أقلام

عدسة في هيئة إنسان

جاسم عساكر

مشتركات كثيرة تربط بيني وبين المبدع الجميل الأستاذ منعم الحجاب، ليس الشعر أولها، فما الشعر سوى تتويج لتلك المسيرة العابقة من المحبة والجيرة لسنوات طويلة، فهو ابن حارتي التي تفتحت عيوننا فيها وانغرست أقدامنا في أطرافها منذ ميعة الصبا والطفولة، وإن كان يصغرني عمرا، إلا أنني كلما رأيته رأيت بشائر الخير تترى على قريتي، في أدبه الجم وأخلاقه الفاضلة، وحماسه الكبير نحو الخدمة، وكذلك هو ابن مؤذن الجفر الأشهر الحاج/ عبدالله الحجاب (رحمه الله تعالى) مما جعل أنهار الطهارة تسيل في روحه باكراً، وتتعبأ بها أحاسيسه.
خجول في حديثه الذي يداريه بإظهار بعض الشقاوة المتسمة بالطرافة التي تأتي عادة على شكل مفاجأة غير متوقعة منه في الكلام، فأدخل معه في قهقهة طويلة كلما صادفته في ممر، أو التقيت به على عتبة باب، فما أن نفيق من تلك القهقهة حتى نقع على مثلها في منعطف آخر.
نما الشاب ووردة وعيه تنمو معه، تتسع مداركه ويمتد أفقه، فيما نهر إحساسه بالحب يفيض حيال كل شيء في حياته، فعلى الصعيد الاجتماعي نلمس (عبدالمنعم) الذي لا يغيب عن دعم أي مشروع من شأنه أن يخدم البلد، ولا يمكن لأي مناسبة تمر دون أن يترك له بصمة كالأعياد والزواج الجماعي والمناسبات العامة، وما (سناب الجفر) إلا إحدى حسنات هذا الشاب الجميل، الذي دأب على نقل التفاصيل الدقيقة والزوايا المغفول عنها ليقدمها إلينا ونحن في البيوت، عدا ما تلتقطه عدسته التصويرية من مشاهد واقعية في حياة الناس ليشكل بذلك ألبوماً ضخماً من الذكريات، ولما يتمتع به من إحساس يقظ فإنه لم يتوقف عند هذا الحد وإنما أخذت عدسته التصويرية بعدا آخر في حياته، وهو التصوير الشعري إلى جانب التصوير الفوتوغرافي، فجاءت أشعاره وقصائده مزودة بزوم دقيق في التقاط الصور اليومية المكتوبة بشكل لافت جداً وكأنه نما دفعة واحدة، فراح يقدم إلينا القصيدة تلو الأخرى والصورة التي تتبع أختها في إطار شعبي قريب من النفس، وما كانت قصائده تلك إلا لتعكس إحساسه المفرط بالإنسان لما تلمسه فيها من وجع المحرومين وآهات الثكالى، كل ذلك عبر صياغة مشرقة وديباجة أنيقة يلحظها كل من له اهتمام بالشعر أو صلة بالقصيدة، بل ويعيشها حتى من ليس له مساس بذلك، لأنها رشيقة قادرة على الوصول دون إسفاف في اللفظ ولا تقعير في اللغة، وهذا يرجع إلى ما تشرّبه الأستاذ عبدالمنعم من أنهار الشعر الصافية وما اختزلته ذاكرته من زلال القصائد.
محبتي الكبيرة لابن بلدتي الجميل والمطلّ دائما ببهاء الملائكة على محافلنا ومناسباتنا مصحوبا ببسماته المتقدة كالمصابيح في ليالي الشتاء الطويلة والمظلمة، داعيا له بالمزيد المزيد من العطاء والصعود نحو القمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى