أقلام

لقاح نفسي ضد المعلومات المضللة

المترجم: عدنان أحمد الحاجي
بقلم: ديزي يوهاس

وجد باحث في علم النفس الاجتماعي أن تثقيف الناس بحيل أساليب التلاعب بمشاعر الناس يمكن أن يحصنهم ضد المعلومات المضللة 

يبدو أن لا مفر من المعلومات المضللة(1). في الصيف الماضي، أثبت استطلاع أجراه معهد بوينتر Poynter لدراسات الوسائط الإعلامية غير الربحية أن 62 في المائة من الناس يلاحظون بانتظام معلومات زائفة أو مضللة على الإنترنت.  وفي استطلاع عام 2019، اعترف تسعة من كل عشرة أنهم ممن انطلت عليهم أخبار زائفة(2).  الباحث في علم النفس الاجتماعي ساندر ڤان دير ليندن Sander van der Linden من جامعة كامبريدج درس كيف ولماذا يتبادل الناس معلومات مضللة وكيف يمكن إيقافها أو الحد منها.  تحدث معه محرر موقع Mind Matters ديسي يوهاس Daisy Yuhas لمناقشة عملية التحصين ضد المعلومات المضللة وكتابه الجديد: الحصانة ضد المعلومات المضللة: لماذا تؤثر المعلومات المضللة في عقولنا وكيف نقوي مناعتنا ضدها(3)، والذي يطرح حلولًا مدعومة بالأبحاث لوقف هذا الانتشار الواسع للمعلومات المضللة.

[فيما يلي نسخة منقحة من المقابلة مع المؤلف.]
في كتابكم: الحصانة ضد المعلومات المضللة، استعرت مصطلحًا مماثلًا من الحقل الطبي، بحجة أن المعلومات المضللة تؤثر إلى حد كبير كما يؤثر الفيروس. كيف توصلت إلى هذه المقارنة؟

كنت أتصفح الدوريات ووجدت نماذج من علم الأوبئة والصحة العامة تُستخدم لفهم كيف تنتشر المعلومات.  على غرار انتشار الفيروسات، هناك انتشار لمعلومات ممرضة.  يشاركك أحد الأشخاص معلومة ما، ثم تشاركها بدورك آخرين.  

قادني ذلك إلى التساؤل: إذا كانت فكرة انتشار المعلومات المضللة كفكرة انتشار الفيروس فكرة صحيحة ، فهل بإمكاننا تحصين الناس ضدها ؟ صادفت دراسة(4) من ستينيات القرن الماضي نشرها بيل ماكغواير Bill McGuire، باحث علم النفس الذي درس كيف يمكن للناس حماية أنفسهم من “غسيل الدماغ”. كان لديه فكرة مشابهة جدًا.  أدت هذه الصدفة إلى كل هذا البرنامج البحثي الذي أقوم به.

كيف نصاب “بالعدوى”؟
يهاجمنا الفيروس مستغلًا نقاط ضعف خلايانا واختطاف بعض آلياتها. [المترجم: الآليات الخلوية cellular machinery هي العناصر الفيزيائية والكيميائية للخلية التي تعمل معًا لتقوم الخلية بوظائفها الفسيولوجية المختلفة(5)].  نفس الفكرة تنطبق على العقل من نواح كثيرة.  هناك بعض التحيزات المعرفية التي يمكن أن تستغلها المعلومات المضللة.  المعلومات المضللة تصيب ذاكرتنا وتؤثر في القرارات التي نتخذها.

أحد الأمثلة على ذلك هو تحيز وهم الحقيقة(6).  هذه الفكرة تقول بأن مجرد سماعك عن أحد الأشياء بشكل متكرر – حتى لو كنت تعلم أنها معلومة خاطئة – من شأن ذلك أن يجعله يبدو صحيحًا.  هذه الاقترانات التلقائية المكتسبة هي جزء لا يتجزأ من الطريقة التي يعمل بها الدماغ.

في بحثك توسعت في الاستعارة المجازية للفيروس لتقول إنه يمكننا تحصين أنفسنا ضد المعلومات المضللة باستغلال تقنية سميتها “التصدي للمعلومات المضللة واجهاضها في مهدها وذلك بتحذير الناس منها قبل انتشارها prebunking”. كيف تجري هذه العملية؟
تتألف هذه العملية من جزأين.  الأول هو التحذير المسبق، والذي يستحث جهاز المناعة النفسي الخامد في معظم الأوقات. نحذر الناس من أن أحد الأشخاص قد يرغب في التأثير فيهم واستغلالهم، وهذا من شأنه أن  يزيد من شكهم فيه ويرفع من وعيهم.

الجزء الثاني من هذه العملية مماثل لتلقيح الناس بجرعة ضعيفة من الفيروس. على سبيل المثال، في بعض الحالات، تحصل على جرعة بسيطة من المعلومات المضللة ونصائح بشأن كيف يمكنك دحضها.  هذا قد يساعد الناس على أن يكونوا أكثر مقاومة ضد المعلومات المضللة.

بالإضافة إلى ذلك، وجدنا أن هناك طرقًا عامة تستخدم للتعامل مع انتشار المعلومات المضللة في الكثير من البيئات المختلفة.  في دراستنا، وجدنا أنه إذا كان بالإمكان مساعدة الناس على اكتشاف تلك الأساليب العامة، فسنتمكن من تحصينهم ضد طائفة واسعة من المعلومات المضللة(7).  على سبيل المثال، في إحدى الدراسات، لعب الناس [لعبة أخبار سيئة(8)] لمساعدتهم على فهم التكتيكات المستخدمة لنشر الأخبار الزائفة.  أدى ذلك إلى تحسين قدرتهم على اكتشاف طائفة واسعة من المعلومات غير الموثوقة بنسبة 20 إلى 25 بالمائة تقريبًا.

لذا ساعدت الناس على التعرف على المعلومات المضللة الواردة ومقاومتها بتنبيههم بشكل عام بالأساليب التي يستخدمها البعض لتضليل الآخرين واستغلالهم. هل بإمكانك أن توضح ذلك بمثال؟

بالتأكيد.  أعددنا سلسلة من مقاطع فيديو على اليوتيوب بالشراكة مع قوقل Google لزيادة وعي الناس بأساليب التلاعب والاستغلال.  الأول عن المغالطة الثنائية الزائفة [سياسة “إما أبيض أو أسود”(9)] أو المعضلة الزائفة [سياسة “إما معي أو ضدي”(10)]. هذا الأسلوب هو من أساليب التضليل الشائعة وقد نبهنا إليه شركاؤنا في Google لأنه مستخدم بكثرة في العديد من مقاطع الفيديو الداعية إلى التطرف / الراديكالية(11).
 
مقطع فيديو عن مغالطة الثنائية الزائفة أو المعضلة الزائفة:  
‏https://youtu.be/gDfQHWQwJ8Q
 
في مغالطة الثنائية الزائفة، أحد الأشخاص يدفعك بشكل مغلوط أن تختار خيارًا واحدًا فقط من بين خيارين . لذلك من الأمثلة على ذلك “إما أنك لست مسلمًا جيدًا، أو عليك الانضمام إلى الجماعة المتطرفة الفلانية”. السياسيون يستخدمون هذا الأسلوب أيضًا.  في السياق السياسي للولايات المتحدة، قد يكون المثال التالي مثالًا واضحًا عنها: “علينا أن نحل مشكلة التشرد في سان فرانسيسكو قبل أن نتكلم في مسألة المهاجرين.”

في بحثنا، عرّضنا أشخاصًا لهذا المفهوم باستخدام مقاطع فيديو تشرح مغالطات الثنائية الزائفة في سيناريوهات غير سياسية.  استخدمنا الثقافة الشعبية (الفلكلور الشعبي(12)) مثل مسلسل فاميلي غاي Family Guy وأفلام حرب النجوم Star Wars. لقد أحب الناس هذه الثقافة، وقد ثبت أنها وسيلة جيدة جدًا.
لذا في مقطع الفيديو الثاني عن المغالطة الثنائية الزائفة الذي طرحناه، ترى مشهدًا من فيلم حرب النجوم وفيلم حرب النجوم الجزء الثالث – انتقام السيث Revenge of the Sith ، حيث يقول آناكلين سكايولكر Anakin Skywalker [شخصية رجل في الفيلم] لـ أوبي – وان كينوبي Obi-Wan Kenobi[شخصية أخرى في الفيلم(13)]، “إذا لم تكن معي، فأنت عدوي،” الذي أجاب عليه أوبي وان، ” السيث يتعامل فقط مع الأمور المطلقة.” ينتهي الفيديو ببيان أن آناكين Anakin قد استخدم للتو مغالطة الثنائية الزائفة.

بعد مشاهدة الناس لمقطع فيديو كهذا، لو عُرض عليهم خياران فقط في المرة التالية، فسيدركون بسرعة أن هناك شخصًا يحاول التلاعب للتأثير فيهم واستغلاهم.
في أغسطس الماضي، نشرت نتائج دراسة(14) أجريت على أكثر من 20 ألف شخص كانوا يشاهدون مقاطع فيديو، والتي استدعت أساليب تضليلية مثل المعضلة الكاذبة [إما معي أو ضدي(10)] ، والتضحية بكبش فداء(15) والتلاعب بالمشاعر. ماذا تعلمت؟

ما وجدناه هو أنه باستخدام مقاطع الفيديو هذه، أصبح الناس أكثر قدرة على التعرف على المعلومات المضللة التي عرضناها عليهم لاحقًا سواء في المختبر أم على وسائل التواصل الاجتماعي.  أدرجنا اختبارًا مباشرًا على منصة اليوتيوب YouTube.  في هذا الإعداد، لم يُتحكم في بيئة الاختبار وتُركت كما هي في الواقع، وكان الحضور مشتتي الانتباه، لذا يُعتبر هذا الاختبار اختبارًا صارمًا.
كانت مقاطع الفيديو هذه جزءً من حملة إعلانية تديرها شركة قوقل Google وحصدت ملايين المشاهدات.  

نشرت قوقل الآن مقاطع الفيديو بناءً على هذا البحث والتي تستهدف المعلومات المضللة عن أوكرانيا واللاجئين الأوكرانيين في أوروبا.  هذه الفيدوات تساعد الناس تحديدًا على اكتشاف أسلوب التضحية بكبش فداء(15).

لقد أشرت في كتابك إلى أن العديد من الناس الذين يعتقدون أنهم محصنون ضد المعلومات المضللة ليسوا بالفعل كذلك.  على سبيل المثال، في أحد الاستطلاعات، اعتقد ما يقرب من 50 بالمائة من المشاركين في الاستطلاع أنهم يستطيعون اكتشاف الأخبار الزائفة، لكن في الواقع من نجح في ذلك كان فقط 4 بالمائة منهم(16).  حتى “المواطنين الذين نشأوا تحت تأثير الإنترنت وتقنيات المعلومات الحديثة الأخرى الواسعة الانتشار  [يطلق عليهم “المواطنون الرقميون digital natives ]” يمكن أن ينطلي عليهم المحتوى الزائف.  هل يمكن أن يحدث هذا لأي شخص؟

الكثير من الناس يعتقدون أنهم محصنون. لكن هناك مبادئ أساسية تجعلنا كلنا معرضين.  على سبيل المثال، هناك مغالطة تطورية مهمة جدًا تسمى التحيز إلى تصديق كل شيء truth bias [المترجم: قد نسمي هذا التحيز بـ “التحيز إلى حسن الظن.” وهو نزعة الناس إلى تصديق الآخرين حتى مع عدم وجود دليل على صدقهم.  تزداد هذه الثقة وتصديق الادعاء كلما زاد المدعي قربًا، كالزوج أو الأبناء، من الشخص.  ومن شأن هذا أن يخفض من التوتر في العلاقات والرفع من كفاءتها، لكن هذا قد يعطي الكذابين ميزة في تمرير ادعائتهم الكاذبة استغلالًا لما اعتاد عليه الناس في تصديقهم ما يسمعون أو يقرآون أو يشاهدون(17)].  في معظم البيئات، لا يُضلل الناس بشكل مباشر، لذا فإن الحالة الطبيعية هو قبول الناس أن ما يقال لهم صحيح.  فإذا شكَّ المرء في كل شيء فلن يتمكن من التعامل والعيش مع الناس. ولكن لو كان في وضعية – كما هو الحال على وسائل التواصل الاجتماعي – حيث أصبح معدل المعلومات المضللة أكثر بكثير ، فقد تكون الأمور أكثر سوءً.

بالإضافة إلى التحيزات، يسلط الكتاب الضوء على كيف تحرف بعض السلوكيات والسياقات الاجتماعية ، بما فيها “غرف الصدى(17)” على الإنترنت، ما نراه ونشاهده.  في وجود الكثير من القوى والمؤثرات التي تعمل ضدنا، كيف نبقى متفائلين؟

هناك تحيزات يمكن أن بستغلها مروجو المعلومات المضللة.  نظرًا لأننا نتعرض في جميع الأوقات إلى أنواع من المعلومات الجديدة، فلا يبدو الأمر سهلاً على الناس في تتبعهم للمعلومات الموثوقة وتمييزها من غيرها.  لكني متفائل لأن هناك بعض الحلول.  لا تُعد عملية التصدي للمعلومات المضللة واجهاضها في مهدها وذلك بتحذير الناس منها قبل انتشارها prebunking حلاً سحريًا لهذه المشكلة، ولكنها تعتبر خط دفاع أولًا جيدًا، وتساعد، كما تساعد عملية كشف الادعاءات الزائفة(19) وعملية تدقيق الحقائق والتأكد من صحة المعلومات.  يمكننا مساعدة الناس في الحفاظ على دقة المعلومات التي يستخدمونها والحد من احتمال استخدام المعلومات غير الصحيحة في قراراتهم وأن يبقوا متنبهين ويقظين وحذرين من المعلومات المضللة.


 
مصادر من داخل وخارج النص:
1- “المعلومات المضللة (misinformation) هي معلومات خاطئة أو غير دقيقة ينقلها شخص ما أو جهة ما بغض النظر عن أهدافه أو نيته في التضليل والخداع.  من أهم الأمثلة على المعلومات المضللة: الإشاعات الكاذبة وغيرها. يتمثل الهدف الرئيس للمعلومات المضللة في إثارة الخوف والشك بين عموم الناس.  يمكن أن تصبح المعلومات مضللة إذا حكم عليها الجاهل بأنها ذات مصداقية ونقلها حرفياً كما لو كانت صحيحة.  

ارتبط مصطلح المعلومات المضللة بتعبير «الأخبار الزائفة»، والتي يعرّفها بعض العلماء على أنها معلومات كاذبة تحاكي محتوى الإعلام الإخباري في شكلها العام، وليس في طريقة نشرها وأسلوب تنظيمها.”  مقتبس ببعض التصرف من نص ورد على هذا العنوان:
‏ https://ar.wikipedia.org/wiki/معلومات_مضللة
 
‏2- https://www.ipsos.com/en-us/news-polls/cigi-fake-news-global-epidemic
 
‏3- https://wwnorton.com/books/9780393881448
 
‏4- https://spsp.org/news-center/character-context-blog/dont-just-debunk-prebunk-inoculate-yourself-against-digital
 
‏5- https://www.meritnation.com/ask-answer/question/what-do-you-mean-by-cellular-machinery/why-do-we-fall-ill/3595126
 
‏6- https://ar.wikipedia.org/wiki/أثر_وهم_الحقيقة
 
‏7- https://misinforeview.hks.harvard.edu/article/global-vaccination-badnews/
 
‏8- https://www.getbadnews.com/en
 
‏9- https://www.syr-res.com/article/22865.html
 
‏10- https://ar.wikipedia.org/wiki/مأزق_مفتعل
 
‏11- https://ar.wikipedia.org/wiki/التطرف_الراديكالي
 
‏12- https://ar.wikipedia.org/wiki/ثقافة_شعبية
 
‏13- https://ar.wikipedia.org/wiki/أوبي_وان_كينوبي_(مسلسل)
 
‏14- https://www.science.org/doi/10.1126/sciadv.abo6254
 
15- “التضحية بكبش فداء هو اسلوب تكتيكي يُستخدم غالبًا لإلقاء اللوم على مجموعة بأكملها من قبل أفراد لما ارتكبه بعض من ينتمي إليها من أعمال غير أخلاقية.  ويرتبط هذا الفعل بمغالطة الذنب بالارتباط والقولبة النمطية.” مقتبس من نص ورد على هذا العنوان:
‏https://ar.wikipedia.org/wiki/كبش_فداء
 
‏16- https://www.channel4.com/press/news/c4-study-reveals-only-4-surveyed-can-identify-true-or-fake-news
 
17- خلال النقاشات الدائرة دائما حول وسائل الاعلام، كثيرا ما نسمع عن مصطلح «غرفة الصدى echo chamber»، والذي يشير بدوره إلى المواقف التي تُضخم فيها القناعات والمعقتدات أو تعزيزها بالتواصل والتكرار ضمن نظام مغلق، وفي نفس الوقت معزولة عن أية طعون أو نقض.  يستطيع الناس من خلال المشاركة في غرفة الصدى، البحث عن المعلومات التي تعزز وجهات نظرهم بدون وجود وجهات نظر معارضة، مما قد يؤدي إلى ممارسة ما يسمى «بـ الإنحياز التأكيدي» دون قصد، وقد تؤدي غرف الصدى هذه إلى زيادة الاستقطاب الاجتماعي والسياسي وحتى إلى التطرف”. مقتبس من نص ورد على هذا العنوان:
‏https://ar.wikipedia.org/wiki/غرفة_الصدى_(إعلام)
 
‏18- https://en.wikipedia.org/wiki/Debunker
 
 
المصدر الرئيس:
‏https://www.scientificamerican.com/article/theres-a-psychological-vaccine-against-misinformation/

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى