أقلام

الألق في حركة الإمام السجاد التبليغية (٢)

السيد فاضل آل درويش

الإمام السجاد (ع) يمتلك سيرة مفعمة بالدروس والمضامين التي تستحق الوقوف عندها بالتأمل والتدبر واستخلاص العبر، ومن ينظم بحثًا حول مفهوم التكامل الإنساني وما ينبغي أن يكون عليه من صفات وسلوكيات وملامح رفعة الشأن والألق، فإنه أمام مائدة كبيرة تشبع نهمه من المفاهيم والوقائع التي تكسب الشخصية الإنسانية وتمدها بومضات القوة والإيجابية والفاعلية في العمل الممارس في ميادين الحياة، فهذه الكنوز السجادية المتمثلة في تراثه الوارد عنه في الصحيفة الأخلاقية المسماة بالصحيفة السجادية المحتوية على مجموعة كبيرة من الأدعية والمناجاة التي تربط بين العبد وربه، وتحدث نسيجًا إيمانيًا في النفوس من خلال التفاعل مع مضامين الأدعية، إذ بعد التأمل والبحث الجدي في تبيان معاني فقرات الأدعية، نجدها منهجًا يحوي بين دفتيه المفاهيم العقائدية المتعلقة بأصول الدين وترسيخها في العقول الرشيدة والنفوس النزيهة، وتلك المفاهيم الأخلاقية المهذبة للسلوكيات والتصرفات بما يضعها على سكة الاستقامة والاتزان النفسي والوجداني، ومن منا لا يرغب في الدخول في دورة تدريبية تنمي مدركاته العقلية وتفتح تفكيره على فهم الأمور والوقائع بما يورثه النضج والرشد، وها هي الصحيفة السجادية تعد الكنز الثمين والمنهاج القويم والنبع المعطاء لتلك الدروس لمن تلقفها بقوة الهمة والمثابرة.

وبين يدي رسالة الحقوق وما احتوته من دستور للإنسان على مستوى علاقته بربه وما يتعلق بالواجبات المفترضة عليه و حدودها وشرائطها كالصلاة والصوم وغيرها، أو على مستوى تنظيم وتحديد العلاقات الأسرية وكيفية السير بها على جناح الاحترام والتقدير والثقة المتبادلة، وكذلك تبعث رسالة الحقوق السجادية عبقها الفواح على مستوى العلاقات الاجتماعية كالعلاقة مع الجيران أو المعلم، بما يحقق الاستقرار والفاعلية في تلك العلاقات بما ينعكس على ازدهار المجتمع وتنميته وتقدمه في مختلف الأصعدة، وأين سنجد منهجًا قانونيًا وتشريعيًا وتنظيميًا يحافظ على حقوق الإنسان وتعريفه بواجباته وما عليه من مسئوليات يراعيها وينهض بها، كما نجده نيرًا ومشرقًا في رسالة الحقوق التي تأخذ بأيدينا نحو العمل المثابر والخطى الواثقة والمجدية.

في سيرة الإمام السجاد (ع) تطالع حقيقة العبودية لله تعالى والانقطاع إليه والاستئناس بذكره والتعرف عليه سبحانه، عبادة السجاد (ع) زاخرة بالمضامين المرجوة من الانقطاع إلى الله تعالى وأهمها طهارة النفس من الرذائل، فمن يقف بين يدي الله تعالى في محراب الصلاة مستشعرًا وجود الخالق العظيم ورقابته لأفعاله ما ظهر منها وما بطن يهبه الاستقامة والخشية منه تعالى والورع عن محارمه، وهذا الترفع عن مستنقع الأهواء والشهوات المذلة والمسقطة له من عين الله تعالى هو الهدف الذي يصبو إليه من فهم حقيقة هذه الدنيا، فليس هناك من عارف بالله تعالى – حق معرفته – ومحدودية وجوده الدنيوي يقلب يديه بين ملذاتها يمينا وشمالًا دون رادع عن حرامها، كيف وهو متيقن تماما من موقف المساءلة والمحاسبة على كل ما صدر منه في يوم العدالة والميزان الإلهي في يوم القيامة، ولذا نجد من نتائج وآثار العبادة الحقة التي يدعو لها زين العابدين (ع) هي الزهد في الدنيا، ولا يقصد بالزهد مفهوم الرهبانية والتخلي عن عمارة الأرض والانزواء، بل التدين الحقيقي في صلبه مفهوم العمل والسعي المثابر والجدية في أخذ الأمور، فإثبات الذات وتحقيق الأهداف والإنجاز يعد محددًا لقيمة الإنسان ومستواه في درجات الألق والنجاح، ولكنه في مضمار عمله يراقب ويراعي حرمات الله تعالى ويتوقف أمام المناطق المحظورة شرعًا، وكما أنه يعمل على تحقيق مستقبل دنيوي زاهر فإنه لا يغفل أبدًا عن المستقبل الأخروي والاستعداد للحساب من خلال الاستقامة في الفكر والسلوك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى