أقلام

تحولات اجتماعية

عبدالرسول البحراني

لكل مجتمع خصائص ومميزات أو عادات وتقاليد تعطيه ملامح عامة يتميز بها ويتمسك بها أفراده ليتميزوا بها عن المجتمعات الأخرى، التي لها خصائص أو عادات إما مشتركة أو مختلفة.
عادة هناك تصنيف للمجتمعات شرقية وغربية، وهي تمثل سمات معينة متعارف عليها، حيث تم هذا التصنيف الجغرافي نظراً لما تتميز به هذه المجتمعات من مشتركات واختلافات. وهذا التصنيف يحيلك عقلياً لصفات معينة لكل مجتمع يتميز بها، وتكون غالباً مقاربة لكل المجتمعات المنتمية لهذا التصنيف.
وكتقريب للفكرة تميزت المجتمعات الشرقية بأنها محافظة أكثر من المجتمعات الغربية المنفتحة كسمة عامة تتبادر للذهن مباشرة، وتتفاوت في القياس حسب معايشة الفرد وثقافته وتنوع اطلاعه على العادات والخصائص والسلوكيات العامة لكل مجتمع.
المجتمعات الإسلامية والعربية تنتمي للجانب الشرقي من التصنيف، ومن السمات العامة التي تتميز بها المجتمعات الشرقية أنها محافظة على عادات دينية واجتماعية وأخلاقية وثقافية باعتبارها سمات عامة تتميز بها هذه المجتمعات عن الجانب الغربي.
لا أريد الدخول في مقارنات بين صفات المجتمعات، ولكن سأتطرق لبعض سمات المجتمعات المحلية التي ننتمي إليها والقريبة منا والمشابهة لنا في الصفات والعادات وما طرأ عليها من بعض التغيرات.
مثال على السمات العامة التي تتميز بها المجتمعات الشرقية أنها أكثر تمسكاً بتعاليم أديانها السماوية أو الوضعية وأعرافها فتتأطر سلوكيات ساكنيها وحياتهم ضمن الأطر التي تحددها دياناتهم وأعرافهم وتقالديهم التي توارثوها عبر الأجيال. وكذلك الأسرة لها قدسية كبيرة في هذه المجتمعات وتنتظم في علاقات وثيقة مابين الأب والأم والأبناء والأقارب، ومن ثم نبتعد قليلاً للأجداد والأعمام والأخوال ومن ثم الأقارب الأبعد. وأيضاً الأزياء التي يرتديها الناس بحيث تصبح علامة معروفة ربما تصل للتعريف بجنسية لابسيها ومعرفة بهوياتهم.
قبل عقود قليلة من التي عايشتها وعايشها أبناء جيلي ممن هم ما بين الأربعين والخمسين السنة، لاحظت تحولاً كبيراً في بعض عاداتنا التي تربينا عليها. وذلك راجع لأسباب كثيرة. أهمها -حسب تقديري- انفتاح العالم على ثورة الاتصالات التي جعلت مجتمعات منغلقة على نفسها تقريباً منفتحة على عوالم وثقافات وأعراف متنوعة ومتعددة ومختلفة. وطبيعة الإنسان هي التأثر والتأثير، ومن خلال هذه النافذة المطلة على العالم المختلف فمن الطبيعي أيضاً أن نرى هذا التغير في بعض عاداتنا وسلوكياتنا وخاصة بين الفئات الشابة التي تسنى لها الخروج والتعرف على ثقافات ومجتمعات ذات عادات مختلفة من خلال البعثات التي انفتحت على مصراعيها في العقدين الأخيرين شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً. وكي لا أطيل وأسهب في سرد ربما الكثير منا يعي أسبابه وتأثيراته يبقى السؤال المطروح:
ما موقفنا نحن أبناء عمر الأربعينات وأكثر من هذه التحولات وتأثيرها على أبنائنا؟
برأيي وكما أسلفت سابقاً أن التغير والتحول وعدم الجمود سنة كونية، وطبيعة البشر يؤثرون ويتأثرون فتتشكل عاداتهم وثقافاتهم وسماتهم وفق ذلك وبمقدار قوة التأثر والتأثير. وكأي مجتمع يتطور ويجاري عجلة التقدم والتغير، ربما تمردنا على بعض عادات آبائنا وممن سبقونا من الأجيال السابقة وربما يعيروننا بذلك. و ما تربينا واعتدنا عليه لم يعتد عليه أبناء الأجيال اللاحقة ممن هم في العشرين وأقل من أعمارهم ونراهم متمردين على عاداتنا وتقاليدنا. فعلينا كآباء وأمهات تفهم المرحلة واستيعاب هذه التحولات والتعامل معها كواقع. فلا نستطيع قسر أبنائنا على عاداتتا فينفروا منها ومنا ويبتعدوا عنا بحثاً عما ينسجمون معه ومع تغيراتهم الجديدة التي تتناسب مع تفكيرهم وميولهم وعاداتهم. وأيضاً هذا لا يعفينا من دور الرقابة والتوجيه والتعليم والتثقيف لنحمي أبناءنا من التأثر بما لا يتناسب مع معتقداتنا وأحكام ديننا وبما لا يكون شاذاً عما هو سائد اجتماعياً وما توافق عليه أبناء المجتمع الواحد.
كما ينبغي علينا أن نحافظ على الأطر العامة والرئيسة لشخصية مجتمعاتنا وتراثنا وأن نورثه لأبنائنا وننمي فيهم روح الاعتزاز بديننا وقيمنا وأخلاقياتنا ونجعلهم يتمسكون بالجميل والحسن منها بدل التمرد عليها بالكامل.
لكل جيل صفاته وشخصيته العامة والسائدة التي تميزه عن الأجيال التي سبقته والأجيال التي أعقبته فيلاحظ أنه تغير عما قبله وأن ما بعده تغير عما هو عليه وهكذا هي الحياة وطبيعتها علينا أن نتعايش معها ومع تغيراتها ولكن بانتظام وبشكل مقنن أيضاً.
لا يوجد قانون معين نسير عليه جميعاً، ولكننا نشكل القوانين التي تناسبنا وننسجم معها كفرد وأسرة ومجتمع. كل ما علينا هو التنظيم والتقنين لهذه التغيرات والتحولات والتعامل معها بواقعية وبتجرد تام. ماكان مناسباً ومنسجماً مع تعاليم ديننا أولاً وأعرافنا العامة فلا بأس من الأخذ به، وترك مساحة من الحرية لأبنائنا في اختياراتهم مع الرعاية والتوجيه والملاحظة.
يقول ابن خلدون: ( إن اختلاف الأجيال في أحوالهم إنما هو باختلاف نحلتهم في المعاش).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى