أقلام

بِنى القصيدة في شعر عبد المنعم الحجاب

عبد الله طاهر المعيبد

١- بُنية اللغة الشعرية: وهنا سأتناول عنصراً واحداً من بين عناصرها وهو المعجم الشعري، وأعني به المذاق الخاص لشاعرية عبد المنعم الحجاب، الذي منحَ أسلوبه بصمته الخاصة وشكّل ذاكرة لغوية حاضرة الصدى في أعماله الشعرية، فانتقل بالمفردة من حقلها الدلالي إلى حقلها الجمالي ليكوّن له عالماً شعرياً يميزه.
ولنأخذ على ذلك عدة شواهد في شعره، تتكئ على الموروث الديني واستطاعت أن تبتكر معجم شعري خاص به:

اللطمه فرضك وايدي صلّت ركعتين
سيدي التكبيرة چانت: يا حسين
صدري لمصلايه
واقرا اِسمك آيه

وفي قصيدة أخرى يقول:

كبّرتْ باسمك علامات الظهور
وسجد عرش الله سجدة شكره

ونجده في قصيدة ثالثة يقول:

شفنا يمك واگفه التسع المنارات
اتصلّي خلفك سمعاً وطاعه ابسكينه

وله في قصيدة عن الأم:

يا نبيّه
وشايله احضانچ رساله
انتي من فاطم سلاله
صلت الدنيا على گلبچ وآله
يا نبيه

لو تتبعنا مثلاً مفردة (صلاة) لوجدنا أن عبد المنعم قادر على أن ينقلها من حقلها الدلالي بانزياح وخروج عن المعنى المألوف إلى حقل جمالي أرحب، فاللطمة التي تُطبع على الصدر عبادة وخشوعاً وانكساراً على مصاب أبي عبد الله الحسين (ع) هي أيضاً صلاة في بعدٍ آخر ، وهكذا في بقية الأبيات.

٢- بُنية الصورة الشعرية: وهنا سأتناول عنصر التفاعل النصي في قصيدة عبد المنعم الحجاب أو ما يسمى بالتناص، ففي نصوصه المختلفة ثمة حالة من التعالق مع نصوص معرفية أخرى مخزونة في لاوعيهِ المبدع، ومن خلال معرفتنا بالنصوص التي انطلق منها في عمله الإبداعي سنفهم نصه وستكون لنا القدرة على تحليله وتفكيكه وإعادة تركيبه.
وتظهر أمثلة ذلك جلية في عدد من قصائده ومنها قصيدة (صبر ثلاثي الأبعاد) :

انته (يوسف) والگلب (يعقوب)صار
ارجع وخفِّفْ ألم (يعقوبنا)

واحنا (أخوة يوسف) وهالغيبه ذيب
اتلطّخ بدم غيبتك هَمْ ثوبنا

وهم (زليخة) احنا نعشگك واللهِ حيل
ونعتذر يالمهدي منّ اسلوبنا

هنا تفاعل نصي مع النص القرآني في (سورة يوسف) وهو هنا يلغي الفواصل والحدود بين الشخصيات والأحداث فتتحد التجارب وتختلط الوقائع ما يجعل النص ملتقى لأكثر من زمن وأكثر من دلالة … بهذا الشكل:

يوسف: الإمام المهدي (عج)
أخوة يوسف:نحن الذي أخّرنا ظهوره بفعالنا
يعقوب: قلوبنا الوالهة والمتألمة التي لا ترتضي فعالنا
الذئب: الغيبة
امرأة العزيز: نحن الذين شغفنا الإمام الحجة (عج) حباً ولكننا أخطأنا في أسلوبنا كما أخطأت زليخا لذلك نعتذر عما بدر منا .

٣- بُنية الإيقاع الشعري: وهنا سأتناول عنصر الإيقاع الداخلي في شعر عبد المنعم الحجاب فالإيقاع في النص الشعري لا يرتكز فقط على الوزن والقافية وإنما ثمة موسيقى أخرى تنبع من أعماق النص المشحون بالدهشة وصور التضاد والمفارقة التي تنبثق من المناخ الدرامي للنص الشعري.

فلو أخذنا قصيدة (الحزن الجميل) في الإمام الحسين (ع) سنجدها تعتمد على تركيز الإيقاع في بؤر صوتية معينة فصوت (الشين) بترديده العالي وإثارته اللافتة يتكرر على نحو مثير للانتباه استجاب لإيقاع الفكرة التي نهضت عليها القصيدة :

( الحزن الجميل )

مِد لي چفك .. خذني من فكرة بچاي
أرد اعيش اگبال جرحك نزف ليل

مِد لي من بعضك سُحُب مابيها ماي
من ضماك امبلّله وتشرب رحيل

أرد اعيش اوياك لو عدة جروح
ياجمال الحزن ويـ الحزن الجميل

ياللي غيّرت الطبيعه بذات يوم
الممكن اصبح من طحت شي مستحيل

عالنهر من وگّفت ما ردت ماي
رايد تعلّمه شنهو السلسبيل

الهوا من شافك امرصّع جروح
النسيم لهذا صار اسمه “العليل”

تمشي بالطف خطوه خطوه ومادروا
شايل الدين وتخاف انه يميل

من صِهَل مهرك واجا صوب الخيام
چان يقرا لك نعي بذاك الصهيل

يالطحت للأعلى واتخط الخلود
وتارك النا الدم رساله لكل جيل

خَذنا مكتوبك رسالة خدمه ليك
بكل زمن لك صرنا (مسلم بن عقيل)

ما نبدلك حاشه إلا بشرط كُون
تصير انته لـ إنته مولاي البديل

يالقليلك بينا متوزّع كثير
اكثيرنا بحگك يبوالاكبر قليل

اموزِّع اعلينا العطش بواليمه ماي
(وجعلنا) نازله بحگك دليل

كل شي شفنا ايخدْمك وهم بالسماء
فارش اجناحه مضايف جبرئيل

ما حرقنا لك سعف طبخ المضيف
حتى شفنا اويانا ” خدام النخيل ”

إن صلة الشعر بالموسيقى صلة مصيرية غير قابلة للفصل مطلقاً ويمكن حشد إيقاع صوت (الشين) في القصيدة خطياً بالشكل الأفقي التالي ( أعيش/تشرب/شافك/تمشي/شايل/حاشى/بشرط/العطش/شي/فارش/شفنا…..)
وكل ذلك ضاعف من طاقة النص الإبداعية الإيقاعية.

من هنا يمكن القول بأن نصوص عبد المنعم الحجاب تذوب في تلك النقطة التي تشكل عالمه الواقعي والداخلي، مضمناً قصائده صوراً جديدة وتراكيب متفردة، ومفردات مبتكرة تقوم على المحسنات البديعية والتجريب والدهشة وكل ذلك يجعلنا نتوق لسماعها أو قراءتها والتحليق معها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى