أقلام

سياسة التقشف وميزانية المملكة للربع الأول التي أعلن عنها مؤخراً

مرتضى حسين النمر

ربما جاء إعلان سياسة التقشف المالية التي أعلن عنها وزير المالية محمد الجدعان يوم أمس متوقعا للكثير وغير مستغرباً من الاقتصاديين عطفا على معطيات الظروف الراهنة التي تمر بها غالبية دول العالم. قبل التحدث عن هذه السياسة، لابد من مقارنة أرقام الميزانية للربع الأول لعامي 2019م و 2020م للتعرف على أبرز التغيرات في بنود الميزانية.

الإيرادات النفطية مثلت 68.90% من إجمالي الإيرادات للربع الأول عام 2019م، بينما مثلت 67.04% من إجمالي إيرادات الربع الأول لعام 2020م. هذا الانخفاض الطفيف في نسبة التمثيل يرجع للتوازي في الانخفاض المهم في كلا الإيرادات النفطية وغير النفطية. حيث أن الإيرادات النفطية انخفضت بنسبة 23.84%، وانخفضت الإيرادات غير النفطية بنسبة 17.05% مقارنة بين الربعين الأوليين لعام 2019م و 2020م.

أما المصروفات فقد ارتفعت بنسبة 3.80%، وكانت نسب الاختلاف طفيفة بين بنود المصروفات حيث لم تتجاوز حاجز الـ 5%. ولكن أرقام المصروفات في الربع الأول لم تنعكس عليها آثار جائحة كورونا بشكل واضح كما انعكست على الإيرادات. وذلك يرجع إلى أن نسبة كبيرة من الإيرادات سواء النفطية وغير النفطية لها ارتباط وثيق بالنفط وبالتالي تتأثر بشكل رئيس بالعوامل الاقتصادية العالمية. والاقتصاد عالميا بدأ ظهور الآثار السلبية عليه من بعد أول ظهور للڤايروس في يوهان الصينية، الذي كان في ديسمبر عام 2019م.

في الجانب الآخر، فإن المصروفات تتأثر بشكل مباشر بالعوامل الاقتصادية الداخلية وليس لديها حساسية عالية للاقتصاد العالمي إذا ما قارناها بالإيرادات. كما أن أول ظهور لحالة ڤايروس كورونا في المملكة لم يكن إلا في منتصف الربع الأول (منتصف شهر فبراير) للعام الجاري، ولم تبدأ إجراءات حضر التجول والإغلاق إلا بعدها بعدة أسابيع. ولذلك فمن المؤكد أن أثرها سيظهر بصورة أوضح في الربع الثاني.

سياسة التقشف التي تم الإعلان عنها يوم أمس، التي أكدت على ضرورة خفض المصروفات يفسرها التوقعات لأداء الربع الثاني لعام 2020م، الذي سيظهر على أرقامه أثر جائحة ڤايروس كورونا بشكل أكبر من الربع الأول كما بين الجدعان. فارتفاع النفقات على جهات معينة أبرزها وزارة الصحة وانخفاضها في جهات أخرى كالترفيه والرياضة لم يحدث إلا في الربع الثاني.

من جهة أخرى، فالانخفاض في أسعار النفط عالميا كان موجودا منذ مطلع العام، ولكن الانخفاض الحاد التاريخي لم يبدأ إلا في الربع الثاني للعام الجاري. فانخفاض سعر برميل النفط في أوبك إلى أكثر من 78% مقارنة بالربع الأول لعام 2019م مما لا شك فيه أنه سيؤدي إلى تراجع إيرادات الربع الثاني لهذا العام، حيث أن متوسط سعر برميل النفط في أوبك تجاوز 70 دولار في بداية الربع الثاني عام 2019م، بينما انخفض إلى دون 15 دولار في أوائل الربع الثاني لعام 2020م.

وحسب توقع معهد التمويل الدولي Institute of International Finance الذي تم نشره يوم الثلاثاء 14 أبريل 2020م أن الطلب العالمي على النفط سيتراجع بنسبة 8% بمقدار 8 مليون برميل يوميا، وسيكون الطلب في أدنى مستوياته في الربع الثاني لعام 2020م بسبب تراجع الاستهلاك لتوقف الأنشطة الاقتصادية، وحظر السفر في كثير من الدول. حيث أن 70% من استهلاك النفط عام 2019م كان عن طريق الجازولين والديزل ووقود الطائرات. ولكن من المتوقع أن يتحسن الطلب في الربعين الثالث والرابع حيث سيبلغ 32 دولار في الربع الثالث و 41 دولار في الربع الرابع، وأن متوسط سعر برميل النفط لعام 2020م قد يصل إلى 40 دولار للبرميل إذا ما التزمت دول أوبك باتفاق خفض الإنتاج بمقدار 9.7 مليون برميل يوميا، حيث يمثل هذا الانخفاض 10% من إنتاج الطاقة عالميا.

وعلى الرغم من أن وزير المالية أكد على أن المملكة سوف تتخذ إجراءات صارمة قد تكون مؤلمة لمواجهة هذه الأزمة، إلا أنه أكد بأنه ستتم المحافظة على وظائف المواطنين في القطاع الخاص واستمرارية تقديم الخدمات الرئيسة وتوجيه جزء من ناتج خفض النفقات للرعاية الصحية. كما صرح بأن الرواتب والبدلات الثابتة والترقيات للموظفين لن تطالها سياسة التقشف، وأن أقصى ما سيتم إيقافه هي نفقات المكافآت والانتدابات والنثريات وما يتم صرفه على العلاقات العامة وغيرها، كما أن بعضها سينخفض طبيعيا كتلك المرتبطة بالسفر والانتدابات.

وفي الختام، أحب أن أنوه إلى المسؤلية المشتركة بين الحكومات والشعوب في مواجهة هذا الوباء. فدور الشعوب مهم جدا ورئيس، ومن أدنى مسؤليتهم تجاه أنفسهم وأوطانهم هو اتباع التعليمات والإرشادات الصحية الصادرة من الجهات المختصة التي من شأنها أن تساعد على محاصرة هذا الوباء وتقليل انتشاره والقضاء عليه بشكل أسرع. وهذا بدوره سيقود حتما لانتعاش الاقتصاد. فكلما صغرت دائرة الوباء، قل الزمن اللازم لمحاربته، وانخفضت المصروفات والجهود المرتبطة به، وعادت الحيوية للإيرادات بعودة عجلة الحياة لطبيعتها بإذن الله تعالى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى