أقلام

الضمان الصحي.. هل يتحول شريكا لعلاج المتقاعدين؟

زهير ياسين آل طه

كم هو مقلق حينما لا تستجيب الشركات الصناعية ذات الكوامن الخطرة لطلبات تأمين روادها ومتقاعديها ومن يعولون لمدى الحياة، ولا يكترثون للأسف للنداءات المضنية لاستمرار تأمين علاجهم المستحق نظير تقديرهم لما بذلوه سنوات حياتهم العملية وعانوه من مخاطر، تجنيبا عادلا لوزارة الصحة من تحمل تبعات الأمراض المزمنة على البعض مباشرة أو لاحقا من تلك الشركات.

ونذكر بتفاؤل منخفض محاط بعدم اليقين بسبب صمت المقابل، ونذكّر بما كتبناه في ثلاث مقالات سابقة عن تأمين علاج متقاعدي سابك ومن يعولون، مع سرد الحلول التوافقية والمعتدلة لجميع القطاعات، والتي تخرج الحرج من قمقمه كما يدعي البعض، لتضعه في محطة نظامية وقانونية وبدون صرف قرش واحد على كاهلهم، ولو صرفوه من خلال المسؤولية الاجتماعية التي لا تعد ولا تحصى حول العالم في أماكن تواجدها واستثماراتها سنويا، فلا يعتبر خسارة كونه يقع في دائرة المشاركة في تحقيق متطلبات جودة الحياة في رؤية 2030.

حتى خرج قرار مجلس الضمان الصحي الأخير بمنع الازدواجية للتأمين للأفراد وتطبيقه مع بداية أغسطس 2023، للحد من الهدر الخيالي الذي يقارب 1.5 مليار سنويا والذي يتسبب فيه نحو 300 ألف مشترك في السنة كما أُعلن، وهو يعطى مفترضا الدارسين للتأمين الطبي المجاني لكافة المواطنين متنفسا للتفكير الإبداعي، لابتكار حلول ذكية تفوق وتكمل الحلول التي أوردناها لتأمين علاج متقاعدي سابك لتشمل جميع القطاعات.

ويعتبر قرار منع الازدواجية خطوة ذكية استراتيجية، وقد يكون محطة انطلاق أوسع لتحقيق أحد أهداف برنامج تحول القطاع الصحي في رؤية 2030، بما يغطي الجزء الخدمي وسهولة الوصول للخدمات والرعاية الصحية والوقاية من الأمراض للفرد والمجتمع، أي على مبدأ الرعاية القائمة على القيمة التي تضمن الشفافية والاستدامة المالية كما يظهر في صفحة الرؤية.

الجملة الأخيرة للاستدامة المالية تحتاج توضيحا أكثر من منظور استمرار جريان السيولة المالية لاستدامة الخدمات بنفس المستوى، والذي يتطلب الدعم والاستثمار واستغلال الفرص ومنها الهدر المالي الذي تتسبب فيه إدارة المرض مقابل إدارة العافية، وما تسببت فيه لسنوات طويلة ازدواجية التأمين للأفراد بمليارات الريالات.

النظر من خارج الصندوق والاستعانة بالآراء والمقترحات ضرورة اجتماعية تكاملية، وستدعم أعضاء برنامج تحول القطاع الصحي، مع أنني كنت أتمنى وجود عضو من المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية مع اللجنة وليس فقط من وزارة الموارد البشرية، لأنها مؤسسة مهمة بسبب خبرتها في الاستدامة المالية التأمينية، وضغطها المتواصل على موازنة التقارير الاكتوارية، من خلال الدعوات المتكررة لوقف التقاعد المبكر وتمديد التقاعد والاقتطاعات وزيادتها من فترة لأخرى ومنها ساند، ولأنها قد تكون المصدر الاستشاري والاستثماري للمدخرات المالية حينما توضع الأمور على طاولة التنفيذ.

وقد تدخل التأمينات الاجتماعية في شراكة أوسع مع الضمان الصحي تتعدى الاتفاق الأولي بينهما عام 2021 لتبادل البيانات، ليصل لمرحلة إدارة ورقابة تأمين علاج موظفي القطاع العام ومتقاعديه ومن يعولون من جهة، ومن جهة أخرى متقاعدي الخاص ومن يعولون لاختلاف التنظيم والقوانين، ليتحقق من خلال الشراكة جزء من برنامج تحول القطاع الصحي.

السؤال الذي نحتاج إجابته بوضوح: لماذا وبماذا نفسر مقترح التوسع في الشراكة بين مجلس الضمان الصحي والمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية والاستفادة منه لجميع الأطراف، وتتأسس على رسله شركة مساهمة متخصصة تأمينية لإدارة العافية كذراع استثماري؟

«الشيء بالشيء يذكر» لنقحم شركة نجم لخدمات التأمين في الموضوع ونستفيد من تاريخها وتطور أعمالها بعد تأسيسها شراكة بين البنك المركزي السعودي (ساما) والإدارة العامة للمرور، لتكون مرآة أولية لمقترح الشراكة التنفيذي العملي المباشر لإدارة العافية وليس النسخ واللصق، بعد أن تطورت نجم من معاينة وتقدير خسائر وتسوية مطالبات تأمينية بعد التأسيس عام 2007 الى تخصص معاينة الحوادث عام 2009، حتى وصلت لتأسيس «منصة منافذ» لإدارة بيع وثائق التأمين نيابة عن شركات التأمين المشاركة للعابرين من المنافذ لغير المركبات السعودية وإعادة دراسة الأسعار من فترة لأخرى، وفق آلية تضمن التوزيع العادل وبشكل محايد وتتابعي للوثائق التأمينية بين الشركات.

معايرة الوضع ومقارنته في شركة نجم أمر إيجابي مع ما نأمله من خروج شركة تأمينية نظيرة لها وتفوقها في توجهها وسياستها من شراكة الضمان الصحي والتأمينات الاجتماعية ومن يدخل لاحقا معهما، والاتفاق على تحمل الشركة تأمين علاج موظفي القطاع العام المدني ومتقاعديهم ومن يعولون ومتقاعدي القطاع الخاص ومن يعولون أيضا، من خلال ما تم اقتراحه في مقالات سابقة من اقتطاع مبلغ 100 ريال «يزيد أو ينقص» من كل المشتركين على رأس العمل والمتقاعدين في القطاعين على حد سواء، مضافا للسماح بدخول شركاء الهدر المالي من الازدواجية في التأمين، باستمرار دفعه والبالغ 1.5 مليار سنويا ولمدة 5 سنوات مثلا، كاستثمار مستقبلي قد يصل لوقف تأمين العاملين على رأس العمل القائم حاليا من طرف الشركاء ويرحل للشركة التأمينية الجديدة، والسبب أن الشركات كانت ستبقى تدفع الهدر لولا القرار بمنع الازدواجية المفيد للجميع.

الخلاصة، مما حللناه واقترحناه من تفسير وتبرير؛ هو الوصول لجعل مسؤولية إدارة التأمين على عاتق الشركة التأمينية المستحدثة من الشراكة وتأخذ بعض مهام الضمان الصحي حسبما يتناسب، وتبدأ تدير منصة شبيهة بمنافذ نيابة عن شركات التأمين، كخيار تنافسي موحد يخدم موظفي القطاع العام المدني والفئة الغالية على المجتمع من كبار السن المتقاعدين ومن يعولون، ويبقى الحال على ما هو قابل للدراسة والتغيير بالنسبة لتنافسية التأمين لتأمين العاملين لشركاء الهدر من الشركات وغير الشركاء من منشآت صغيرة ومتوسطة حتى الوصول للتقاعد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى