أقلام

ثرثرة الناس

فاطمة الشيخ محمد الناصر

طبيعة الانسان أن يتعاطى الآراء ويناقشها ويديرها في عقله، لذلك تتكون شخصية الفرد من خلال قدرته على غربلة ما يسمعه من الأحاديث والمرويات التي تتداول على ألسنه الناس، فالكل سيدلي بما لديه سواء طلب منه ذلك أم لا من باب النصيحة أو الثرثرة التي لا تخلو مجالسنا منها، وقد تكون تلك الأحاديث الدائرة لا تحمل في طياتها إلا الكثير من الآراء الشخصية التي لا تمت للحقيقة بصلة لأن لكل فرد منا في هذه الحياة بيئة حاضنة تأصل فيه رؤى معينه وتجربة تختلف مما تصنع واقعا قد لا تتوافق مع تلك الأحاديث والآراء الغير مدروسة من كثير من الجوانب إنما كما أسلفنا قد تكون للثرثرة أو النصيحة القائمة على التجربة الشخصية أو أنها ليست تجربة إنما نقلا عن أحاديث الآخرين ممن واكبوا تلك التجربة، وغالبا عملية نقل الأحاديث يعتريها الزيادة أو النقص.

البعض يستحضر أو يشير لأفعال أفراد قد مروا بنفس التجربة، لكن حين نستعرض تجارب الآخرين علينا أن نتفحص صفات الأشخاص ودوافعهم وثقافتهم وأخلاقياتهم وبيئتهم والكثير الذي قد نسقطه سهوا حين التبحر في حيوات الآخرين وما مروا، ومن المحتمل أننا لا نصيب أثناء استظهار التجربة ونبني بعض ما تأولنا على العاطفة، أي لا يمكننا حقيقة أن فلان فعل كذا وكذا لأننا فقط سمعنا من آخرين ولم نسمع منه تجربته وأيضا حين نحاول أن نستفيد من تجارب البعض علينا أن نبصر مقدراتهم الفكرية والسلوكية.

فهناك من يدخل كلام الناس في حياته الشخصية أي لا يخطو أي خطوة إلا يضع كلام الناس نصب عينه وكأن كلام الناس آية من آيات الله فيتعس نفسه ويتعس عائلته، وإن كان تحركه أو تحرك عائلته لا يخرج عن اطار الشرع أو المتعارف أو العمل الشخصي الذي لا يضر الآخرين، فإن كننا ننتظر الناس هي من تقيمنا من عدة نواحي فأين مخافة الله والوازع الذاتي الايماني، اذ بتنا نهتم برقابتهم وكلامهم ورأيهم!

قد يجد القارئ أن ما نقوله لا يوافقه لكن هناك الكثير من القصص التاريخية والاجتماعية تبين أثر كلام الناس النفسي على بعض الأشخاص سواء سلبا أو ايجابا ومن هنا اقتضى منا أن نشير إلى اعمال العقل قبل أن نجعل كلام الناس هو المحرك والمدير لحياتنا العائلية أو الوظيفية أو الدراسية، في سيناريو فلسفي كتبه مارك توين بين شاب وشيخ يتناقشون حول الدافع الوحيد للإنسان، يقول فيه الشاب متعجبا “وهل تعتقد أن رأي الناس باستطاعته أن يدفع برجل مسالم وجبان إلى أن…” فيجيبه الشيخ “يذهب إلى الحرب؟ أجل، يمكن لرأي الناس أن يدفع ببعض الناس إلى فعل أي شيء” مما يثير هذا الجواب استغرابا نزقا يدفعه إلى المزيد من السؤال قائلا ” لا أعتقد ذلك، أيعقل أن يدفع رأي الناس بإنسان مبدئي لفعل أمر غير لائق؟ أو يدفع بإنسان رحيم إلى ارتكاب عمل وحشي؟” كان جواب الشيخ بالإيجاب، مما دفعه أن يطلب من الشيخ أن يضرب له مثالا.

الشيخ مستعرضا مثالا ” كان ألكسندر هاملتون رجلا مبدئيا، ويعتبر المبارزة عملا فاسدا ومنافيا لتعاليم الدين، لكنه تبارز نزولا عند رأي الناس. كما يحب عائلته حبا جما، بيد أن وليحظى باستحسان الناس فارقها غدرا وخاطر بحياته تاركا أسرته بعده فريسة الأسى مدى الحياة، وكل ذلك كي يقف وقفة عز في عالم أخرق. وفقا للمعايير السائدة بين الناس آنذاك لم يكن بمقدوره أن ينعم بالطمأنينة وقد التصقت به وصمة العار”

من المثير للاستغراب أن يهب الله الانسان عقلا ليفكر به ويختار ما يحقق مسيرته الحياتية وفق متطلباته واحتياجاته، لنجده متوقفا عند كلام الناس حين يرغب أن ينجز أو يحقق شيئا مختلفا لكنه كما أسلفنا لا يخرج عن اطار الشرع أو الاختيار الذاتي، نعم يمكن أن نقول أننا يمكن أن نهتم لمن كلامهم ينم عن حكمة عميقة ويخافون الله حين يتكلمون ليس كل من ثرثر يمكن أن نجعل كلامه آية نلقيها على مسامع القاصي والداني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى