أقلام

علم الكلام وأهل البيت عليهم السلام!

زاهر العبدالله

قد يدعي البعض أن علم الكلام بعيد عن منهج أهل البيت عليهم السلام، وأن أول من أسسه هو الحسن البصري، وهو أحد أعداء أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام، كما جاء في كتاب مصطلح علم الكلام.

ولكن، لو رجعنا لعنوان الكتاب المذكور في مصطلح علم الكلام إلى المكتبة الرقمية لوجدنا ثلاثة كتب بهذا العنوان على حسب ما وصل إليه بحثنا.

أولهم، موسوعة مصطلح علم الكلام للمؤلف الدكتور سميح دغيم. والثاني، يحمل الاسم نفسه وهو للدكتور الفضلي (قدس)،والثالث: مصطلح علم الكلام للشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي

للمؤلف: أحمد عبد الهادي مهدي الصالح.

وبعد الرجوع لمقدمات هذه الكتب لم نجد نقلًا لأحدهم يفيد أن أول من أسس علم الكلام هو الحسن البصري. بل تؤكد الكتب الثلاثة إجمالًا أن علم الكلام بدأ منذ الصدر الأول للإسلام من خلال سيرة النبي الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام، ويشير الجانب السني لبعض الصحابة، فهو قديم بقدم الرسالات الإلهية لأنهم جاؤوا في مقام الاحتجاج على قومهم.

وهنا نريد الوقوف على بعض النقاط، بعد تعريف علم الكلام الذي له عدة تعريفات، إلا أنها تصب في حقل واحد والبعض يخصص بعض فصول هذا العلم كحيثيات لمنهجه الخاص.

والتعريف العام الذي ذكره الدكتور الفضلي أن علم الكلام هو (العلم الذي يُبحث فيه عن إثبات أصول الدين الإسلامي بالأدلة المفيدة لليقين بها)، ثم شرح هذا التعريف فقال:

يتوافر علم الكلام على بحث ودراسة مسائل العقيدة الإسلامية الحقة بإيراد الأدلة وعرض الحجج على إثباتها، ومناقشة الأقوال والآراء المخالفة لها، ومحاكمة أدلة تلكم الأقوال والآراء، وإثبات بطلانها، ونقد الشبهات التي تثار حولها، ودفعها بالحجة والبرهان) (١)

فبحسب هذا التعريف يمكن كشف اللثام عن هذا المنهج لنجد أن أول من استعمله عملًا هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في احتجاجه مع نصارى نجران حيث كانوا يحاجونه في صدق نبوته بالأدلة التي عندهم في إنجيليهم، ومنها أن من يدعي النبوة بعد النبي عيسى عليه السلام ـ حسب بعض نقولاتهم ـ فهو كاذب.

فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله ففندها وحللها ونقضها ووضعها في سياقها العام، وذكر المقصود منها وأنه خاصة بجهة وبجماعة معينة، فانتهت تلك المحاججه إلى المباهلة وهزم نصارى نجران أمام هذا الاختبار الصعب الذي كاد أن يفنيهم عن آخرهم لو وافقوا عليه حينما رأوا الأنوار القدسية النبي الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام وسيد الموحدين علي عليه السلام وسيدي شباب أهل الجنة الحسن والحسين عليهما السلام، حيث قال كبيرهم “إني لأرى وجوهًا لو سألوا الله أن يزيل جبلًا من مكانه لأزاله، فلا تبتهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة”، وقال النبي صلى الله عليه وآله: “والذي نفسي بيده لو لاعنوني لمسخوا قردة وخنازير، ولاضطرم الوادي عليهم.. “(٢)، فنزل قول الله تعالى:

{ فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ(٦١)}آل عمران. ثم تبع هذا النهج تلميذ النبوة وخاصة علم ومستودع سر رسول الله صلى الله عليه وآله أمير المؤمنين عليه السلام للصد عن حريم الإسلام وأهله بالحجة والدليل أيضًا في الخط المقابل للإسلام، وكذلك الخط المقابل لمنهج أهل البيت عليه السلام داخل المسلمين. وهكذا بدأ هذا العلم يخرج من علومهم عليهم السلام جواهر ثمينة تلاقفوها تلاميذهم بأذن واعية وبصيرة حاضرة، واستفاد المتأثرون بهم من غير مدرسة أهل البيت عليهم السلام وبدؤوا يسقطون عليه مسميات حديثة كي يُنسب لهم وأن جذوره منهم، وهناك من جاهد في وضعه في سياقات محددة في الإلهيات كالمعتزلة وغيرهم.

ويبقى علم الكلام أداة من أدوات تحصيل العلم وفق مقدمات ومعطيات ونتائج يطوّعها أصاحبها لإثبات حق وإزهاق باطل حسب معتقدهم وحسب منهجهم، لإقناع الأخرين بقوة الحجة وجميل المنطق.

ولو أردنا أن نضعه في سياق كلمات أهل البيت عليهم السلام، فعلم الكلام هو المعرفة الواعية بالله ونبيه(ص) وأهل بيته عليهم السلام، فيكون محصلته معرفة الدين بشكل كامل من خلال مرآتها وهم محمد وآل محمد كما أكد عليه أمير المؤمنين عليه السلام حيث قال:(أول الدين معرفته، وكمال معرفته التصديق به، وكمال التصديق به توحيده، وكمال توحيده الإخلاص له، وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه)(٣).

ولو أخذنا شاهد من سيرة أمير المؤمنين عليه السلام في هذا العلم قام يومًا خطيبًا فقال:(محل الشاهد):

(سلوني فإن عندي علم الأولين والآخرين، أما والله لو ثنيت لي الوسادة فجلست عليها لأفتيت أهل التوراة بتوراتهم حتى تنطق التوراة فتقول: صدق علي ما كذب، لقد أفتاكم بما أنزل الله في، وأفتيت أهل الإنجيل بإنجيلهم حتى ينطق الإنجيل فيقول: صدق علي ما كذب، لقد أفتاكم بما أنزل الله في، وأفتيت أهل القرآن بقرآنهم حتى ينطق القرآن فيقول: صدق علي ما كذب، لقد أفتاكم بما أنزل الله في، وأنتم تتلون القرآن ليلًا ونهارًا فهل فيكم أحد يعلم ما نزل فيه، ولولا آية في كتاب الله لأخبرتكم بما كان وبما يكون وما هو كائن إلى يوم القيامة وهي هذه الآية ﴿يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب﴾..) (٤)

وقد سار على هذا النهج أهل البيت عليهم السلام وتلاميذهم كهشام بن الحكم وأمثاله.

نشأ علم الكلام في الصدر الأول في الإسلام وقد أستفاد منه الكثير من المتكلمين في مختلف المدارس الإسلامية سنة وشيعة وقدرية ومعتزلة. وكل مدرسة توظفه في تقوية منهجها وهناك كثير من الابحاث بلورت هذا العلم لتصنف فيه المصنفات فقسمت وفصلت فيه ومنهم الحسن البصري وغيرهم من المهتمين فناقشوا في هذا العلم كثير من الموضوعات منها البحث حول صفات الله، وبالأخص مسألة التوحيد والعدل الإلهي، والقضاء والقدر، وبحث النبوة، والمعاد، والتكليف، والمعجزة. ومسألة حُسن وقبح بعض الأفعال.

واستمر هذا العلم يتطور في مختلف المدارس لدى المذاهب الإسلامية وغيرها من الأديان والمشارب الفكرية.

لذا علينا أن نكرر الدعاء الذي يحصن معارفنا الدينية كما ورد عن الصادق عليه السلام

(اللهم عرفني نفسك، فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف نبيك، اللهم عرفني رسولك فإنك إن لم تعرفني رسولك لم أعرف حجتك اللهم عرفني حجتك فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني)(٥)

…… .

المصادر:

(١) خلاصة علم الكلام للدكتور عبد الهادي الفضلي ص ٩.

(٢)بحار الأنوار – العلامة المجلسي – ج ٢١ – الصفحة ٢٧٧.

(٣)الانتصار – العاملي – ج ٢ – الصفحة ١٩٥.

(٤)التوحيد – الشيخ الصدوق – الصفحة ٣٠٥.

(٥)بحار الأنوار – العلامة المجلسي – ج ٩٢ – الصفحة ٣٢٦.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى