أقلام

رهاب الرياضيات عند الأطفال يؤثر أيضًا في الاقتصاد

المترجم: عدنان أحمد الحاجي 

يعاني طفل من كل ثلاثة أطفال من رهاب الرياضيات ، وهو أكثر أنواع القلق(1) شيوعًا.  لا يؤدي الخوف من الرياضيات إلى تدهور مستوى الأداء والفاعلية والحد من مستوى الثقة بالنفس فحسب، بل يمكن أيضًا ملاحظة آثاره السلبية ماليًا في الأمد الطويل.  [المترجم: الثقة بالنفس هو ايمان المرء بنفسه وبقدراته].  نحن نتحدث هنا في مقابلة مع لازلو بيرنات László Bernáth ، برفسور في كلية التربية وعلم النفس في جامعة أتفوش لوراند  ELTE الهنغارية، عن كيف تطور هذا الرهاب، وكيف يمكن لأولياء الأمور والمعلمين التعامل معه والحد منه، وما علاقة الأوريغامي به [الأوريغامي هو فن طي الورق من اليابان].

س: كثير من الناس لا يحبون الرياضيات، ولكن متى يصل إلى حد القلق وكيف يؤثر في الأداء الدراسي؟

ج: إذا لم يكن الطالب جيدًا في إحدى المواد، فهذا لا يعني بالضرورة أنه يعاني من قلِق. من ناحية أخرى، عندما يسبب حل المسائل الرياضية شعورًا لدى الطفل بضغوط نفسية خطيرة ويسلم  ورقة الإجابة علي أسئلة الامتحان بسرعة وفيها الكثير من الأخطاء وهو يعاني من حالة إرباك أو قلق، فلابد أن يساور المرء شيء من الريبة.  من المهم أيضًا معرفة ما إذا كان الطفل يسلم ورقة اجابة على أسئلة الاختبار بعد 20 دقيقة من بدئه لا لشيء وإنما فقط لتجاوز شعوره بالضغط النفسي بأسرع وقت ممكن.  وهذا التصرف يؤدي على كل حال إلى حلقة مفرغة لأن الطفل يبدأ في تجنب المادة والعزوف عنها بسبب الضغط النفسي وبالتالي لا يكتسب المعرفة ولا ينجح في مقرارته الدراسية.  كل هذا، بالطبع، يؤدي إلى المزيد والمزيد من حالات الفشل، وتتدهور حالته بشكل كبير، ويستمر الأمر على هذا النحو.

تكمن المشكلة الرئيسة في أنه نظرًا لأن القلق يؤدي الى نسيان المعلومات التي تعلمها، فإنه يؤدي إلى تدهور الأداء في الامتحانات. بمعنى آخر، أداءً الطفل سيصبح ضعيفًا جدًا في المادة الدراسية المعينة مقارنة بقدراته الفكرية.

س: كم عدد الأطفال المتأثرين بهذه المشكلة؟ إلى أي مدى نحن بحاجة إلى أن نشغل بالنا بذلك؟

ج: اسمح لي أن أعطيك مثالا.  وفقًا لدراسة نشرت عام 2011، إذا قدمت مساعدة إلى أضعف الطلاب في مادة الرياضيات لتحقيق أدنى حد من متطلبات النجاح، فإن الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة سيزداد بنسبة 0.7٪.  وجدت دراسة أخرى أن مستويات مهارات الرياضيات [معرفة الأعداد والعد والعمليات الحسابية وغيرها] المنخفضة تكلف 2.4 مليار جنيه إسترليني سنويًا في المملكة المتحدة.  وبالتالي، يمكن أن يُعبر عنها من الناحية المالية.

نتيجة دراسة مزعجة أخرى بينت أن الضعف في مستوى المهارات الحسابية تمثل مشكلة في حياة الناس أكبرمشكلة الضعف في مهارات القراءة. رواتب أولئك الذين يعانون من ضغف في الرياضيات أقل، وغالبًا ما يشعرون بالتوعك، ثقتهم بأنفسهم أضعف، وما إلى ذلك.  من ناحية أخرى، يعتبر القلق السبب الرئيس وراء مشاكل الأمية الحسابية (أمية الرياضيات) .

علاوة على ذلك، تقييم PISA 2012(2) الذي يركز على الرياضيات استطلع – من بين أمور أخرى – القلق من الرياضيات بين الطلاب المشاركين البالغين من العمر 15 عامًا.  بناءً على ذلك، يعاني ما يقرب من ثلث الطلاب من القلق من الرياضيات.  أظهرت استطلاعات أخرى نتائج مماثلة بين الطلاب الأصغر والأكبر سناً على حدٍ سواء.

س: كيف ينشأ الخوف من الرياضيات عند الطلاب؟ ما هو دور أولياء الأمور في هذه المشكلة؟

ج: أولاً، قد تكون هناك أسباب وراثية وراء المشكلة.  وهذا يعني أن بعض الناس ببساطة هم أكثر عرضة للإصابة بالقلق من غيرهم. عنصرا الخوف من الرياضيات الآخران يتمثلان في أولياء الأمور والمعلمون ، وجميع هؤلاء يمثلون قدوة حسنة للأطفال.

إذا كان موقف / وجهة نظر ولي أمر الطفل سلبية تجاه الرياضيات، فسيشعر الطفل بذلك مباشرةً.

قبل بضع سنوات، أثبتت دراسة أيضًا أنه في حالة الطلاب في المرحلة الابتدائية، كان لوجهة نظر أولياء الأمور تأثير قوي في أداء أطفالهم عندما تساعد الأم أو يساعد الأب الطفل كثيرًا في عمل واجباته المدرسية.  ففي حالة المراهقين، ثبت أيضًا أن الموقف السلبي للأم يعتبر عاملًا مؤثرًا في قلق ابنتها من الرياضيات وكذلك يعتبر موقف الأب السلبي من الرياضيات عاملًا مؤثرًا في قلق ابنه.

س: هل يعني ذلك أنه من الأفضل لولي الأمر الذي لا يستطيع أن يخفي مشاعره أن لا يساعد طفله في مذاكرته دروسه؟

ج: من حسن حظ الطفل لو ساعده ولي امره [أمه أو أبوه]، ممَن ليس لديه موقف سلبي تجاه المادة الدراسية (الرياضيات، مثلًا)، طفله في مذاكرة دروسه. وإلَّا، نعم، عليه أن يحاول إخفاء مشاعره تجاه تلك المادة الدراسية عن طفله.  بالطبع ، سيكون الوضع أفضل كثيرًا لو لم يحتج إلى مساعدة من قبل ولي أمره في واجباته وذلك بعد أن تلقى ما يكفي من التعليم في المدرسة ليتمكن من أداء واجباته المدرسية بنفسه.

س: العنصر الثالث، إذن، هو بيئة المدرسة والمعلم.

ج: أُثبتت دور البيئة التعليمية بشكل جيد جدًا وذلك بعمل تجربة شملت ربات بيوت طُلب منهن حساب سعر الوحدة الواحدة [سواء أكانت وزنًا أو كيلًا أو غير ذلك] في السوبر ماركت. أجبن ربات البيوت على الأسئلة بصورة ارتجالية وبلا أي أخطاء.  في الجولة التالية، كُلفن بعمل نفس الحسابات، ولكن في بيئة مدرسية من كتاب رياضيات مدرسي . في تلك اللحظة، تباطأت اجاباتهن إلى حد كبير وارتكبن الكثير من الأخطاء. لذا فإن البيئة المدرسية في حد ذاتها خلقت شيئًا من القلق لديهن وتدهور أداؤهن مباشرةً.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن أيضًا اثبات تأثير القدوة هنا.  إذا كان المعلم أو المعلمة قلقًا / قلقةً، فإنه لا ينتبه إلى أسئلة الأطفال بل ويغضب عندما يطلب الطلاب منه مساعدة.  يمكن تفسير ذلك من خلال حقيقة أن المعلم يشعر بالقلق أيضًا وبدلاً من أن يقول: “لا أعرف، سأعطيكم الاجابة على تلك الأسئلة في الدرس القادم”، فبذلك التصرف يثبط نن عزيمة الطلاب على طرح ما لديهم من أسئلة.

اليوم، في عالم الإنترنت، على المعلم أن يلعب دورًا داعمًا للطلاب لا التصرف وكأنه مصدر للمعرفة.

لا غرابة لو أستخدم هؤلاء المعلمون أساليب تعليم تقليدية جدًا واعتبروا الطلاب غير قادرين على العمل لوحدهم.  ولا عجب ، نتيجةً لمثل هذه التصرفات لو بدأ الطلاب بالقلق والرهاب من المادة.

س: لكن لماذا الرياضيات؟ لماذا هي مادة بارزة جدًا بين جميع المواد؟

ج: من الأمور المتأصلة في الرياضيات أنه لا بد أن تنطوي عادةً على تمارين حل مسائل، ويتوقع المعلمون من الطلاب أن يتوصلوا إلى أجوبة صحيحة، لكن لا يساعدونهم إلَّا قليلًا على ذلك.  لكن حين لا يستطيع الطالب في نهاية مسألة طرح طويلة في أن يأتي بالجواب النهائي الصحيح – لو كان هناك على سبيل المثال خطأ ولو بسيط – فإن المعلم يأخذ في الاعتبار الجواب الأخير فقط لا خطوات حل الطالب.  هذا التصرف من جانب المعلم سيؤدي إلى تأزيم موقف الطلاب من الرياضيات ورهابهم منها.

في دراسة استقصائية قديمة لكنها ذات صلة، راقب الباحثون أكثر من أربعمائة درس في الرياضيات، ونادرًا ما وجدوا معلمًا يشرح فوائد هذه المعرفة في الحياة الواقعية.  تبدو مادة الرياضيات مملة وغريبة جدًا على الأطفال، لكن لا يمكن العيش بدونها اليوم.  نحن بحاجة إليها في كل شيئ في حياتنا من المعاملات البنكية إلى عمليات البيع والشراء، وما إلى ذلك.

كيف يمكن الوقاية من هذا القلق أو استئصاله؟

ج:تجربة خاصة لتطوير مهارات الرياضات استمرت ثمانية أسابيع، كشفت أنه يمكن خفض مستوى القلق وتحسين الأداء وذلك بممارسة الرياضيات بأمثلة مرحة ومثيرة للاهتمام مأخوذة من الحياة اليومية. فلو مورست كل هذه التمرينات أثناء الصف المدرسي، فلن تكون هناك حاجة لتلك التجارب الخاصة.

بالإضافة إلى ذلك، هناك أيضًا وسائل بسيطة لخفض مستوى القلق عند الأطفال.  يُطلب منهم تدوين مشاعرهم السلبية قبل دخولهم الامتحان النهائي، وبالتالي لن يكونوا مشغولين ذهنيًا بها أثناء الامتحان.

إذا أردنا أن نحقق تغييرًا جوهريًا، فنحن بحاجة إلى العمل على مستوى تدريب المعلمين.  علينا أن نسعى جاهدين لتدريب المعلمين المنفتحين الذين تعلو محياهم الابتسامة ولا يعانون من القلق بعد تخرجهم من الجامعة.  لابد أن يرى الطالب، في الغالب ، مثل هذه النماذج الإيجابية التي نريدها أن تكون فدوة له.

العناصر المعرفية / الادراكية والوجدانية لمجموعة أبحاث التعلم الفعال ، التي تشرف عليها أنت، استكشفت العلاقة بين تطوير القدرة على حل المسائل الرياضية والقدرة المكانية(4).  ما هي الإنجازات التي حققتموها حتى الآن؟

ج: لقد عرفنا منذ فترة طويلة أن هناك تلازم وثيق بين القدرات المكانية والرياضية.  بالفعل في الدماغ ، نفس المناطق تنشط عند الحاجة إلى حل مسألة مكانية أو رياضية.

في الحديث عن تطوير هذه القدرات / المهارات، يجدر بنا التفكير في لعب الأطفال. من الناحية التقليدية، يلعب الأولاد بألعاب الليغو ومكعبات البناء والتي تعمل على تحسين مهاراتهم المكانية بشكل جيد، بينما تلعب الفتيات بالدمى والرسم، وهي ألعاب لا تحسن من مهارتهن المكانية كثيرًا.  لذا، فلا غرو أن يظهر الخوف من الرياضيات لدى الفتيات في سن أصغر من الفتيان. بالطبع، تلعب الصور / القوالب النمطية(5) وحقيقة أن الفتيات هن أكثر حساسية تلعب دورًا رئيسيًا في هذا أيضًا.

في تجربتنا، قدمنا أنشطة تطويرية للفتيات في الصفين الخامس والسادس ممن يعانين من صعوبات التعلم.  تضمنت هذه الأنشطة الأوريغامي وطي الأجسام ثلاثية الأبعاد، وشك الخرز في الخيط، وهذا يساعدهن على استيعاب مفهوم التسلسل. بالطبع، تمت كل هذه الأنشطة بطريقة مرحة، فبدلاً من صنع أشكال رباعية السطوح بسيطة، قام الأطفال بصنع حيوانات من ورق بإمكانهم زخرفتها أيضًا.  في نهاية التجربة، وجدنا أنه بعد عشرة أسابيع، تحسنت القدرة المكانية عند الأطفال بشكل ملحوظ، وحلوا مسائل الرياضيات بمهارة أكثر، وانخفض مستوى القلق لديهم.

مصادر من خارج النص

1- “القلق هو حالة نفسية وفسيولوجية تتركب من تضافر عناصر معرفية / ادركية وجسدية وسلوكية.  لخلق شعور غير سار يرتبط عادة بعدم الارتياح والخوف أو التردد.  غالباً ما يكون القلق مصحوباً بسلوكيات تعكس حالة من التوتر وعدم الارتياح مثل الحركة بخطوات ثابتة ذهاباً وإياباً، أو أعراض جسدية، أو اجترار.  القلق هو شعور غير سار مصحوب بخوف وجزع من أحداث متوقعة، مثل الخوف من الموت، حيث يشعر القلِق بالخوف والهلع عندما يفكر في الموت.  تشمل أعراض القلق المرضية مجموعة من الأعراض النفسية مثل الرهاب والذعر والقلق العام والوسواس القهري”  مقتبس ببعض التصرف من نص ورد على هذا العنوان:

https://ar.wikipedia.org/wiki/قلق

2-  https://ar.wikipedia.org/wiki/البرنامج_الدولي_لتقييم_الطلبة

3- “القدرة المكانية أو القدرة المكانية المرئية، هي القدرة على استيعاب وتفسير وتذكر العلاقات المكانية فيما بين الأجسام والحيز.  تُستخدم القدرات المرئية المكانية في الملاحة وفهم أو تقدير المسافة والقياسات والأداء الوظيفي.  تُعتبر القدرات المكانية مهمة أيضًا للنجاح في حقول أخرى مثل الرياضيات والعلوم والهندسة  والاقتصاد والأرصاد الجوية.”   مقتبس بتصرف من نص ورد على هذا العنوان:

https://ar.wikipedia.org/wiki/قدرة_مكانية

4-
https://ar.wikipedia.org/wiki/قدرة_مكانية

5- “الصورة النمطية أو القالب النمطي (وأحيانا تستخدم النمطية) تعني الحكم الصادر لوجود فكرة مسبقة في شيوع فكرة معنية عن فئة معينة، فيقوم المدعي بإلباسها صفة العمومية أو فكرة مسبقة تلقي صفات معينة على كل أفراد طبقة أو مجموعة.واشتق منهما فعل فقيل التنميط والقولبة.” مقتبس ببعض التصرف من نص ورد على هذا العنوان:

https://ar.wikipedia.org/wiki/صورة_نمطية

المصدر الرئيس

https://www.elte.hu/en/content/math-phobia-also-affects-the-economy.t.2327

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى