بشائر المعرفة

قضايا مهمة في المكملات

غسان بوخمسين

تعد قضية تناول المكملات الغذائية مثل الفيتامينات والمعادن والأعشاب والمستخلصات العضوية، من القضايا الصحية التي يكثر تداولها ونقاشها بين الناس في المجالس، حتى لا يكاد يمر عليّ اجتماع مع الأهل والأصحاب إلا يواجهني سؤال أو أكثر عن مكمل ما، لذلك سأحاول طرح بعض النقاط المتعلقة بالموضوع أجد فيها فائدة ومنفعة:

١/ مصطلح supplement بحد ذاته، وترجمته باللغة العربية مكمل أو ملحق، أجده مخاتلًا وقد يكون سببًا للبس والخلط، فهو يعني أنه ثمة نقص حاصل في الغذاء، والمكمل يسد ويكمل هذا النقص والخلل، ولكن في الحقيقة ينبغي في الغذاء الذي نتناوله أن يكون كاملًا ومتوازنًا محتويًا على كافة العناصر ولا حاجة لأي مكمل خارج هذا الغذاء المتكامل والمتوازن، فلم يكن يعرف أسلافنا هذه المكملات وقد عاشوا بصحة وافرة ولم يحتاجوا إليها.
لذلك يمكن القول إن الشخص السليم صحيح الجسم الذي يتناول غذاء صحي ومتكامل ولا يعاني من أي مشاكل مرضية من هضمية واستقلابية لا حاجة أن يلجأ للمكملات، إلا في حالات خاصة نادرة وهي حالات فسيولوجية وليست مرضية مثل (الحمل) .

٢/ قد يحتج أحدهم، بالقول، إن الغذاء الذي نتناوله حاليًا من فواكه وخضروات ولحوم وغيرها هذا ليس كالسابق، فبسبب الزراعة الحديثة والاستنزاف الشديد للتربة، لم تعد التربة غنية بالمغذيات، مما أدى لضعف المحتوى للفواكه والخضروات من المغذيات المختلفة من معادن وفيتامينات ومغذيات حيوية كبرى وصغرى. كذلك الغذاء المصنع الذي أصبح جزءًا من غذائنا، قد فقد الكثير من المغذيات الطبيعية خلال مراحل التصنيع والمعالجة، وبطبيعة الحال، كلما تعددت مراحل المعالجة للأغذية المصنعة تلاشت المغذيات الطبيعية، لذلك ينبغي أخذ هذه الناحية بالنظر والاعتبار، في قبول لجوء البعض للمكملات، بدعوى ضعف المحتوى التغذوي في طعامنا الشائع بيننا للعناصر الغذائية الضرورية.

٣/ المكملات الغذائية، هي عبارة عن طيف واسع من المركبات من الفيتامينات والأعشاب والمعادن والأحماض الامينية والأحماض الدهنية والزيوت وغيرها من المركبات العديدة الفعالة حيويًا، وهذا التنوع الواسع يسبب حيرة ولغطاً بين المختصين والمستهلكين على حد سواء، من ناحية فوائدها وتأثيرها ومضارها وتداخلاتها فيما بينها، فالمعلومات المتداولة في معظمها لا تقوم على مستند علمي أو دراسات علمية موثوقة، لذلك نجد أغلب الدعاوى الرائجة غير مثبتة علمياً unproven claims لذلك ينبغي من المستهلك التحلي بالوعي الكافي حين اختياره المكمل الغذائي المطلوب.

٤/ سوق المكملات الغذائية سوق فوضوي وغير محكوم بنظام صارم مثل سوق الأدوية، فمنذ مرحلة تسجيل المكمل الغذائي تكون المتطلبات من الجهات الرسمية سهلة وبسيطة جدًا ولا تشترط وجود دراسات تثبت فعالية وأمان المنتج، بل مجرد أوراق رسمية عادية سهلة، لذلك قد تحصل حالات من الغش، إضافة إلى ضعف الرقابة على جودة التصنيع في سوق المكملات مما يسبب الكثير من المشاكل للمستهلك ، وكثيرًا ما نسمع قصصًا مقلقة في هذا المجال. هذه المشاكل المتعددة، تضع العبء بكامله على عاتق المستهلك، في القيام بمهمة التأكد من جودة المنتج من المصدر الذي يضمن له سلامته وفعاليته. تهتم الشركات المحترمة والموثوقة بتزويد منتجها بشهادة تثبت خلوه من الملوثات والمواد الضارة، عن طريق مختبر محايد ذي موثوقية عالية كطرف ثالث ضامن لجودة المنتج، ولكن هذا لا يقوم به إلا القليل من الشركات، لأنه يسبب رفع تكلفة المنتج أضعافا مضاعفة.

٥/ من المشاكل التي أواجهها كمختص ومهتم بالتوعية الصحية في المكملات الغذائية التي أحاول جاهدًا على تصحيحها، هي الاعتقاد الشائع بين معظم الناس، أن المكملات مواد طبيعية وغير مصنعة من أعشاب ونبات وحيوانات، إذن فهي آمنة للغاية، وإن لم تنفع وتؤدي عملها فلن تضر، وهذا خطأ كبير جداً، فالمكملات الغذائية كلها، مواد فعالة حيويًا وإن كان كثير منها آمن بدرجة عالية، ولكن كثير منها كذلك خطير على الصحة، خصوصًا في الجرعات العالية. إضافةً إلى ذلك، توجد مشكلة ضعف جودة التصنيع للمكملات وتعرضها لكافة الملوثات خلال التصنيع والحفظ والتخزين نتيجة ضعف الرقابة.
كما لا يجب إغفال الحالة الصحية للشخص المتناول لتلك المكملات، فعمر الشخص الذي يتناول المكملات وصحته مهمة ولا سيما صحة الجهاز والهضمي والكبد والكلى والنظام الإنزيمي والاستقلابي للإنسان، فكل هذه الأنظمة لها دخل كبير جدًا في فعالية المكملات وسلامتها، ولكن هذا الموضوع مغفول عنه للأسف.

٦/ ثمة أمر مهم يجري أجده لا يلقى حقه من الاهتمام للأسف، وهو التعارض بين المكملات interaction، أي أن بعضها يؤثر على الآخر سلبًا أو إيجابًا، وكثير من الأحيان يكون بالسلب، وسأورد أمثلة قليلة حتى لا أطيل، مكمل الحديد يتعارض مع مكمل الكالسيوم. لذا ينبغي التفريق بينهما بساعتين على الأقل، والنحاس والزنك كذلك وغيره كثير من الأمثلة، لذلك مكملات multivitamins with minerals تقع في هذه المشكلة، فما الذي يضمن امتصاص جميع العناصر المتعددة الموجود في حبة مكمل الفيتامينات المتعددة مع المعادن على الشكل المطلوب، فقد تمر عبر السبيل الهضمي دون امتصاص، أو أن تطرح في البول دون أن يستفيد منها الجسم، حتى قال أحد الظرفاء: الأميركان يمتلكون أغلى بول في العالم! نتيجة هوسهم بتناول المكملات من فيتامينات وغيرها، وهي تذهب هدرًا في البول دون أن يستفيد منها الجسم.

٧/ قد يتوافر المكمل الغذائي الواحد بأملاح وصيغ صيدلانية مختلفة، لكل منها درجة محددة في الامتصاص والتوافر الحيوي، بل وحتى التأثير الفسيولوجي المطلوب، وتفاصيل أخرى كثيرة تعطي تفاضلًا وتفريقًا بين الصيغ المختلفة لنفس المكمل، لذلك ينبغي الانتباه لهذه الجهة واختيار المكمل الغذائي بالصيغة المناسبة الذي يعطي أفضل نتيجة ممكنة، وهذا يتطلب من المستهلك الوعي والثقافة الصحية الكافية لمعرفة هذه القضايا.

خلاصة الكلام:
المكملات الغذائية متوفرة بكثرة وبنوعيات متعددة، ولها حاجة طبية في حالات معينة، مثل حالات أمراض الجهاز الهضمي، أو الأمراض الوراثية الاستقلابية أو الحمل أو الفشل الكلوي وبعض الأمراض المزمنة  أو عمليات السمنة، وكل هذا يجب أن يكون تحت إشراف طبي.

بإمكان أي شخص أن يتناول ما يشاء من المكملات الغذائية إن أحب ذلك، ولكن شريطة استشارة الطبيب والتأكد من جودة المنتج الذي يريد استهلاكه، وخير ما أختم به هو قول الرازي في كتابه الحاوي في الطب (إذا استطعت أن تعالج بدواء منفرد فلا تعالج بدواء مركب، وإذا استطعت أن تعالج بالأغذية فلا تعالج بالأدوية)
فلنحاول جميعًا الاعتماد على الغذاء الطبيعي والمتوازن في حصولنا على المغذيات المطلوبة لصحة الجسم بدل المكملات المصنعة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى