أقلام

الإمام علي (ع) والتكافل الاجتماعي

السيد فاضل آل درويش

سيرة أمير المؤمنين في تفقد أحوال المحتاجين وبلسمة آلامهم يمثل الوجه المشرق للإنسانية النبيلة، ولن ينعم المجتمع بالهدوء والاستقرار ما لم يرسي مظلة التكافل الاجتماعي.

في ذكرى حادثتين مهمتين هما تصدق أمير المؤمنين علي (ع) بخاتمه على الفقير في المسجد النبوي، وحادثة الإطعام التي نزلت تنويها بها وتعظيمًا لها سورة الإنسان (هل أتى) ما يوميء إلى روح العطاء عند أمير المؤمنين، وكلتاهما لهما دلالتهما على مكانة أمير المؤمنين وأهل البيت (ع) إذ يثني على عطائهم وسخاء نفوسهم رب العالمين، ففي الحادثة الأولى يدخل ذلك الفقير المسجد النبوي ويطلب ممن حضر هناك شيئًا من المال يشبع جوعه ويدفع عنه العوز، فلما يجد منهم شيئًا لينكسر قلبه بعدها ويهم بالخروج خائبًا من قضاء حاجته، فيتلقاه أمير المؤمنين (ع) وهو يصلي في حالة الركوع، ويشير له إلى خاتمه في يده اليمنى ليأخذه وينتفع من ثمنه، فنزلت آية الولاية منوهة بهذا الإنفاق المميز الذي اندكت فيه عبادة الصلاة والزكاة المستحبة، وفي حالة الركوع التي تشير إلى الخضوع والانكسار بين يدي المولى الجليل والالتزام بأوامره دون مكابرة، وكل ذلك يشير إلى ما كان يمتلكه هذا الرجل العظيم من مشاعر إنسانية نبيلة منفتحة على آلام و حاجات الناس، فلا يقر له قرار و لا يهدأ له بال وهو يشعر بوجود من يحتاج إلى مساعدة وتفريج همه وهو قادر على تقديم العون له، إنها سعادة أصحاب النفوس الكبيرة حيث تحرروا من أغلال الأنانية والنفعية وارتبطت إرادتهم وخطاهم بالإرادة الإلهية، ولن تجد طريقا يقرب من الله تعالى أفضل من تقديم العون لعباده الضعفاء وإخراجهم من بوتقة البؤس والألم وتخفيف كربهم، وما الذي سيجنيه مجتمع يتخذ من نهج أمير المؤمنين الذي يرسي معالم التكافل الاجتماعي ومد يد العطاء والمساندة للضعفاء والمحتاجين، بلا شك فإن السلم الأهلي والعلاقات الاجتماعية ستأخذ طريق الاستقرار، أما لو علت نبرة الماديات واتخذ المقتدرون سكة النفعية والمصالح فسيكون هناك خلل واضطراب ناتج عن نظرة سوداوية يحملها ذلك المحتاج غير المبالى بحاله، وقد يتطور الأمر عند بعضهم إلى حالات إجرامية كالسطو والسرقة في سبيل توفير مستلزمات الحياة الضرورية له ولعائلته.

المجتمع المتماسك في نظر أمير المؤمنين تسود العلاقة بين أفراده المحبة والاحترام والتراحم كأنه جسد واحد يساعد بعضه البعض ولا يتخلى عنه وقت الحاجة، وفي طريق إيجاد صيغة عملية لتوثيق العلاقات الاجتماعية كان هناك وجه الإحسان واللعطاء والإنفاق على المحتاج، مع بيان ما رصد من ثواب عظيم لمن حن قلبه على المحتاجين في يوم القيامة، مما يشكل دافعًا مشجعًا للمحسنين على البذل والعطاء ومواساة الفقراء.

تقديم المساعدات للفقراء لا يتمثل بالجانب المادي فقط وإنما هناك الجانب المعنوي المتمثل بالسؤال عن أحوالهم والحديث معهم بما يخفف عنهم وطأة الفقر الثقيلة، ويشكل مصدر أمان لهم إذ هناك من يحبهم لله ولا يبتغي من مساعدتهم أي مصلحة سوى وجه الله تعالى وابتغاء رضوانه، ومن المهم في تقديم المساعدات للفقراء أن تكون هناك نظرة شاملة لحاجاتهم، وأن لا يقتصر الأمر على السكنى والطعام، فمن حق الفقير أن تقدم لهم المساعدة في طريق إكمال الدراسة الأكاديمية؛ ليشعر الواحد منهم بأن الفقر لا يشكل عائقًا أمام تحقيق طموحه وآماله.

ولا يخفى علينا ما لحالة الفقر من تأثير كبير على تدمير المجتمع ونشر الجرائم والانحرافات بسببه، مما يؤدي إلى وجود بؤر مستنقعات قد تزل فيها قدم أحد الأعزاء علينا، فالفقر كالشرر المستطير الذي يحرق بنيرانه الأخضر واليابس في المجتمع، فهناك أصحاب النفوس الإجرامية الذين يبحثون عن أياد تساعدهم في مخططاتهم الخبيثة لنشر الرذيلة والفساد، والفريسة الضعيفة لهؤلاء هم أصحاب الحاجة حيث يحرق قلوبهم الحرمان والعوز، ولن يستنقذهم من الوقوع في الهاوية سوى أصحاب القلوب الرحيمة من خلال تقديم المساندة لهم، فتمتليء عيونهم بالخير وتمنعهم عزة أنفسهم وكرامتهم حينئذ من قبول مساعدة المفسدين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى