أقلام

بأي مرتبة تقرأ القرآن الكريم؟

أحمد الحمد

ونحن على أعتاب شهر القرآن الكريم ، شهر رمضان المبارك ، حيث تكثر فيه قراءة القرآن الكريم عن باقي الاشهر ، إلى جانب باقي العبادات والأعمال الصالحة ، لما في الشهر المبارك من أجواء روحية ، تتجلى أهمية قراءة القرآن الكريم وبصور ومراتب مختلفة ، ومهما كانت نوعية ومرتبة القراءة ، إلا أن فيها ثواب وأثار نفسية وروحية ، إضافة إلى الثواب العظيم ، وهذا ما يؤكده القرآن الكريم (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ) ، ولكن تتعاظم هذه الأثار كلما ارتقت مرتبة القراءة للقرآن للأعلى كما سنذكر.
أما التعاطي مع القرآن الكريم في حدود القراءة السطحية المجردة فقط ، هو تعاطي ضعيف ولا يرتقي إلى الرسالة والهدف الذي أُنزل من أجله (إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ) ، ولذلك نجد هناك مراتب مختلفة لقراءة القرآن بإختلاف تعاطي القارىء نفسه وتفاعله مع الأيات القرآنية ، وسنستعرض بعض هذه المراتب فيما يلي:

مرتبة القراءة السطحية

هذه المرتبة وهذا النوع من قراءة القرآن هي قراءة سطحية تشبه الى حد كبير قراءة أي كتاب عادي أو رواية أو مجلة ، بحيث يتعاطى القاريء مع القرآن الكريم من خلال كلماته وحروفه لغويا وكأنه يسرد قراءة أي موضوع عام ، وغالبا هذا النوع يخلوا من الترتيل والتلاوة الصحيحة والصوت الحسن وبالنتيجة يخلو من التدبر والفهم لمعاني الأيات الكريمة.

مرتبة القراءة بالتلاوة

هذه المرتبة من القراءة ترقى عن النوع الأول حيث تتعدى من القراءة اللغوية السطحية إلى التلاوة مع مراعاة القراءة الصحيحة وما أمكن من أحكام التجويد وما شابه ، إضافة الى الترتيل بصوت حسن وخاشع وهذا النوع من القراءة ممدوحة في القرآن ( وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا ) وفي السنة النبوية، ففي الحديث عن النبي صل الله عليه وآله (حسنوا القرآن بأصواتكم، فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسنا) ، وإن كانت هذه المرتبة جيدة إلا انها ليست القراءة المثالية.

مرتبة القراءة بالتدبر

لعل هذه المرتبة هي الامثل وهي تجمع ما بين كل المراتب والأنواع السابقة ، بل وهي التي تحقق المبتغى والهدف الذي اُنزل لأجله القرآن الكريم ، فالقرآن دستور حياة ولذلك قال عنه رب العالمين ( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ) ولا يمكن ان نفهم هذا التبيان الذي ذكره القرآن ما لم تتخطى قرائتنا للقرآن من السطحية وحدود التلاوة المجردة إلى التدبر والتمعن في آياته ، ولذلك حث القرآن الكريم على هذا النوع من القراءة (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ) ومن الآحاديث الرائعة المروية عن الامام علي عليه السلام (ألا لا خير في قراءة ليس فيها تدبر، ألا لا خير في عبادة ليس فيها تفقه)
ولو اردنا استعراض بعض الخصائص لهذا النوع من القراءة فممكن نذكرالنقاط التالية:

1- قراءة متأنية وبلغة صحيحة مع مراعاة التلاوة الجيدة والصوت الحسن.

2- أن يكون الهدف التمعن والتدبر بصرف النظر عن الكم من الأجزاء المقروءة.

3- التفاعل مع الأيات كما ترد ، فاذا مر القارىء على آية تتحدث عن الحمد ، توقف وحمد ربه وشكره ، وإذا كانت تتحدث عن الاستغفار ، توقف واستغفر ربه ، وإذا كانت تتحدث عن الجنة ، توقف وتوسل الله أن يكتبه من أهلها ، واذا كانت تتحدث عن النار ، توقف وسأل الله ان ينجيه منها وهكذا.

4- التوقف عند الآيات الغير مفهومة وقراءة التفسير المرتبط بالأية المعنية ، وتتيح تطبيقات القرآن في الهواتف الذكية هذه الميزة بحيث تمكن القارىء من تلاوة القرآن والتدبر فيه بمجرد الضغط على التفسير عند نفس الآية وقراءة التفسير وفهم معاني الأية من ثم الرجوع للقرآن ومواصلة التلاوة.

5- التفكر في الآيات القرآنية وربطها بحاضر وحياة القارىء ، فإذا توقف عند آية قرآنية تدعوا للأخلاق الحميدة كالصبر والحلم والعفوا وما شابه قارن ما تدعو اليه الآية بنفسه واذا وجد نفسه بعيدة عما تدعوا اليه الاية ، اخذ على نفسه العهد بأمتثال اوامر الله ، وبالمثل اذا ما توقف عند آية تنهى عن المحرمات كالظلم وانتهاك الحقوق وإذاء الناس وما شابه ، استغفر ربه وعاهد نفسه بالأقلاع عما تنهى عنه الاية الكريمة ، وهكذا يظل يتعاهد نفسه بالأقبال على الصالحات والامتناع عن المحرمات مع مروره وتوقفه على الايات الكريمة حتى يتحقق التطابق ما بين ما يدعوا إليه القرآن وما بين حياة وسلوك القارىء كما ورد في الحديث عن النبي صل الله عليه وآله: (أنت تقرأ القرآن ما نهاك، فإذا لم ينهك فلست تقرأه) وما عدا ذلك ، ستكون هناك فجوة ما بين القرآن وقارئه ولربما انطبق عليه الحديث التالي المروي عن النبي صل الله عليه وآله (رب تال القرآن والقرآن يلعنه).

6- فهم علوم ومعارف الآيات القرآنية الكريمة قدر ما أمكن ، وأيضا هنا ياتي دور التفسير وبالذات التفسير في أجهزة الهواتف الذكية التي تمكن القاريء من التلاوة والرجوع للتفسير بنفس الوقت دون عناء ، وبهذه الطريقة يزداد للقرآن فهما وادراكا ، كما تتوسع معارفه وثقافته من علومه ، ومن الاحاديث الجميلة المروية عن النبي صل الله عليه وآله في هذا الصدد (أعربوا القرآن والتمسوا غرائبه ) ، وايضا حديث آخر عن الإمام زين العابدين علي ابن الحسين عليه السلام (آيات القرآن خزائن العلم، فكلما فتحت خزانة فينبغي لك أن تنظر فيها)

بهذه المرتبة من القراءة ، يكون القارىء حقق كل الاهداف المرجوة من تلاوة القرآن الكريم سواء بالقراءة والتلاوة أو بالتدبر والتمعن والفهم للقرآن الكريم وهذا ما يدعوا إليه القرآن وتدعوا له السنة النبوية وسيرة أهل البيت عليهم السلام ، وإذا تدرب وتعود عليها ، سيجد القاري جاذبية ولذة وجمال نفسي وروحي وعقلي فيها ، ولربما يجدر بالتذكير أن هذا النوع من القراءة قد لا تتيح للقاريء ختم القرآن في اسبوع أو في شهر ، وهذا ليس مهم ، بل الأهم تحقيق الغاية التي ارادنا الله ان نتعاطى بها مع القرآن الكريم (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) من خلال قراءة مثالية تجمع ما بين القراءة الصحيحة والتلاوة الجيدة والتدبر والتمعن في آيات القرآن ومن ثم السير على نهجه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى