أقلام

الأثر والآثار

أمير الصالح

شغلني السؤال التالي فترة من الزمن: ماذا سأترك من أثر لمن بعدي من الأجيال القادمة؟ ولا سيما في سماء الممتدين انتماءً ونسباً وموطناً
وقومية من المحيطين بي؟ وهل يستحق الأمر التفكير فيه أصلاً؟ قد يكون نفس التساؤل يدور في ذهن بعض الناس. وقد يكون الجواب التالي يجري على ألسنة البعض من الناس: أنا لا املك مالاً وفيراً لأحدث أثراً ملموساً، ولا أملك نفوذاً لأحدث تغييراً لمجرى أحداث معينة، ولا أملك مختبراً علمياً لاجري أبحاثاً وأخرج بنتائج تفيد البشرية، ولم اُعطَ فرصة متكافئة لإدارة مركز علمي أو صرح حضاري متقدم أو شركة كبرى لأبرز أساليب ومهارات الإدارة الناجحة او لأطرح نظرية علمية/ اقتصادية/ اجتماعية ناهضة. وقد يقول آخر: أنا مجرد إنسان عادي وقضيت عمري ولم أعرف الممنوع من المسموح للخوض فيه أو الكلام عنه. وقد يقول آخر: أريد السلامة فكل قدراتي وطاقتي تتمحور حول السعي الحثيث لتجذير استقلالي عن الاستقطابات، مع بعض المحاولات المتواضعة في تأكيد ما يدور في خلدي من مشاريع ثقافية متواضعة الإمكانات المالية أو محدودة الأثر الزمكاني، مثل إصلاح ذات البين أو المشاركة في حملة تجميع مساعدات إنسانية للمحتاجين والفقراء. وقد يكون البعض من الناس ممن لا يوجد لديهم التساؤل ذاته لكونه يتشحط بعرقه، وبالكاد يجلب الطعام لعياله، أو على النقيض منه فهو منغمس في لذّاته وشهواته حتى أصبحت رباً يُعبد من دون الله تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.

قبل فترة طُرح سؤال عفوي في قروب واتس آب عن أهم آثار وأعمال شخص رحل من الدنيا، والراحل منسوب تصنيفاً لجهة علمية وثقافية. جاء إدراج خبر تأبين رحيله السنوي العشرين في القروب باعتباره سبباً لطرح بعض تلكم التساؤلات للوقوف على الإنتاج العلمي. ومنها طرح سؤال مفاده: ماهي أهم آثار الراحل العلمية وأعماله أو المواقف البطولية المدونة عنه؟ خفت وهج القروب من التعليق إلا شذرات بسيطة جداً، والغالب تفادى النقاش. بدأ لأول وهلة بأن الواضح بالنسبة لي هو أنه ليس هناك إنتاج علمي معتد به ومطبوع لشخص الراحل، أو أن هناك سجل حافل بالجرأة والنضال ولكنه لا يناسب توجهات زمكانية معينة، أو أن المؤبنين لرحيله على نياتهم ولمجرد المشاركة تم إرسالهم لنبأ التأبين أو لأشياء أخرى في نفس من أرسلها كتخليد المكانة الاجتماعية لأحد أصوله، أو التذكير بشهامة الراحل لاستلهام المواقف منها.

في الفترة الأخيرة، حاولت أن أجد تفسيراً لظاهرة كثرة التأبين ببعض الراحلين شبه المعاصرين من قبل أحفادهم مع انعدام الآثار العلمية لأولئك الراحلين، وإلى أي مدى سيستمر تجديد هذا النشاط السنوي. وهل هناك أي توظيف لتلكم المناسبات بشكل اجتماعي أو علمي أو تربوي أو أدبي؟

بات معلوماً بأن آثار الشعوب والأمم السابقة من مباني ومخطوطات جدارية وصحف هي شواهد العيان الناطقة بما خلدوا أولئك عن أنفسهم وتركو للعصور والأجيال اللاحقة. وهي الشاهد الناطق عما كانوا مساهمين به في الارتقاء الإنساني على جميع الأصعدة. وبات أيضاً معلوماً بأن هناك مجتمعات تم كبحها أو طمس معالم حضارتها بسبب تنمر المنتصرين عسكرياً عليها أو تمادي
واستطالة الكراهة الدينية بين مجتمع المستحوذ عسكرياً والمهزوم.
وأضحى جلياً كجلاء الشمس أن الإبداع والابتكار والتألق البشري لأي مجتمع في أي عصر يحلق في آفاق كبيرة عندما تكون سماء الحرية واحترام الحقوق وانتظام القوانين وتخطي حواجز العنصرية بكل أطيافها متاحاً للجميع.

ومع هذه العجالة فما يزال السؤال يدور في ذهني: ماذا سأترك أو تترك من أثر لمن بعدنا من الأجيال القادمة؟ وهل تأليف كتاب أو إطلاق رواية أو تبني مواقف
والجهر بها أو المساهمة في تكوين شركة تحتضن العاطلين من أبناء المجتمع هي القنوات الوحيدة لإحداث الأثر
وتخليد الآثار؟ وهل يستحق الأمر التفكير فيه أصلاً؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى