أقلام

هل صحيح أنّني نِتاج عاداتيِ؟

د. علي القضيب

شخصياتنا وذواتنا وسلوكنا تتشكل وتكبر في هذه الحياة ككرة ثلج متدحرجة يتعين حجمها بمقدار حركتها ونوعيتها بحجم ونوعية ما يعلق بها. نأتي الى هذا العالم غرباء صفحة بيضاء نحمل صفات وراثية جاهزة من الابوين لدرجة ان اشكالنا (النمط الظاهري – phenotype) وحركاتنا تشبه الابوين الى حد ما.

فكرة الثلج الصغيرة هذه (عندما نكون صغيرة) تتفاعل مع البيئة التي من حولها، تربية في البيت ومعارف في المدرسة وسلوك في الشارع ناهيك عما نقرأ ونسمع. تكبر الكرة وتكبر معها تجاربنا التي نخزنها في ذاكرتنا. لذا فليس غريبا ان ترى انسانًا او صديقًا التقيته قبل عشر سنوات قد تغير الآن كما لو كان شخصًا آخر.

واقعًا ما يحدث هو ان المعارف والتجارب والخبرات قد تحولت الى مشاعر واحاسيس وسلوك على هيئة برامج خُزِنت في ذاكرة اللاوعي (الذاكرة الضمنية implicit memory ) لا إراديًا لأننا مارسناها باستمرار لدرجة اننا أصبحنا نأتي بها دون عناء، بل وبدون وعي، وهذا ما يشجعنا على الاستمرار فيها. فنلاحظ اننا نأكل بنفس الطريقة ونُلقي التحية بنفس الصيغة ونمشي بنفس الإيقاع، بل ونصلي بنفس الكيفية.

هذا لست انت! انما هي عادات قد تبرمجت في عقلك اللاواعي من خلال أداء المهام اليومية التي تعودت عليها؛ فانت كل ما تفعله هو أنك تشغل برامجك وتطبيقاتك البرامجية الخاصة بأداء المهام وبالصورة التي خُزنت في الذاكرة. هذه البرامج أنت لم تدفع ثمنها، كل ما عملته هو أنك تدربت عليها وأجدتها ومارستها باستمرار إلى أن أصبحت هي التي تسيرك، لدرجة ان ٩٥٪ من نشاطاتك اليومية هي من مهمة هذه البرامج التي بدأت عندك كعادة وأصبحت جزءً لا يتجزأ من شخصيتك.

لذا يحق لنا ان نقول ان ما أنت عليه اليوم لم يحدث من فراغ انما هو تراكم العديد من العادات التي مارستها وتمارسها لا إراديًا دون عناء او جهد.

لذا إذا كانت هذه العادات (البرامج المضمنة في اللاوعي) ترتقي إلى هدفك فهذه العادات بالطبع جميل ويجب الاستمرار فيها أما إذا كانت هذه العادات تبعدك عن هدفك فتأكد انك في السنة القادمة ستكون عن اهدافك ابعد، هذا اذا كنت قد وضعت هدفاً و إلّا عندها تصبح نوعية العادة ليست بتلك الأهمية إذ لا توجد لها مرجعية

حقاً إذا أردنا ان نغير او نستشرف مستقبلنا لابد لنا أن نرجع الى عاداتنا ونفحصها ونعمل على ترك تلك العادات التي لا تواكب الأهداف المناطة او العمل على تحسين العادات القائمة، بالإضافة الى بناء عادات جديدة هدفها تطوير شخصيتنا وسلوكنا وقيمنا وقيمتنا عند لنفسنا (تقدير الذات) وعند مجتمعنا

نعم نحن نتاج عادات تراكمت طوال سني عمرنا وعادات جديدة في دور التطور في حياتنا،

نأمل أن تكون عادات تأخذ بنا إلى الامام؟

هذه مهمة العقل الواعي (السيد) الذي تناط به مسؤولية التحكم و مراقبة البرامج التطبيقية (العادات) التي خزناها في العقل اللاواعي ( العبد).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى