أقلام

الهدوء والتواضع من علامات النضج

المطرب عبد المجيد عبد الله كتب تويتات ووصفها بأنها عفوية ، فرد عليها البعض بردود جارحة كما قال فكان رده عليهم : طز في الفن ، طز في تويتر ، طز في كل إنسان أرسل كلام جارح.
وأغلق حسابه في تويتر وراح بيتهم.
ثم أبدى استياءه من سماع ألفاظ جارحة وهو في الخمسين من عمره وبعد 36 عامًا من مشواره الفني. انتهى الخبر
يا عبد المجيد ، الطز الأخيرة فهمناها ، زين الأولى والثانية ليش ؟
ثم ماذا نقول نحن وقد سمعنا ألفاظًا وعبارات جارحة على الفيسبوك وغيره من الواتس أب وحتى الرسائل النصية ، وقد تجاوزنا الخمسين ، ومشوارنا الدرسي والتحصيلي جاوز الـ 36 سنة ؟ وبعض من أطلق هذه الألفاظ والعبارات يزعم أنه من المتشرعة ويفترض أنه يتقرب إلى الله بذلك ؟ ومع ذلك ما أغلقنا حسابنا في الفيسبوك ولا رددنا على من أطلق هذه الألفاظ والعبارات ولو بكلمة واحدة ، وما ( طززنا ) في أحد ووكلنا أمرًا إلى الله.

الحالة الطبيعية أن المرء كلما تقدم به العمر تنكشف له أنماط جديدة في التعامل مع الحوادث ، ويدرك أمورًا في تصاريف الدهر لم يكن يألفها من قبل ، ويصبح أكثر اتزانًا وأقل حدة وانفعالًا في مواجهة المواقف التي كانت تستثيره في شبابه.
بالنسبة لي لم أعد أبالي بأمور عدة أذكر أمرين فقط لمناسبة المقام ولئلا أطيل عليكم :

1- الألقاب مثل الشيخ ، الأستاذ الخ …، فهي لا تعني لي شيئًا على الإطلاق لا بالنسبة إلى نفسي ولا إلى غيري ، فبالنسبة إلى نفسي : أحب اسمي أو كنيتي المجردتين من الألقاب ، ولا أشعر بأن الطرف الآخر لم يحترمني حينما يناديني باسمي أو كنيتي المجردتين ، وبالنسبة إلى غيري لا أعطي قيمة لأحد بسبب لقبه أو شهادته العلمية ، بل أنظر إلى شخصيته وخلقه ومهاراته التي يمتلكها فعلًا ، وخصوصًا في هذا الزمان ، الذي رأينا فيه بعضًا من حملة الشهادات العالية وهم لا يشتملون على الخلق الحسن ، ولا يحسنون أمورًا بسيطة ، لا نقاشًا منظمًا هادئًا لفكرة ما ، لا كتابة لنص قصير دون أخطاء ، لا قدرة على التحدث أمام مجموعة قليلة العدد من الناس لدقائق قليلة بلا ورقة ، يقرؤون من ورقة وكأنهم طلاب ابتدائية في برنامج الإذاعة ، جهل بأبسط قواعد الحوار والمنطق الخ … ، ورحم الله الشهيد السعيد السيد محمد باقر الصدر فقد كان يحرص على وضع اسمه المجرد – حتى من السيادة – على كتبه وهو العلم الكبير في عدة فنون.

وتبعًا لذلك لا يهمني أين أجلس في المحافل ، فلا يختلف عندي الحال جلست في صدر المجلس أم في بطنه أم عند رجله ، فلست أنا من يشرفه المجلس ، بل أنا الذي أشرف المجلس ، لا أقبل أن يقدمني أحد في طابور التكريم في حفلات الزفاف ، لأني لا أرى نفسي أعلى من عامة الناس الواقفين ، بل أرى نفسي أقل منهم.
وأيضًا لا يهمني اللباس ، سواء ارتديت الزي الديني أم غيره ، وأي احترام للباس لا قيمة له إذا لم يكن من هو داخل هذا اللباس أهلًا للتقدير والإكرام.

2- التجريح بقول السوء ، لا يستثيرني ولا يحرك فيّ دوافع الانتقام بالرد بالمثل ولا الكراهية لمن يفعل ذلك ، آخذ الأمر ببساطة ، كما ورد في دعاية السفن أب اللي أشوفها كل يوم وأنا راجع من المدرسة ( خذها ببساطة ) ، وأعي تمامًا أن ذلك لن ينقص من قدري شيئًا لا عند الله ولا عند الناس ، وقدوتي في ذلك شخصان :
الأول : أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، فلقد شتم على 70 ألف منبر من منابر الدولة الأموية ولمدة تزيد على الخمسين عامًا فما نقص ذلك من قدره عليه السلام ، وإنما نقص من أقدار شاتميه.
الثاني : الزاهد المعروف إبراهيم بن أدهم حينما سألوه هل سررت يومًا قط ؟ قال نعم ، مرتين ، المرة الأولى كنت جالسًا فجاء إنسان فصفعني من غير سبب ، ويوم آخر كنت جالسًا فجاء إنسان وبال علي. يعني بالمصري صار ( ملطشة ) ، فهو لا يرى لنفسه حقًا على الآخرين حتى في أن يحترموه.

لذا أقول لكم أيها الأعزاء سيروا على النهج نفسه ، لا تتأثروا من سخرية ولا تردوا على ساخر أو شاتم حتى بقول ( سلامًا ) وكأنكم لم تسمعوا أو تروا شيئًا واعملوا بقول الشاعر :
ولقد أمر على اللئيم يسبني فمضيت ثمت قلت لا يعنيني
ردكم دلالة على أنكم نزلتم بأنفسكم إلى منرلة الساخر أو الشاتم وستشعرون بقيمتكم عند أنفسكم قد هبطت إن فعلتم ذلك ظانين أنه بردكم ستردون اعتباركم ، ولكن هذا شعورمؤقت كاذب خداع ، وبالعكس ستشعرون بعظمة أنفسكم إن تجاهلتم وتجاوزتم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى