أقلام

في رحاب دعاء الإمام الحسين (ع) صبيحة عاشوراء (١٦)

السيد فاضل آل درويش

ثقتي بربي سلاحي في مواجهة المحن:

ورد عن الإمام الحسين (ع): اللهم أنت ثقتي في كل كرب)

ما الذي أعددته لمواجهة المحن والصعاب التي ستواجهها في الحياة على مختلف المستويات في علاقتك بالله عز وجل وأهدافك المحققة لتكاملك الفكري والنفسي والمهاري وعلى مستوى علاقاتك الأسرية والاجتماعية؟

الإمام الحسين (ع) أمام الظرف الصعب الذي عاشه في كربلاء حيث اجتمع عليه الآلاف يطلبون قتله والقضاء على القيم والأهداف الإصلاحية التي يدعو لها، وفي الضفة الأخرى يواجه نقصا شديدًا في الأنصار المستعدين لبذل مهجهم ومواجهة أعدائهم مهما كان حجم التضحيات، فإنه لم يبد التحسر على الماضي التليد حيث شارك مع أبيه أمير المؤمنين (ع) في معاركه التي خاضها في وسط نصرة وأعداد كبيرة، وها هو اليوم في بضع أنفار لا يمكن أن يطلق عليهم مسمى الجيش إلا تجاوزًا وتسامحًا، وما انتابه القلق والمخاوف – حاشاه – من المستقبل القريب جدًا الذي ينتظرهم بكل ما يحمله من فظائع ومصائب ومحن لا تقوى على تحملها الجبال الشامخة، بل عاش الإمام (ع) روح تحمل مسئولياته والإعداد المناسب والممكن لما ينتظره من قتال، بما يشهد له يوم العاشر حيث كان أصحاب الإمام (ع) في أعلى درجات التأهب والاستعداد والجهوزية بأنفس لا يروعها الموت وكفى بذلك توصيفًا لحالهم وشأنهم وقوتهم، إنهم أعدوا لهذه المعركة التاريخية القوة والتأييد الإلهي ومن ثم الأخذ بالأسباب المادية، وإلى هذا المعنى يشير الإمام (ع) بقوله: اللهم أنت ثقتي)، فهو عارف بالطريق الذي يسير عليه وما سيواجهه فيه من محن وما أعده سبحانه لهم من رفعة شأن وخلود على مدى الزمان، إذ الوجدان و الفكر الإنساني يقف وقفة إكبار وإعظام لهؤلاء الذين سطروا أعظم الملاحم القتالية والأخلاقية والفكرية، وكل ذلك بعد فضل الله تعالى بسبب البصيرة التي امتلكوها في تشخيص الأمور والأحداث والمواقف في وقت غلبت الأهواء والشهوات نفوس الناس فانحازوا عن الحق وأهله فخاب مسعاهم.

الإمام الحسين (ع) في حركته الإصلاحية ومعرفته المسبقة لما ستؤول إليه من شهادته مع أصحابه الكرام، لم يثنه ذلك عن مواصلة مسيرته كل الظروف المعاكسة والمعرقلة له بل كان يسير بخطى واثقة و كثابتة ومدروسة ومعروفة النتائج، إنها البصيرة النيرة والفكر الحصيف المدرك لعواقب الأمور التي صاحبت مواقفه العظيمة المغيرة لمجرى التاريخ بحسب أهدافه، فالإمام (ع) وإن كان من ضمن أهدافه إحداث هزة عنيفة تنفض عن الناس غطاء الغفلة والالتهاء بمشاغل الدنيا مع ترك لفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وسبات ضمائرهم عن رؤية الحق وضعف إرادتهم عن نصرة أهله، إلا أنه كان ينظر (ع) بعين البصيرة لأحداث العالم كافة على مستوى المستقبل والزمان البعيد الذي سيستضيء بأنوار قيمه وأهدافه ويستحث الخطى والهمم في الناس مدى الزمان لتبقى نهضته وشهادته حية لا تبلى.

وهذا الدرس الحسيني العظيم وهو بوصلة البصيرة وتسليطها على خطانا ومواقفنا نستلهمه من دعائه (ع)، فثقتنا بالله تعالى تعطينا صورة واضحة للخطوات التي ينبغي القيام والقرارات والخيارات التي نتخذها وفق معطيات أرض الواقع، نقرأ المستقبل مآزرين ببصيرة تدور مدار الرضا والإرادة الإلهية بعيدًا عن طيش الفكر وتهور التصرفات وانفعالية القرارات والخطوات العشوائية المنبثقة من الأهواء والميول الشيطانية، فلعلك تقدم في هذا الاتجاه بعد التوكل على الله تعالى ودراسة الواقع بعين البصير الواثق، وقد تحجم وتتوقف عن خطوة بعد أن رأيت أنها لا تصب في طريق القرب من الله تعالى، فقد ورد في سيرة أمير المؤمنين (ع) في واقعة الأحزاب لما صرع عمرو بن ود العامري على أرض المعركة، بصق اللعين في وجهه (ع) استفزازًا لأمير المؤمنين للتعجيل بقتله أو انتقامًا لنفسه المتعالية وهو يرى نفسه صريعًا، فلم يبادر (ع) لقتله لئلا يكون ذلك ردة فعل لبصقه فيكون قتله انتقامًا لنفسه (ع) و ليس خالصًا لوجه الله تعالى، فأخذ يتمشى قليلا ثم قتله، وهذا درس لنا في التحرك والتوقف أن يكون مداره رضا المعبود لا أهواء النفس.

وقد تحجم عن خطوة بعد الاقتناع بكثرة الخسائر والأضرار التي تصيبك جراءها، وهذا يعد من الفطنة والبصيرة و ليس من باب ضعف النفس أو الجبن كما يتصور البعض.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى