أقلام

الإفلاس

أمير الصالح

معظم نماذج العمل للشركات القائمة تبني فلسفة النمو للأعمال لديها على أسس متعددة، و منها على سبيل المثال لا الحصر:

– التدفق المالي المتنامي التاريخي الناتج عن المبيعات الرئيسة أو المبيعات الثانوية المتولدة من البيع الرئيس (طلبات)/المنتجات الثانوية (المشتقات)

– الأصول المتنامية في قيمتها بسبب نمو القيمة السعرية.

– الابتكار والتطوير ولا سيما في حقول شركات الأدوية والاتصالات.

– الندرة والاختصاص في النشاط التجاري أو المتاجرة/التصنيع في الموارد الطبيعية النادرة

– العقود المبرمة لأنشطة مستقبلية، وهذا حقل زاخر ولا سيما في أيامنا هذه في قطاع النفط واللحوم والقهوة والحبوب وحديثاً التنبؤ بسلوك المستهلك في مواقع جغرافية معينة.

– تسييل الأرباح المستقبلية على أنها أرباح حالية كما فعلت شركة الطاقة Enron

في عالم التجارة تبنى كل شركة نماذج الأعمال على إستراتيجية أو مزيج من الإستراتيجيات لإنجاز الأهداف المتوخاه في تحقيق العوائد المالية والأرباح. والمستثمرون من رجال الأعمال وكبار المتمكنين من المتقاعدين أو أصحاب الأموال أو صناديق الادخار ينجذبون للأسهم ذات العائد التشغيلي الدوري السنوي أو الارتفاعات في القيمة الاسمية وذات التدني في نسبة الدين/القيمة debt/ equity ratio . فيضع الكثير من الناس مدخراتهم وصناديق استثمارهم وحصيلة تقاعدهم في تلكم الشركات دون التدقيق في فلسفة الأرقام التي بُنيت عليها القوائم المالية.
الاعتماد على تقارير شركات التدقيق المالي كما كان سابقاً شركة آرثر أندرسون أو الأخوات الأربع الأخرى لم يعد شهادة أو صك نجاح كافية في نظر المستثمر الواعي لتزكية أعمال أية شركة في أي قطاع.

في أيامنا هذه، معظم الناس مصدوم بخبر إعلان عملاق تأجير السيارات، شركة هيرتز العالمية Hertz، إفلاسها. ثم تلاحق بخبر إعلان إفلاس شركة بيتزا هت،
وتوالت الأخبار عن إعلان إفلاس شركات محلية ودولية.
كثيراً ما يتناقل عبر الإذاعات والتغريدات إعلان إفلاس شركات عملاقة كشركة GE وشركة دلتا للطيران وغيرها من الشركات العالمية. وكثيراً ما ينطلق البعض في نقل صور متعددة لمفهوم إعلان الإفلاس دون تمحيص أو تدقيق للدلالات القانونية حسب تلكم الدول.

في أبسط دلالة الإفلاس في تلكم الدول المتقدمة، الإفلاس يعني عجز الشركة المعنية عن الوفاء بالتزاماتها المالية على مدى زمني قائم أو منظور في المستقبل القريب جداً، وعجزها في ذات الوقت عن أخذ أي قرض بنكي لنفاذ الضمانات، أو انكشاف الحسابات، أو اهتزاز واستنزاف سجل الثقة المالي، أو عدم وجود غطاءات مالية كافية، أو انهيار قيم الأصول. في هذه الحالات يحق لتلكم الشركة إبلاغ السلطات المالية في دولها رسمياً للبدء بإجراء إعلان الإفلاس قانونياً. وبذلك يضمن مجلس إدارة الشركة المفلسة قانونياً إعادة هيكلة الشركة المعلنة للإفلاس وحمايتها من المرافعات القضائية من ملاك الأسهم للشركة. حين إعلان الإفلاس في مقابل التزامات استيفاء متعددة النسب نحو حاملي الأسهم القائمة (القديمة) والملاك ما قبل إعلان الإفلاس مع جدول مفتوح للسداد. وهذا حد فهمي وقراءتي. وهناك قراءات كثيرة. ولإعادة هيكلة الشركة المفلسة تطرح أسهم جديدة، ويمكن تمويل الاكتتاب الجديد للشركة المنبعثة من ركام إفلاسها بإصدار أسهم جديدة.

هل يعني إعلان الإفلاس لأية شركة مساهمة وعالمية هو اختفاؤها من الوجود؟ حسب اطلاعي لا يعني إعلان الإفلاس تمام الاندثار، وإنما إعلان الإفلاس في أحد جزئياته حماية قضائية للشركة المعلنة للإفلاس من حاملي الأسهم الحاليين وإعادة إطلاق ذات الشركة بإصدار أسهم جديدة أو تصفيتها بالكامل. وهنا قد ترى أفول قيم أسهم من أيدي البعض، وبزوغ قيم أوراق مالية جديدة في ايدي البعض الآخر لمسمى ذات الشركة. السؤال المترتب على ذلك: هل كل إفلاس هو إفلاس مبرر بأداء السوق؟ أم أن هناك مكامن شيطانية يجني منها أطراف مستفيدة أرباح وأموال طائلة؟ هناك تحقيقات صحافية عالمية تثبت أن بعض التلاعبات في القوائم المالية لبعض الشركات المفلسة تتم بتواطئ من مدير تنفيذي ومدير مالي وأطراف متنفذه داخل ذات الشركة قبل إفلاسها. وتلكم التلاعبات المالية الاحترافية تنم عن ضعف الوازع الأخلاقي والمهني لبعض أصحاب النفوذ في قمة الرأس الهرمي بتلكم الشركات، فتذهب أموال المستثمرين إدراج الرياح والموعد في محاسبتهم يوم القيامة.

إذا تجاوزنا مفهوم الإفلاس المالي إلى الإفلاس الأكاديمي أو المهني أو الأخلاقي فإننا ننصدم أكثر وأكثر في حجم الانزلاقات التي توردها وكالات الأنباء، أو التي قد لا يتم تسليط الضوء عليها.
في واقع عالم التجارة، تشريع إعلان الإفلاس يأتي كمكافئة وتشجيع الجريئين وأصحاب العقول التجارية لاقتحام عالم التجارة والتخارج منه بسلام دون خسران ممتلكاتهم الشخصية. ولكن الإفلاس الأخلاقي والمهني وادعاء الإنسان أي إنسان ما لا يعرفه، وإسباغ ألقاب كبيرة وتنصيب البعض في مناصب تنفيذية قيادية على من هم معدمي القدرة والعلم والنتاج والضمير أمر يحتاج أن تُسن له قوانين أكثر صرامة لحماية المجتمع والعالم من آثاره وتبعاته المدمرة، وتجريم المخادعين والمنتحلين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى