أقلام

متى بدأ مأتم الحاج حسن النمر (مأتم النمر)؟

 

ترد إلي دائما وخاصة خلال الموسم العاشورائي عدة تساؤلات من المؤمنين حول تاريخ “مأتم النمر” المشهور باسم مأتم الحاج حسن النمر وبداياته. حيث وصلتني العديد من التكهنات والآراء عن بداية المأتم والمكان الجغرافي الذي بدأ فيه نشاطه. فكان ذلك دافع لكتابة هذه السطور لإيضاح البداية التاريخية لهذا المأتم العريق الذي يعتبر أقدم مأتم حسيني موجود في حاضرة الدمام في وقتنا الحالي، وأحد أهم مآتمها الذي حافظ على مكانته بينها، حتى أن من مسمياته مأتم أهل الدمام.

لكي نستطيع تحديد البداية التاريخية للمأتم، لابد من تناول محورين رئيسين. المحور الأول هو معرفة الفرق بين المأتم والوقف. المحور الثاني هو هل مأتم الحاج حسن النمر يعتبر امتدادا لمأتم والده المرحوم الحاج محمد الحسين النمر أم لا.

ماهو الفرق بين المأتم والوقف؟

المأتم هو المكان الذي تنعقد فيه قراءة مصيبة الإمام الحسين (ع)، ويجتمع فيه الناس لذكرها، والبكاء عليه (ع). أما الوقف فهو عين يحبسها الواقف، لكي ينفق ريعها على غرض محدد أو جهة معينة. فالأوقاف الحسينية على سبيل المثال تنفق على المآتم الحسينية وتمولها حسب الجهة التي حددها الواقف.

من هذا التعريف يتضح أن المأتم والوقف شيئان مختلفان رغم تداخلهما. حيث أن كثيرا من المآتم الحسينية تقام بتبرعات القائمين عليها، وبذلهم من مالهم الخاص دون الاستناد إلى وقف. كما أن هناك أيضا الكثير من الأوقاف الحسينية التي لا ترتبط بمآتم محددة إذ يخصص الوقف لمناسبة أو ليلة بذاتها من دون ربطه بمأتم بعينه.

الهدف الأساسي لذكر الفرق بين المأتم والوقف هنا هو لتبيان أنه ليس بالضرورة أن يكون الوقف هو نفسه المأتم، حيث يمكن لمأتم واحد أن يحتوي على عدة أوقاف. على سبيل المثال، فإن مأتم الحاج حسن النمر محور حديثنا تصب فيه 4 أوقاف على الأقل خلال موسم عاشوراء بخلاف تبرعات ونذور المؤمنين. وهذه الأوقاف هي: وقف المرحوم الحاج محمد الحسين النمر وهو الوقف الرئيسي الذي يصرف منه طوال أيام عشرة محرم، وقف المرحوم الحاج حسين بن أحمد “النمر” لليلة التاسع، وقف عائلة المسلم لليلة الثامن، ووقف المرحوم الحاج عبدالله بن محمد المسلم لليلة الرابع. كما يمكن لوقف واحد أن يغذي عدة مآتم مثل وقف المرحوم الحاج حسين بن أحمد الذي يصرف على عدد من المآتم الحسينية المختلفة في ليلة التاسع.

وبالتالي، فإن مأتم الحاج حسن النمر حاليا يجمع بين الاثنين، المأتم والوقف. فالمأتم يعقد سنويا في عاشوراء لذكر مصيبة الإمام الحسين عليه السلام، كما أن من أهم مصادر تمويله هو وقف المرحوم الحاج محمد الحسين النمر.

هل مأتم الحاج حسن النمر هو امتداد لمأتم والده محمد الحسين؟

من المعروف أن أول ظهور لمأتم الحاج حسن النمر في الدمام كان في الديرة (حي الدواسر حاليا) بحدود عام 1377 هجري، أما مأتم والده المرحوم الحاج محمد الحسين فقد ظهر في منزله الكائن في محلة الشعبة بمدينة المبرز بالأحساء، ومن المرجح جدا أنه كان موجودا قبل منتصف خمسينيات القرن الرابع عشر الهجري (وربما قبله بسنوات) أي قبل أن يرسي قواعد وقفه كما تبين وثيقة الوقف المؤرخة في 22 ذي القعدة عام 1358 للهجرة.

وحتى يتم تحديد تاريخ بداية المأتم بدقة، لابد من الإجابة على هذا التساؤل! هل مأتم الدمام هو امتداد لمأتم الأحساء؟ وللأمانة العلمية، ولكي لا أبخس أحدا حقه، فإني لم أقم بتحديد البداية التاريخية بدقة لأَنِّي لم أتأكد من الإجابة على هذا التساؤل! لذلك فنحن أمام ثلاث فرضيات.

الفرضية الأولى: أنهما كانا مأتمين منفصلين

تتحقق هذه الفرضية إذا كان عقد مأتم الدمام قد تم بشكل منفصل عن مأتم الأحساء. وهذا يعني أنه كان هناك مأتمين مختلفين سواء أكانا يعقدان في نفس الفترة الزمنية أم لا، وحتى لو كان الوقف الأساسي المغذي لهما هو وقف واحد. اعتمادا على هذه الفرضية، تكون بداية مأتم الحاج حسن النمر من الدمام بحدود عام 1377 هجري كما يظهر في شعار المأتم، وهذا هو الحد الأدنى لعمر المأتم.

الفرضية الثانية: أنهما مأتم واحد

تتحقق هذه الفرضية إذا كان مأتم الأحساء قد تم إيقافه في الأحساء قبل أو مع نقل المأتم إلى الدمام، وأعيد فتحه أو تم نقله إلى الدمام بحدود عام 1377 هجري. اعتبار صحة هذه الفرضية يعني أن مأتم الحاج حسن النمر هو امتداد لمأتم والده المرحوم محمد الحسين، فتكون بذلك انطلاقته في المبرز بالأحساء منذ عام 1359 هجري على أقل تقدير.

الفرضية الثالثة: أنهما كانا مأتمين منفصلين وتم دمجهما في مأتم واحد

تتحقق هذه الفرضية اذا كان مأتم المرحوم الحاج محمد الحسين النمر قد انتقل إلى الدمام من بعد تأسيس مأتم ابنه الحاج حسن النمر في الدمام.

ولهذه الفرضية تسلسل تاريخي منطقي حيث أن الحاج حسن النمر استقر في مدينة الدمام بحدود عام 1375 هجري قبل انتقال بقية أفراد عائلته إليها. حيث لم تنتقل العائلة بالكامل من منزلهم في المبرز بالأحساء لتستقر في الدمام إلا عام 1382 هجري، أي بعد 7 سنوات من انتقاله. والأرجح (باعتماد صحة هذه الفرضية) أنه قد تم نقل مأتمهم معهم إلى الدمام وتم دمج المأتمين في مأتم واحد بحيث يكون لكل منهما تاريخ بدايته المستقل، مأتم المرحوم الحاج محمد الحسين في المبرز بالأحساء عام 1359 هجري على أقل تقدير، ومأتم الحاج حسن النمر بالدمام بحدود عام 1377 هجري.

في الختام، ننوه إلى أن الهدف من مناقشة هذه الورقة البحثية التاريخية هو الإجابة على التساؤلات ولرفع اللبس وتوضيح احتمالات البداية التاريخية لمأتم أهل الدمام، وفتح المجال لأي رأي آخر أو حدث تاريخي يوثق أحد الآراء أو يرجحها، والله ولي التوفيق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى