقد، وإنما ينظر إلى الأمور بمنظار عام وشامل، يكره العمل ولا يكره صاحبه،
والروية قالت: المؤمن قليل حقده، ولم تقل خال من الحقد، لأن الخلو من الحقد هي حلة مثالية،
اللهم طهر قلوبنا من الحقد والكراهية أنك سميع مجيب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى