أقلام

إجازة الرواية عند العلامة الشيخ عبد الهادي الفضلي المنهج والخطوط الرئيسة 2/2

أحمد عبد الجبار السميّن

3 ـ الظواهر العلمية والفنّية في إجازات العلامة الفضلي
في معرض رصد النّقاط المنهجية فيما صدر من إجازات من العلامة الفضلي يمكننا الحديث عن إطارين أساسيين فيها، وهما: البنية الفنية والهندسية في كتابته للإجازة، والفوائد العلمية التي طعّم بها ما يصدره من إجازات.

أوّلًا: البنية الفنية والهندسية لإجازة الرِّواية
بداية لابدّ من ذكر أنَّ الإجازات التي أصدرها العلامة الفضلي كانت بصورتين: (الإجازات مختصرة) و(الإجزات المتوسطة)، ولم تصدر عنه أيّ إجازة كبيرة بالمعنى المصطلح الذي أوضّحناه أعلاه، وإن كانت الإجازات المتوسطة عنده تفاوتت في توسّطها.

لقد اعتمد العلامة الفضلي في كتابته للإجازات على عناصر أساسية شكّلت البنية والهيكل لإجازاته، يمكن جمعها في ستة عناصر، وهي بحسب التَّرتيب في الإجازات المتوسطة:

1- الافتتاحية:

ينطلق العلامة الفضلي في كاتبة الإجازة بعد البسملة والصلاة على رسول الله وآله (صلى الله عليهم أجمعين) بمقدّمة أشبه بمقدّمات المقالات العلمية، يعرّف فيها ببعض العناصر المرتبطة بالإجازة أداة أو مادّة؛ والملاحظ أنَّه تناول أحد موضوعين أو كلاهما، وهما:

1-1- إضاءات حول الحديث الشَّريف عند الإمامية:

تناول في افتتاحياته مجموعة من الفوائد الحديثية التي هي بمثابة الغاية من إجازة الرِّواية، فهي جاء لغرض حفظ ونقل الحديث الشَّريف ـ كما أوضحناه فيما سبق ـ، فكان من المهم إعطاء إلمامة حوله.

هذه الإضاءات تتناول: تأريخ تدوين الحديث عند الإمامية بدءًا من الأصول الأربعمائة فما بعدها، أهمّية وموقع الحديث الشَّريف في التَّشريع الإسلامي عمومًا وما يرتبط به بوصفه أحد أهم مصدريّ الأحكام الشَّرعية، مجموعة الموضوعات الكلامية المرتبطة بالحديث، التأصيل لإجازة الرِّواية من خلال الحديث، وغيرها من المتناثرات الحديثية.

1-2- مدخل منهجي مرتبط بطرق نقل الحديث وإجازة الرِّواية على وجه الخصوص:

تناول مجموعة من المداخل المنهجية في محاولة منه لإعطاء موقع الإجازة من طرق نقل الحديث، والكشف عن دورها في الثقافة الإسلامية،وأهمّ تلك المداخل: تعداد طرق نقل الحديث الشَّريف عند المسلمين، التَّعريف بإجازة الرّواية، تاريخ إجازة الرّواية، ذكر أهمّ أنواعها وأقسامها، ونماذج من هذه الأنواع والأقسام.

بهذاين العنصرين يكون الدكتور الفضلي قد أنهى المقدّمة التي يفتتح بها إجازته.

2- التّعريف بالمجاز:

ينتقل بعدها للتعريف الإجمالي والمقتضب بالشَّخص المجاز بذكر اسمه ونسبته إلى موطنه الأصلي كالقطيفي والأحسائي والكربلائي و… والإفصاح عن معرفته المسبقة به من خلال ذكر بعض خصوصياته الشخصية كجِدّه في طلب العلم أو استقامة سلوكه وهديه أو وفرة ذكائه أو نشاطه العلمي والثقافي كالخطابة والتأليف و… وأهيّته للإجازة.

3- نص الإذن بالرّواية:

​في هذا العنصر يبدأ العلامة الفضلي بالإذن للمجاز بأن يروي عن طريقه الكتب والمصادر والرّوايات و… ويمكن أن نرصد نوعين من موضوع إجازاته: المصادر القديمة للإمامية وغير الإمامية، ونتاجاته العلمية والثقافية.

في النوع الأوّل وجدنا أنه ذكر عددًا كبيرًا من المصادر الحديثية الإسلامية الإمامية وغير الإمامية:

– الكتب الأربعة: الكافي، من لايحضره الفقيه، التهذيب والاستبصار.
– المجاميع الحديثية الأربعة: الوافي، بحار الأنوار، الوسائل ومستدرك الوسائل.
– نهج البلاغة.
– الصحيفة السجادية.
– المصادر الحديثية السنية: الصحاح والسنن والمستدركات والمسانيد.
– مؤلفات قدماء الإمامية: ابن ابي عقيل، ابن الجنيد، الصدوقين، المفيد، الشريفين، الطوسي.
– مصادر اللغة العربية: كتب الخليل بن أحمد والأخفش وسيبويه والمبرّد وابن دريد وابن جنّي والفارسي والجوهري.
وهنا لابد من ذكر أنَّ هذه المصادر لم تُذكر على نحو التفصيل في كل الإجازات، وإنما هذا مجموع ما ذكره في كلّ الإجازات.

وفي النَّوع الثاني وأعني به رواية نتاجه الثَّقافي والعلمي الشامل للكتب والرسائل والبحوث والمقالات والمحاضرات والمقابلات والأجوبة والردود، وقد ذكر هذا النوع الثاني في إجازتين فقط: إجازته للشَّيخ محمد عُمير القطيفي على نحو التَّفصيل (لاحظ الإجازة 13)، وفي إجازته لي على نحو الإجمال (لاحظ الإجازة 16).

وهذه إضافة نوعية لم نشهدها في الإجازات الحديثة المعاصرة.

4- طريق الرِّواية:

أوضحنا فيما سبق أنَّ العلامة الفضلي لم يستجز إلّا شيخه الآقا بزرك الطهراني، فطريقه في الرَّواية واحد؛ في هذا المقطع من كتابته للإجازات المتوسطة يعدِّد مشايخ شيخه، ثمّ يذكر أحد طرقه كاملًا المنتهي إلى الشَّيخ الصدوق (306هـ ـ381هـ):

والملاحظ أنَّ الطرق التي ذكرها تفصيلًا في كل إجازته، هي:

أوّلًا، طريق الشيخ الطهراني إلى المصادر الإمامية:

1- عبر السيد أبي الحسن الخوانساري.
2- عبر الميرزا حسين النوري.
3- عبر شيخ الشريعة الإصفهاني.
4- عبر السيد حسن الصدر.
وكلهم ينتهون في أسانيدهم وطرقهم إلى الشيخ الصدوق.

ثانيًا: طريق الشَّيخ الطهراني إلى المصادر السّنية:

1- عبر الشيخ محمّد علي بن الشيخ حسين بن إبراهيم المغربي الأصل الذي ينتهي إلى: الشيخ سليم البشري المالكي، والشيخ عبد الرحمن الشربيني الشافعي، والشيخ أحمد بن محجوب الرفاعي، والشيخ حسين الطرابلسي، ولكل واحد منهم ثبت بأسانيده وطرقه.
5- الوصية:

مما دأب عليه المجيزون ختم إجازتهم بوصيّة المجاز، يذكّره فيها بالسلوك القويم والثبات على جادّة التقوى والدعاء للشَّيخ المجيز.

وقد سار العلامة الفضلي على ما سار عليه سلفه من المجيزين في الوصية، وأهم ما كان يركّز عليه هو:

– ملازمة الاحتياط.
– ملازمة التقوى.
– عمارة القلب بذكر الله تعالى.
– الدُّعاء له في الحياة وبعد الممات.
– الزّهد في الدنيا والابتعاد عن مغرياتها.
– جعل رضا الله تعالى هو المقياس في القول والعمل.
– النشاط في الدَّعوة إلى الله في كلّ الظروف.
– التَّثبت في نقل الرواية.
6- تاريخ الإجازة:

وهذه الخاتمة من أجل التأريخ لصدور الإجازة، وهي إما أن تكتب بالأرقام أو كتابة.

هذا كلّه في (الإجازات المتوسطة)، أمّا إجازاته المختصرة فقد سار في تدوينها على وِفق هذه المعالم باستثناء الافتتاحية التي يحذفها أو تكون مختصرة جدًا، وفي بعضها استثنى طريق الرّواية بشكله التفصيلي واكتفى بإشارة إجمالية إلى مصادر الرجوع إلى طريق شيخه.

هذه ستة معالم أساسية يمكن القول بأنَّها أشبه بأصول كتابة إجازة الرِّواية عند العلامة الفضلي، بل ربما عند غيره من المجيزين مع اختلاف في التفاصيل والتقديم والتأخير والعرض.

ثانيًا: الفوائد العلمية
​لقد تضمّنت هذه الإجازات الصادرة من قِبل شيخنا الفضلي فوائد أودع أغلبها في افتتاحياته، والغالب فيها ارتباطها بالحديث الشريف وعلومه، فبعضها فوائد منهجيّة وأخرى عرض معلوماتي.

​سوف استعرض هنا مجموعة من الفوائد التي رصدتها، من دون الحديث حولها؛ لأنّها تحتاج إلى متابعة تفاصيلها في كتبه وبحوثه ومقالاته، ربما يكون هذا تمهيدًا لآخرين أن يتناولها بالبحث والدراسة.

1. يذكر شيخنا الفضلي أن ما صدر من إجازات رواية عن شيخه العلامة الطهراني تجاوز 2000 إجازة؛ لهذا عبّر عنه بأنَّه (شيخ محدّثي أصحابنا على الإطلاق)، وأنَّه بجانب السَّيد المرعشي النجفي أنتهت إليهما مشيخة الإجازة في العصر الحديث.

2. يرى العلامة الفضلي ـ كما هو الرائج في أوساط علماء الحديث ـ أنَّ الغاية من إجازات الرواية مرّ في مرحلتين:

المرحلة الأولى: قبل تدوين الموسوعات الحديثية الكبرى عند الإمامية، وأهمّ غاياتها في هذه المرحلة:

– توثيق الرَّاوي المجاز.
– استمرارية تسلسل الاتصال بالنبي والأئمة.
– اختيار الرَّاوي الضابط في النَّقل والتَّدوين .
– التَّأريخ لرجالات الرِّوايات والإجازات.
– الفهرسة للكتب والرَّسائل والمقالات المرويّة.
– معرفة حلقات سلاسل الرِّوايات بتعيين طبقة ومركز الرَّاوي بين مَن يروي عنهم ومّن يروون عنه.
– تقييم طرق الأسانيد والمشيخات بالتَّوثيق أو اللّاتوثيق.
– تدوين النّكات العلمية والدَّقائق الفنية في فكر ومنهج الرَّاوي ونقل وتحرير الرِّواية.
– أنَّها مرجع في العديد من الحقول المعرفية كالتاريخ والتراجم والرجال والرواة والحديث والرواية وفهرسة الكتب ةتوثيق نسبتها إلى مؤلفيها وتحديد عصورهم وبيئاتهم الاجتماعية والثقافية.
المرحلة الثانية: وهي ما بعد تدوين تلك الموسوعات، فأهمّ فائدة للإجازات تبرز في: التَّشرف والتَّيمن في الدخول في سلسلة حَمَلة أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) التَّأسي بالسَّلف الصالح.

3. إنَّ المصادر الحديثية الإمامية الكبرى: الكافي، مَن لا يحضره الفقيه، التهذيب، الاستبصار، الوافي، الوسائل، بحار الأنوار ومستدرك الوسائل تحوي كلّ أو جلّ ما رُوي عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، وأنَّها كافية إلى الحدّ الذي تغطّي احتياجات الأمة في الأحكام الشرعية في العقيدة والفقه والأخلاق والموعظة وغيرها.

4. إنَّ روايات أهل البيت (عليهم السلام) هي مرويات عن رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله)، وهذا ما فصّله في كتابه الأصولي الكبير (دروس في أصول فقه الإمامية).

5. التَّعريف بشيخه آقا بزرك الطهراني في مسيرته العلمية وجهوده الثقافية.

وغيرها مما أشار إليها في تضاعيف إجازاته.

4- كتاب (جامع إجازات الرِّواية)
اتَّضح مما سبق شيء من اهتمام العلماء بشأن إجازات الرِّواية، بإجازة الطلاب ومحاولة نشر الطرق الموصلة إلى الكتب والمصادر الإسلامية، وهذا تحقيق أساسي لواحد من أهم أغراض الإجازات.

وهناك اهتمام آخر سعى فيه بعض العلماء للحفاظ على هذه الإجازات؛ وهو من خلال جمع الإجازات في كتب، والذي يبدو أنَّ هذا أوّل ما تم ـ بحسب (الذَّريعة 1: 123) ـ كان مع السَّيد رضي الدين علي بن طاووس والشَّيخ الشَّهيد الأوّل ثمّ الشَّيخ الشَّهيد الثاني، لتتالى مشاريع جمع إجازات العلماء.

لقد عدَّد الشَّيخ آقا بزرك الطهراني في كتابه (الذَّريعة 1: 123- 131) 27 كتابًا جمع فيها مؤلِّفوها الإجازات الصادرة من العلماء.

والذي يبدو أنّها لم تختصّ بالإجازات الصادرة من شخص واحد، وإنَّما تحتوي على مجموعة من الإجازات من أشخاص متعدِّدين لإشخاص متعدِّدين.

وهناك مشاريع لجمع الإجازات الصادرة من شخص واحد، كالسيد أحمد الحسيني الذي جمع الإجازات الصَّادرة عن العلامة المجلسي بعنون (إجازات الحديث التي كتبها شيخ المحدّثين محيي معالم الدين المولة محمد باقر المجلسي (1038هـ – 1110هـ)).

وفي هذا السِّياق كان شيخنا العلامة الفضلي يجمع الإجازات التي أصدرها منذ (1410هـ) في ملف خاص به، وقد صدّر هذا الملف بفهرست ذكر فيه أسماء المجازين إلى سنة 1427هـ.

إنَّ هذه الإجازات تشكّل واحدة من التَّركة الثَّقافية التي تركها شيخنا العلامة الفضلي شاهدة على جهوده التي بذلها في خدمة الثَّقافة والتراث الإسلامية؛ وهذا ما شدّ من عزمي في إعداد وتنظيم هذه الإجازات بعد أن تفضّل ورثة شيخنا الفضلي بإرسل نسخة من مخطوطته لهذه الإجازات.

فكان إخراجها كما تراه ماثلًا أمامك، بعد القيام بعدّة أمور:

1. النّسخة التي أرسلها ورثة الشيخ (رحمه الله) كانت إلى إجازته للشيخ أحمد القطري القطيفي سنة 1427هـ، وقد أضفتُ عليها إجازتين: إجازته لي والصادرة بتاريخ 1/ شوال/ 1432هـ والتي هي آخر ما صدر عنه من إجازات، والإجازة الأخرى للسيد أحمد آل طعمة الكربلائي الصادرة في 1/ صفر/ 1432هـ، والتي تفضّل بها سماحة الشَّيخ محمّد علي الحرز الأحسائي.

2. ترتيب الإجازات بملاحظة سنوات إصدارها منذ 1410هـ إلى 1432هـ.

3. تقطيع وترقيم النصوص، وإضافة بعض ما يحتاج إلى توضيح في الهوامش وهي محدودة.

4. إضافة الصفحة الأولى لكل إجازة بخطّ شيخنا العلامة، باستثناء إجازته للسيد أحمد آل طعمة وللشيخ علي المعلّم وإجازته لي؛ لأنها صدرت منه إملاءًا لعجزه في ذلك الوقت عن الكتابة، ودوّنت بالكمبيوتر ثم تمّ ختمها بختمه.

5. إضافة فهرست فني خاص بالكتب والأعلام والروايات.

6. كما صُدّرت الإجازات بإجازة العلامة الشيخ آقا بزرك الطهراني للعلامة الفضلي.

في الختام: لابد من شكر كلّ من ساهم في هذا العمل المتواضع في خدمة تراث شيخنا العلامة: ورثة شيخنا العلامة الفضلي وأخصّ بالذكر الأستاذ جواد وابن أخيه الأستاذ محمَّد ابن المرحوم فؤاد، وسماحة الشيخ محمَّد علي الحرز الأحسائي، والأستاذ علي بن محمَّد المحمَّد علي.

ثمّ دعائي بمزيد من الرَّحمة والرِّضوان لروح فقيدنا الغالي في ذكرى رحيله السادس.

مصادر المقدّمة

1. الأسد، ناصر الدين، مصادر الشعر الجاهلي وقيمتها، دار الأجيال، بدون تاريخ.
2. البابلي، أبو الفضل حافظيان (إعداد)، رسائل في دراية الحديث، دار الحديث لطباعة والنشر، الطبعة الثانية، 1428هـ.
3. الطهراني، آقا بزرك، الذريعة إلى تصانيف الشيعة، دار الأضواء، الطبعة الثانية، 1403هـ.
4. الفخوري، حنّا، تاريخ الأدب العربي، انتشرات توس، الطبعة السادسة، 1390هـ.ش.
5. الفضلي، عبد الهادي، أصول الحديث، مركز الغدير، الطبعة الثانية، 1430هـ.
6. الفضلي، عبد الهادي، محاضرة صوتية (عطاء الشيعة في الإسلام).
7. الفضلي، عبد الهادي، هكذا قرأتُهم: شخصيات علمية وادبية راحلة من القرن الخامس حتى القرن الخامس عشر الهجري، دار المرتضى، الطبعة الأولى، 1422هـ.
8. الموسوعة العربية العالمية، مؤسسة أعمال الموسوعة للنشر والتوزيع، الطبعة الثانية، 1419هـ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى