أقلام

الشيخ البن سعد ينعاه .. الرائد الميداني

الشيخ عبدالجليل البن سعد

استفقنا هذا اليوم على نبأ رحيل رجل عزيز، ممن لشخصيته الجذابة دلالات رقيقة وأنيقة، وضعت في يده عصا التمازج السحري الذي ينقاد له المجتمع بأمزجته المتباينة.

لقد سار سيرة من يؤمن بأن الأنس والقرب قد لا يهبه الناس ابتداء، ولكنهم لا يقسون على من يستوهب منهم هذا الشعور، فاخذ طريق الانفتاح على الناس ليبلغ مما أراد نصيبا وافرا، كيف لا وقد بصم على صفحة النفوس من حوله ببصمة الكلمة الحانية، فظلت أرواح الشرائح الشابة تراقبه غائبا وتستبشر به حاضرا!

له ابتسامة نصّاعة ونظرة لـمّاعة تبدو للمنكوبين روحيا وتربويا كمغتسل بارد وشراب يركضون إليه ليغسلوا به تراكمات الحياة حتى دون أن يلقي بكلمة.

وأما عن سؤال العظمة فإنه قد أجاب عنه بسيرة سديدة، لنا أن ننحت منها جملة مفيدة في خصوص هذه النزعة التي يتعرض لها الكثير من ذوي المادة أو الحظوة من الرجال، وهي:
“من العظمة أن لا تلبس لها لبوسا، ومن التميز أن لا تُعلّق على جيدك وساما، سوى اللين في الناس، والنصيحة للناس، والسعي إلى الناس لا بهم ولا منهم إليك!!”

وإن كان للشهادة حاجة فإني أشهد له ـ أسوة بالعديد ممن صحبه ـ بأنك يا أبا سجاد قد عففت نفسك عن جدال أي أحد مهما اختلفت معه، واليوم لا يملك أحد إلا أن يحزن عليك مهما أختلف معك!

وفي خاطرة من هذا الأمر وفي يوم من أيام المدينة المنورة، كان قد كشف لي خلف ستارة الأسماع عن جروح وندوب حدثت بقلبه جراء إصابته بسهام التهم الدينية ذات العيار المتوسط والثقيل، والتي ترميها ألسنة من لا يتورعون عن الظنة والشبهة في الرجال، فمن تهمة النيل من المرجعية واستنقاصها إلى ما غيرها من التهم، ومع ذلك فإنه لم يستشعر الضيم من حدوث ذلك به، بل كان يرى الضيم في احتياجه لأن يدفع عن نفسه مثل هذا الانطباع الرخيص، فأكد لي بنبرة أسى احترامه وحبه للعلماء.. ولا أذيعكم سرا إذا ما قلت: إن المقابلات العديدة التي جمعتني به هناك جرتني إلى نقد بعض من يأنس بفكرهم، فما حركه ذلك إلا ليظهر تعلقه بي أكثر وأكثر، ثم استمر يدلل على أن هذا أمر يعتقد به ولا يفتعله مجاملة لي، حتى أنه وقبل أسابيع قليلة احتضنني بابتسامته الدافئة، وقال لنا زيارة قريبا إن شاء الله.

وعلى أي من الأحوال فقد كنتُ وكان هو على استغراب شديد من سهولة التهمة لدى بعض من فئات المجتمع، وانتهينا إلى السؤال المحير، وهو: فمن عساه السعيد أو المستفيد من شهر هذا السلاح بين الأطياف المتخالفة؟؟!

فهذه دلالات شخصيه نال بها الريادة في ميادين اجتماعية مفتوحة على الكل، والتي من بينها الرحلات الدينية للحج والعمرة، والمآتم الحسينية، ومنصات التواصل الاجتماعي، وبرامج السوشل ميديا، وغيرها من الساحات التي كانت تستقبل مدرسته التربوية السيارة والمبسطة.

وأما على الصعيد العلمي فكفاه إيحاء بالرغبة و إلحاحا على العلم أنه لم ينفصل عن قاعات الحوزة العلمية إلى آخر يوم ودع فيه رحابها الطاهر، يدلف إليها في الصباح الباكر وبشكل منتظم، وإني لأستعيد هيئتنا ونحن نتبادل نظرات المحبة بقاعة الفعاليات المتعددة بالحوزة يوم الخميس الفائت، والتي كان بها الختام ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى