أقلام

ستفقده المنابر والشعائر .. الشيخ عيسى حباره

جاسم المشرف

حفروا فؤادي قبل أن يحفروا القبرا
ففجرت ينبوعاً من الدمع محمرَّا

وجرَّعتُ نفسي الصبر حتى كأنني
جديدٌ على الاحزان لم أعرف الصبرا

فَخفف مزار الطيف من غير جفوةٍ
فقد أرَّقَ التذكارُ قلب وما قرَّا

تزدحم الذكريات وتحتشد في الذاكرة، وبقدر ما فيها من جمال تطعن القلب بوجع الفقد، وحسرة الفراق.
كان أول لقاء بالشيخ عيسى حباره في قافلة التقوى للحج والعمرة بإشراف سماحة الشيخ حسين العايش(حفظه الله)، وكان أحد المرشدين هناك، وكنت أحد الإداريين والأمناء، ومنذ لقاءاتنا الأولى تشكلت حالة من الانجذاب المتسارع؛ لتقارب الأفكار والتطلعات، ولما وجدت في فضيلته من وعي وسمت واتزان وحلم وسمو أخلاق. تلك الصداقة التي تتنامى مع كل موسم حج أكثر من أي وقت مضى.

أصبح يطلب أن يكون في الحافلة التي تقلني، وأطلبه بالاسم، ويُغبط الحجاج الذين في معيته؛ لما في خطابه وإرشاده وتعليمه من إتقان وجاذبية وأخوية وود وأريحية.

وإذا ما جلس في عرفه في المشعر الحرام في منى وفي أي موطن وموقف تحلق حوله الشباب كالفراشات حول الضياء، وله مكانة في القلوب لا تنكر، يغبطه عليها أقرانه ومعارفه.

يفضي إليَّ بما يعتمل في نفسه من ألم وأمل وما يراه من رأي، وهموم اجتماعية، وأفضي إليه بما في نفسي، ونتفق على وحدة الموقف، ونتداول سبل التغيير، في ظل الممكن، وما نزال على قيد الأمل.

لا يحب مزاحمة أحد في دور وعمل، وإذا ما وجد طامعا وراغبا ترك المساحة له وانسحب بلطف.
يحمل روحا إيجابية محبة للحياة مليئة بالتفاؤل وحسن الظن بالله تعالى، وبعباده المؤمنين.

في السنوات الخمس الأخيرة ذاع صيته وبرز شخصه بعدما ملأ فراغا وسد حاجة ملحة في وسائل التواصل الاجتماعي وفي (سناب شات)على وجه التحديد، متحدثا في اللبنة الأولى لبناء المجتمعات(الأسرة)، ولأهمية الموضوع وسهولة الطرح ووضوح البيان والخطاب الودود والحرص على الإصلاح هيمن على القلوب، وأعطى تأثيرا بالغا في الشباب والفتيات والمجتمع عموما.

كان “الناس منه في راحة ونفسه منه في تعب”، لا يكاد يفتر جواله من الرنين من التساؤلات والاستشارات، يستقبلها بكل رحابة صدر ويبذل أقصى ما في وسعه؛ ليمحض مسترشده النصيحة.

في إحدى حواراتنا وفي طريقنا إلى منى في الموسم الفائت، كان يحدثني عن تجربته في(سناب شات)،ويلح عليَّ بخوض هذه التجربة، وقال لي: لم أصل لهدفي بعد، بعد أن ذكر عدد متابعيه، وأكد عليّ طلبه المتكرر في إعانته على توثيق تجربته كتابيا، فطلبته إعداد المسودة الأولية وزيارتي؛ لنرسم معا خطة البحث ونشرع في المشروع، وبدأ عمله وقطع مشوارا لا بأس به، ولكن القدر لم يسعفه.

ستفتقده المنابر والشعائر والمشاعر، ومجالس الذكر، ووسائل التواصل الاجتماعي

رحمه الله وحشره في زمرة الصالحين المصلحين والأئمة الطاهرين، وربط على قلوب أهله وذويه ومحبيه، ورزقنا وإياهم الصبر والسلوان(إنا لله وإنا إليه راجعون)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى