أقلام

رسالةُ ثناءٍ وتقدير

شبر الرمضان

(مَن لم يَشكر المَخلوق لَم يشكُر الخالِق)

أيام العشرة الحسينية أيامٌ مفعمة بالحب والولاء، ممزوجة بالحزن والأسى، مليئة بالبذل والعطاء، مؤطرة بالوعي والفكر، وهي أيام لا تتكرر في السنة الواحدة مرتين. الإمام الحسين “عليه السلام” الذي قضى شهيدا قبل نحو ألف وأربع مئة سنة لا تزال دماؤه الشريفة تروي شجرة الإنسانية وتقوِّم اعوجاجها وتُنضّج ثمارها وتحفظها عن الإندراس.
ولا شك أن لهذه النعمة العظيمة أسبابا للبقاء والتأثير، أهمها ما سعى أهل البيت “صلوات الله عليهم” لتأصيله وتأسيسه من خلال تفاعلهم مع القضية الحسينية تنظيرا وتطبيقا، فعلى مستوى التنظير فقد أكد الأئمة الطاهرون “عليهم السلام” على أهمية إقامة الشعائر الحسينية، ومن ذلك ما ورد عن الإمام الرضا “عليه السلام”: *(على مثل الحسين فليبكِ الباكون، فإنَّ البكاء عليه يحطُّ الذنوب العِظام)*، وكذلك عنه عليه السلام: *(ما من أحد قال في الحسين عليه السلام شعراً فبكى وأبكى به إلا أوجب الله له الجنّة وغفر له)*، ومِن ناحية التطبيق العملي فقد كثُرت الروايات عنهم في إبرازهم لمظاهر الحزن والبكاء على مصاب سيد الشهداء “عليه السلام” -في أيام المحرم خصوصا-، منها ما ورد عن الإمام الرضا “عليه السلام”: *(كان أبي إذا دخل شهر محرم، لا يُرى ضاحكاً، وكانت الكآبة تغلب عليه حتى يمضي منه عشرة أيام، فإذا كان يوم العاشر كان ذلك اليوم يوم مصيبته وحزنه وبكائه، ويقول: هو اليوم الذي قتل فيه الحسين”صلوات الله عليه”)*، وبعد ذلك تأتي جهود العلماء الأمناء على الدين، وهم المراجع العظام وطلبة العلم في تأكيدهم على ضرورة إقامة الشعائر الحسينية حتى في أصعب الظروف -لكن مع مراعاة ما يلزم من أمور صحية وغيرها-، ثم يأتي دور الخطباء وأهل المنبر من إعدادٍ وتحضيرٍ لإثراء الساحة الفكرية والاجتماعية والمعرفية العامة وللرثاء والإبكاء على المصيبة العظيمة والرزية الأليمة.

كمستمعٍ صغير أجد أن لهذه المجالس العظيمة فوائد لا حصر لها، ومن أكثر الفوائد قوةً ووضوحا هو ما يقدم من مادة علمية رصينة على هيئة بحوث وقراءات جادة لمعالجة قضايا مختلفة؛ بعضها استباقي تأسيسي يُعدّ القاعدة الفكرية للمستمع وبعضها استدراكي يعالج الشبهات ويغلق باب الفتنِ الواردةِ من مختلف الجهات.
فلا مجال بعد ذلك لِأنْ يُخدع المستمع الشيعي الواعي لا من الخارج الديني والعلمي ولا من الداخل الإسلامي والمذهبي.

فلله الحمد أولا وآخرا على ما خصنا به من ولاية أهل البيت “عليهم السلام” وله الشكر على نعمة حب الحسين وشعائره المباركة، وشكرا ثانيا للجهود العظيمة التي يبذلها السادة والمشايخ والفضلاء والخطباء والشعراء والرواديد في إيصال صوت الحسين ومبادئ الحسين “عليه السلام”، وكذلك الشكر موصول لأرباب المجالس الحسينية الذين قدموا ولا زالوا يقدمون من أموالهم وأوقاتهم الشيء الكثير في سبيل إحياء الشعائر الحسينية، ولا ننسى كذلك جهود المتطوعين في المجالس وتنظيمها وتهيئتها لاستقبال المعزين والمستمعين، خصوصا في هذه السنة المختلفة، فلهم منا جميعا الشكر الجزيل والثناء الجميل وندعو لهم بالقبول والموفقية.

نسأل الله تبارك وتعالى ألّا يفرق بيننا وبين محمد وآل محمد “عليهم السلام” وأن يحشرنا في زمرتهم إنه سميع مجيب.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى