أقلام

الجرائم و الهاكرز و تقوى الله

أمير الصالح

يبدو ان تصاعد معدل جرائم النشل في الموسم السياحي الحالي ببعض مدن اوربا ، أرعبت الكثير من السياح . و جعلت البعض الاخر من السياح يغير وجهته أو يُرحل تخطيطه أو يلغي اجازته . و لعل ترند فيديوهات موثقة لحالات النشل و مقاطع التحذير المتضمنة الجملة الايطالية الشهيرة …attenzione attenzione … pickpocket الاكثر تداولا في السوشل ميديا في موسم الصيف الحالي. و انذهل الكثير حول العالم لما حدث و بحدث من نشل و سرقة للسياح و الزوار في تلكم المدن الاوربية . و قد كنت شخصيا ضحية لجريمة نشل في ميترو باريس في عام ٢٠١٦ م . و مع توثيق البلاغ رسميا في دائرة شرطة باريس الفرنسية الا انه حتى يومنا هذا لم يردني اي رد منهم .

و يبدو أن تصاعد مُعدل جرائم السطو للمحلات و السيارات و الشقق في بعض مدن الشرق و الغرب السياحي على ضفاف القارة الامريكية أرعبت الكثير من السكان المحليين و السياح الأجانب . و كذلك كثرة الصور البشعة التي تردنا عن افتراش المشردين و مدمني المخدرات لعدة شوارع رئيسية ، و توارد اخبار شبه يومية في وكالات الانباء العالمية عن حوادث اطلاق نار عشوائية في مجمعات تجارية في بعض مدن امريكا الرئيسية أو حوادث تصادمات عنيفة بين بعض الاعراق المتباينة في لون البشرة في الاسواق و المواصلات العامة أو حوادث تلاسن اصحاب الالوان الملونة المجاهرين بممارسة الرذيلة في الاماكن العامة تجعل الانسان المستقيم يعيد حساباته في زيارة تلكم المدن حتى لو زيارة خاطفة فضلا عن الاقامة في تلكم المدن لمدد زمنية مُعتبرة . و ما مقاطع الفيديو المنتشرة بكثرة لا سيما في مواقع يوتيوب و تيك توك و تويتر عن تلكم الجرائم و التلاسنات و الاصطدامات العنيفة في تلكم المُدن الغربية الا توثيق لما حدث و يحدث حتى الساعة .

كما انه يبدو ان جرائم الغش و الازدواجية في التعامل و الازدراء بدوافع الكُره و الحقد و النبذ العرقي و الحسد في بعض مدن الاناضول ضد بعض السياح العرب ، احدث جروح نفسية عميقة في نفوس الكثير من ابناء منطقتنا . و جعل الكثير منهم يلغي حجوزاته الفندقية و يقطع مدة اقامته و يرجع ارض بلاده او يغير محطة سفره او يلغي فكرة السياحة في تلكم المدن .

و على صعيد آخر ، يبدو ان انفجار معدل جرائم الهاكرز ( الاختراق الالكتروني ) في العالم الرقمي الالكتروني للحسابات البنكية الفردية غض مضاجع كل صاحب حساب الكتروني في اي تطبيق في العالم الافتراضي . مازلنا نتذكر فيروس I love you و فيروس شرنوبل و فيروس wanna cry .
و قد تمردت عصابات الهاكرز للحد الذي لا يمكن تصوره ، فابتدت بعضها تفرض نفسها على اعتى قوى نظامية في العالم من اجل ابتزاز المال . فنسمع عبر المذياع عن مجموعة black hat و مجموعة ransome war و غيرهم … و التي استطاعت ان تسرق بيانات عملاء و اموال و ارصدة و مدخرات البعض من الناس في بنوك متعددة حول العالم ، لابل استطاعت بعض تلكم العصابات ان تعطل اجهزة مستشفيات و تعطل خطوط طيران و تجمد برمجية شركات توزيع مواد غذائية أو تجميد برمجيات شركات نقل وقود أو تشغل خطوط امداد توزيع طاقة للمنازل أو تمسح بيانات مجرمين من سجل وزارة عدل أو تلغي ملكية افراد لعقارات أو التلاعب في كشوفات حسابات مالية !!

يتبادر لذهن الانسان العادي سؤال بريء و هو : هل فشلت كل ادوات الانسان العاقل في القرن الواحد و العشرين في ضبط سلوك اخوه الانسان المجرم على هذا الكوكب اليتيم ؟ هل فشلت كل ادوات الردع المعمول بها حاليا في الانظمة الديمقراطية و الغير ديمقراطية في تهذيب سلوك المنحرف من الناس ام انه كلما ازدادت قوانين التسامح و التراخي مع المجرمين انبطاحا و تعاطفا ، كلما ازداد الانسان المجرم الجاني تمردا و علوا و فسوقا !!!
وصلت بعض الامور في بعض الدول تشريع اسقاط تجريم :
– الاعتداء على الاطفال
– التعاطي بالمخدرات في العلن و الاتجار به
– ” ضبط المجرم و اطلاق سراحه catch and release “
كل ذلك قد يكون تماشيا مع شعار “ان لم تستطع ان تهزمهم فكن معهم!” .

هل وجود تقنيات عالية و اقمار صناعية متطورة و روبوتات متطورة و وسائل نقل متعددة و تطبيقات ذكية متقدمة ضمنت لنا وجود انسان اكثر أنسانية أم اكثر عدوانية ضد الاخرين ؟!
هل فشلت انظمة المراقبة الرقمية و تحليل الصور للوجوه face recognition و الامن الميداني و نشر قوات امنية على الأرض و فرض العقوبات الجزائية و اوامر التفتيش و التي في مجملها هي انظمة مُكلفة ماليا و اداريا في ردع اهل السوء و الرذيلة و الانحراف . وفي ذات الوقت ، هل ضمنت تلكم الانظمة كامل السلامة و الامان في داخل تلكم المجتمعات في حجب جرائم الاغتصاب و القتل الغير مبرر و الاعتداء على الاملاك و الحرمات في كل مكان ؟!. نعم نقر بان رجال الامن و القانون الاوفياء و الصادقين ساهموا و يساهمون في تقليل معدل الجريمة و حفظ الامن و ما يمكن حفظه من حقوق و ردع من يتم القبض عليه من المجرمين القابلة انفسهم للردع و التوبة النصوح . فشكر الله سعيهم و اثابهم . الا انه كل تلكم الجرائم و التي مررنا على ذكر بعضها بعجالة و ما قد يتم استحداثة من انواع و اساليب اجرامية في المستقبل من قبل شرار الخلق ، جعلت عدد ليس بالبسيط من اهل الارض ( و هم الاكثرية الصامتة ) يضجون و يتضرعون الى الله العلي القدير و يشتكون لما اصابهم من ذعر و خوف و يستنجدون بالله بالقول :
الغوث الغوث خلصنا من التار يارب. … الغوث اللهم خلصنا من الاشرار و كبد الفجار …. الدعاء
اللهم انا نشكو اليك فقد نبينا (ص) و غيبة ولينا و قلة عددنا و كثرة عدونا و تظاهر الزمان علينا … الدعاء

بالفعل افتقدت البشرية انبياء الله و اشتاقت الانفس لروح النبي الاكرم محمد (ص) ، لما رأته و تراه و تعيشه من انتكاسات في الاخلاق و تشويه متعمد في الفطرة و تخبط في اصدار القوانين الوضعية لبعض البلدان العالمية و غياب الحلول الجذرية لخلق الطمأنينة في كامل الافاق و تزايد عدد المعتدين و المجرمين في العالم .

و حتى يحين وقت استجابة الله جل جلاله دعاء الصادقين من كل مجتمع في هذه الارض ، فلا بد ان نزرع و اياكم التقوى في قلوبنا اولا و قلوب محيطنا البشري و في كل مكان يمكننا فعل ذلك . فالتقوى حيث استحضار صور يوم القيامة و حيث استشعار حب الله لنا في قلوبنا و الاستبشار بالنعيم الموعود و النفور من اعمال الشيطان و الحياء من الله جل جلاله ، قبل و حين و بعد الكلام و الاعمال الصادرة عنا . هكذا سلوك يجعل الجميع يشعر بالمسؤولية في صنع الامن و يرتدع عن فعل المحرمات و يساهم في تجذير سلوك المعروف و بذل الخير و تجنب الشر و تفادي ايذاء الخلق و صيانة الحقوق و الحفاظ على الحُرمات . حتما تقوى الله سبحانه و تعالى هي الانجع في تربية النفس و ردعها عن ارتكاب المحارم و تجنب اغتصاب الحقوق . لان الشواهد المسجلة ضد المجرمين اثبتت ان رفع هراوة أو التقاط صورة لفاعل المنكر او الزامه بتعهد خطي أو طلب اصدار سند امر مالي لمستحقه أو ايداع المجرم في زنزانة لفترة زمنية ، لا يعني ان المعضلة تم حلها جذريا . لان المشكلة اعمق من عقاب جسماني أو ردع لفظي زاجر او فرض سلطة في مكان ما بقوة سلاح ، و انما هي تدخلات شائكة بين شؤون مختلفة منها عدالة اجتماعية و تكافئ فرص و احتواء و تجذير روح تقوى الله و مراقبة السلوك بشكل شخصي و اعتماد نموذج قدوة ناجحة . و شخصيا اعتز و افتخر بمجتمعنا بكل اطيافه الوفية و جميع سكان ارض وطننا الغالي و تظافر جهود الجميع من قيادة و مواطنين و مقيمين و زائرين و معتمرين و حجاج في جعل ارض بلادنا واحة امن و امان و صيانة حقوق و حفظ اعراض و أحترام كرامات . و انا ادعي ان الايمان بالله حقا و صدقا و عملا بكل اخلاص و تفان ان صدر من كل انسان و بعيدا عن الريا و بعيدا عن النفاق سيجنب بني آدم في اصقاع الارض الكثير من المتاعب و تخفض معدلات الجرائم الى الادنى و يدفع بمستويات الانتاج و الرخاء و الامان أكثر مما فعلته الاقمار الصناعية للاتصالات و اجهزة المراقبة و التنصت و الحواسيب و الخوارزميات . و للعاقل ألحق في ان يتامل في ذلك الادعاء و يبرهن على ما هو ضده . و ادعو كل شريف و محب للانسانية ان كان لديه نموذج عمل تربوي يصلح لكامل البشرية في خفض معدل الجريمة و زيادة الانضباط افضل من مقاربة “تقوى الله” لمنع انتشار الجريمة و خلق رادع داخل قلب كل انسان ، فليتقدم مشكورا بطرحه على سكان الارض مع آليات العمل به .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى