أقلام

حكايات من عبق والدي حسين النمر(ج٥)

رباب حسين النمر

ارتبطت حياة والدي بمدينة الهفوف، ولها في ذاكرته نصيب، تساءلت حول العلاقة التي تربطه بهذه المدينة، فأجابني:

(والدتي( فاطمة أحمد) من عائلة المسلم، وهي من العوائل التي تسكن الهفوف، وقد كنت أرافقها إلى هناك أثناء زيارتها بيت جدها لأبيها( محمد المسلم) حيث أشعر بسعادة غامرة عند زيارة بيت جدي حيث تسود الألفة والأجواء العائلية المفعمة بدفء الأسرة ومحبة الأقارب وكرمهم،
ففي هذا البيت جدتاي (أم والدي وأمها) وجدي وأخوالي وعمات والدتي وأعمامها وأسر أبنائهم. وهناك الأصدقاء والأتراب.
ومن جيران بيت جدي:
حميد بن علي البقشي الذي أصبح مشهوراً بالرسم على مستوى البلد، فهو من أشهر الرسامين السعوديين، وكان يحول جدران الحي إلى لوحة بديعة الجمال مبهرة بقطعة من الفحم كان يستخدمها كأداة للرسم.
وكانت أمي تزور قريباتها
وإخوتها وأخواتها وخالتها، كما كانت تزور بيت والدتها(أمي زينب) التي كان منزلها بالنعاثل. وأتذكر اجتماع أمي بوالدتها وأخواتها هناك، . ومن البيوتات التي كنا نقصدها بالهفوف بيت خالي علي فضل (براحة الشريفة) وأولاده عبد الحميد وعبد المحسن والدكتور محمد.
هذه هي بيوتات الهفوف التي كانت تربطنا بهم علاقة القرابة والرحم والنسب.
ومن أصدقاء الطفولة حميد بن علي البن سعد)

*وللوالد- حفظه الله – تجربة في بقيق، فهي محطة توسطت زمنياً بين الأحساء والدمام. سألته عن الظروف التي جعلته تتواجد في بقيق، وكيف كانت الحياة الاجتماعية والعملية هناك، فأجابني:

(كان والدي يعمل مع المخايطة في الأحساء وكانت حالته المادية جداً متواضعة.
وحدثت له مشكلة في مجلس المخايطة على إثرها غادر والدي الأحساء إلى بقيق.
وفي سوق بقيق كنت أرافقه.
في ذلك الوقت كان السوق عبارة عن (برستيات) والبرستي هو قوائم مسقوفة بخشب ويغطي سعف النخيل سقفه وجدرانه.
وكان يعمل هناك كثير من الأحسائيين: مثل العبد العظيم، والخال علي فضل وأولاده عبد الحميد وعبدالمحسن، وكان دكاننا بالقرب من دكانهم، وبقينا حدود ستة أشهر حيث اشتعل في السوق حريق دمره كون السعف سريع الاشتعال، فدمر السوق كله تقريباً.
وكان ذلك الوقت في بقيق (الإنترمديت) سكن عمال أرامكو من الدرجة الثانية، وهو أعلى من الجنرال وأقل من سنير. وقد ألغي بعد ذلك سكن الجنرال الذي كان عبارة عن غرف بسيطة يتم تهويتها بمراوح، ويسكنها عمال عاديون يعملون على تكسير الحصا وتحميل الرمل ويدفنون.

أما (الإنترمديت) فهم أصحاب الحرف الماهرون مثل النجار الماهر والكهربائي المحترف، فهؤلاء درجتهم إنترمديت. أما المدراء وكبار المسؤولين فهم في رتبة سنير، وهؤلاء سكنهم راقٍ.
أنشأت أرامكو دكاكين في منطقة سكن الإنترمديت، وتم توزيعها على أصحاب الدكاكين المتضررة بسبب الحريق، وكان من ضمنهم والدي رحمه الله.


كان مبنى السوق جيداً ومؤمّناً ضد الحريق، وهو مزود بالتيار الكهربائي. أما السوق القديم فقد كان دون كهرباء، وكانت
الدكاكين مزودة بالثلاجات إلى جانب التكييف.
مكث والدي قرابة ثلاثة أعوام يبيع سلع يومية مثل الأرز والعدس والحبوب والسكر.
وكان في الدكان ثلاجة كبيرة زودها والدي ببعض الأواني المصنوعة من الألمنيوم. وكان يثلج فيها الماء، فيبتاع الثلج البدو الذين يسكنون بالقرب منه لتبريد اللبن.
وكان كثير من عمال أرامكو يودعون لديه أماناتهم من النقود وخلافه، فلم تكن هناك آنذاك مصارف أو بنوك، وكان والدي رحمه الله معروفاً بالأمانة، وهذا ساهم في خلق حركة بالدكان ما بين مشترٍ ومؤمن، فانتعشت حالته الاقتصادية.

كنت سعيداً بمرافقة والدي إلى بقيق فهي متطورة مقارنة بالأحساء التي لا تزال بيوتها طينية وأزقتها رملية ويكسو طرقاتها الطين والوحل، أما في بقيق فإن غرف عمال أرامكو راقية والأحياء منظمة ومشجرة.
كنت أستمتع بالذهاب إلى كفتريا الحي السكني وشراء الكيك والآيسكريم وأجد في ذلك لذة ومتعة.
ونذهب أحياناً للغداء مع عمال أرامكو. وفي بعض الليالي كنا ننام مع عبدالله علي النمر في غرفته التابعة لسكن أرامكو فهي مكيفة تنعشنا في طقس بقيق الحار حال غياب صديقه في السكن.
ومن ضمن عمال أرامكو ابن العم عبدالله ولد حسن رحمه الله حيث كان يسكن مع عائلته في مدينة العمال ببقيق.
ومنهم علي الميدان من أصدقاء الوالد حيث كان يسكن مع عائلته حينذاك في بقيق.
وهناك عمال آخرون يذهبون للأحساء يوم الخميس بعد نصف الدوام في باصات أرامكو ويعودون يوم السبت صباحاً، منهم عبدالله بو حسن المهنا وحجي عبدالله المحمد علي، وعبد الرسول الناصر، وحسن بو بريه، وعيد المؤمن ومحسن المؤمن. وغيرهم الكثير من الأحسائيين.

كانت فترة بقيق فترة متوسطة ما بين إقامتنا في الأحساء وبين انتقالنا إلى الدمام.
كانت هذه الفترة جميلة بالنسبة لي كطفل، حيث تتميز بقيق بترتيب أحيائها وتتوافر بها كفتيريا وحمامات نظيفة، وغرف مكيفة للسكن أيام الحر، وخدماتها ممتازة من حيث تشجير المنطقة وخدمات النظافة. وأحياناً نذهب إلى مناطق الترفيه هناك فنشعر بالسعادة.

أحياناً يمكث والدي رحمه الله في بقيق ثلاثة أو خمسة أيام أو أسبوع ثم نعود إلى الأحساء. فتذهب والدتي لزيارة أهلها في الهفوف فترة غيابه وتمكث يوماً أو يومين)
يتبع ….

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى